آخر الأخبار

الاعتراف بدولة فلسطين… بداية لمسار جديد نحو العدالة والسلام

شارك

الاعتراف المتزايد بدولة فلسطين من قبل عدد من الدول الأوروبية والعالمية لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية، بل لحظة سياسية وإنسانية فارقة. في ظل حرب مدمّرة على غزة، وواقع احتلال واستيطان مستمر منذ عقود، قرر العالم أن يُعيد النظر في مواقفه، وأن يمنح الشعب الفلسطيني ما يستحقه: الاعتراف بوجوده، بسيادته، وبحقه في تقرير مصيره.

هذا الاعتراف لا يُختزل بالرمزية، بل يحمل دلالات عميقة. إنه إعلان بأن تجاهل الحقوق الفلسطينية لم يعد خيارًا مقبولًا، وأن استمرار الاحتلال لا يمكن أن يُشكّل أساسًا لأي سلام حقيقي. هو أيضًا رفض ضمني لمشروع الهيمنة الذي تسعى إليه قوى اليمين الإسرائيلي، التي تحاول فرض واقع دائم من السيطرة والتمييز، عبر سياسات تُكرّس نظام فصل عنصري (أبارتهايد) تحت غطاء ناعم تسميه “إدارة أمنية” أو “سلام اقتصادي”.

السلام الحقيقي لا يُبنى على الإذلال، ولا على فرض الأمر الواقع بالقوة. السلام يُبنى على العدالة، على المساواة، وعلى الاعتراف المتبادل بالحقوق. الاعتراف بدولة فلسطين هو خطوة في هذا الاتجاه، لكنه ليس كافيًا. ما نحتاجه هو إرادة دولية حقيقية لترجمة هذا الاعتراف إلى إجراءات عملية: وقف الاستيطان، إنهاء الاحتلال، رفع الحصار، وضمان الحقوق السياسية والمدنية للفلسطينيين أينما كانوا.

في هذه اللحظة، حيث يحتفل الشارع اليهودي بعيد رأس السنة العبرية، أجدها فرصة أخلاقية وإنسانية للتأمل. رأس السنة قد يكون الوقت المناسب للمحاسبة، للتفكير، ولإعادة تقييم المسارات. وأتوجه بنداء صادق إلى المجتمع اليهودي في إسرائيل: هذه لحظة تستحق أن تُستغل لإعادة النظر في مواقف الحكومة الفاشية التي تقود البلاد نحو مزيد من العنف والعزلة.

لا تعتبروا الاعتراف الدولي بدولة فلسطين تهديدًا، بل فرصة. فرصة لبناء شراكة حقيقية بين الشعبين، قائمة على الاحترام المتبادل، وعلى إنهاء عقود من الصراع. أنتم، كمجتمع مدني حي وواعٍ، قادرون على أن تكونوا شركاء في صناعة السلام، لا مجرد متفرجين على سياسات تدمّر مستقبل الجميع.

دعونا نخرج من منطق الانتصار والهزيمة، وندخل في منطق الحياة المشتركة. دعونا نرفض التطرف من أي طرف، ونبني معًا نموذجًا جديدًا للتعايش، لا يقوم على الخوف، بل على الأمل. الاعتراف بدولة فلسطين هو بارقة أمل، فلنُحسن استقبالها، ولنحوّلها إلى بداية لمسار جديد، أكثر إنسانية، أكثر عدالة، وأكثر شراكة.

الشعب الفلسطيني لا يطلب المستحيل، بل يطلب ما هو بديهي: الحرية، الكرامة، والدولة. وهذه المطالب لا تُهدد أحدًا، بل تُنقذ الجميع من دوامة الدم والدمار. فلنغتنم هذه اللحظة، ولنُعيد رسم الطريق، معًا.

الاعترافات الدولية الأخيرة ليست نهاية المطاف، بل بداية لمسار طويل نحو سلام شامل. إنها لحظة اختبار للضمير العالمي، وللشارع الإسرائيلي أيضًا. هل سيكتفي العالم بالتصريحات، أم سيتحرك فعليًا نحو إنهاء الاحتلال؟ هل سيُترجم هذا الاعتراف إلى حماية دولية، إلى مساءلة قانونية، إلى دعم اقتصادي وسياسي حقيقي؟

الجواب لا يزال مفتوحًا، لكن الأمل موجود. والشعب الفلسطيني، رغم كل الجراح، لا يزال يتمسك بحلمه في الحرية، في الدولة، وفي السلام العادل. هذه اللحظة ليست فقط لحظة اعتراف، بل لحظة صدق مع الذات، لكل من يريد مستقبلًا مختلفًا في هذه الأرض.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا