آخر الأخبار

نتنياهو وخطاب الدم المغلف بالدين

شارك

نتنياهو وخطاب الدم المغلف بالدين

الشيخ صفوت فريج
رئيس الحركة الإسلاميّة

المتأمّل بخطابات نتنياهو الأخيرة يلحظ تحوّلًا لافتًا في اللغة والأسلوب، حيث لم يعد يكتفي بخطابٍ سياسي أو عسكري، بل صار يغلّف عمليّاته بقداسة مصطَنعة. رئيس وزراء عُرِفَ بميوله العلمانيّة، بدأ يستحضر نصوصًا توراتيّة ويقتبس من المزامير، يُلبِسُ الحقَّ بالباطل، ويذكّر أتباعه "بالعماليق"، ليصوّر حربه على غزّة كأنّها "حربٌ مقدّسة بين أبناء النور وأبناء الظلام"! بهذا التلاعب الديني يحاول نتنياهو أن يحوّل القتل والدمار إلى فعلٍ مُبارك، وإضفاء هالة روحيّة على الصراع، في محاولةٍ مكشوفة لحشد جمهوره واستدرار التأييد تحت ستار النصوص المقدّسة.

مصدر الصورة

هذه ليست كلمات عابرة، بل خطّة مدروسة لشرعنة الدم واستباحة الدمار. نتنياهو يصوغ خطابًا يوهِم جمهوره أنّ الدماءَ قدرٌ سماوي، وأنّ تدمير غزّة واجبٌ توراتي. هكذا يُستدعى الدين، لا ليكون رحمةً وهداية، بل ليغدو سيفًا بيدِ السياسي، يبرّر به قصف الأطفال وهدم البيوت وتشريد الأبرياء. بهذا التلاعب، يحوَّل النصّ المقدّس إلى أداة حرب، ويكسي العنف بلباس العقيدة، ليشرعن مشروعه الدموي الّذي لا يمتّ للسماء بصلة.

لم يكن مستغرَبًا أن يُستحضر هذا الخطاب في مداولات محكمة العدل الدوليّة كقرينة على نزعة الإبادة المتجذّرة في عقل القيادة الإسرائيليّة. الاستشهاد المتكرّر بعبارة "قهر العماليق"، ليس مجرّد استعارة دينيّة، بل هو غطاءٌ عقائدي لسياسة الأرض المحروقة، وإشارةٌ واضحة إلى أنّ المطلوب ليس هزيمة خصمٍ سياسي، بل محو شعبٍ كاملٍ من الوجود. بهذا التحويل الممنهَج للنصوص المقدّسة إلى ذريعة حرب، تتحوّل القيم الدينيّة من رسالة رحمة إلى أداة تبرّر القتل والتدمير، لتكشف أمام العالم أنّ ما يجري ليس صراعًا عسكريًّا عابرًا، بل مشروع اقتلاع وإبادة مؤدلَج.

كشف تحليلٌ أعدّه معهد سياسة الشعب اليهودي لـ97 خطابًا ألقاها نتنياهو منذ اندلاع حرب غزّة (تشرين الأوّل 2023 حتّى منتصف 2025)، مقابل 33 خطابًا لدافيد بن غوريون إبّان النكبة (1948–1949)، عن قفزة غير مسبوقة في توظيف النصوص الدينيّة والتعابير الإيمانيّة، حيث أنّ نتنياهو -وهو المعروف بعلمانيّته- يتحدّث بخطابٍ تعبوي ذي نبرة دينيّة لافتة، إذ يضمّن 59% من كلماته العامّة بعبارات مثل "بمساعدة الله" وَ "ليأخذ الله بثأر دمائهم"، مقابل 21% لدى بن غوريون. هذا الاستخدام المكثّف يكشف عن استراتيجيّة مدروسة لتحويل الحرب إلى معركةٍ ذات قداسة زائفة، تمنح القتل والدمار مسحةً دينيّة تبريريّة.

اليوم، والعالم يشاهد المجازر على الهواء مباشرة، سقطت كلّ حجج التذرّع بآيات أو نصوص لتبرير الجريمة. لا كلمات توراتية تمحو الدماء، ولا حرب تتحوّل إلى عبادة. خطابات نتنياهو المتدثّرة بالدين ليست سوى قناع هشّ يخفي حقيقة واحدة صارخة: حرب وحشيّة عارية من أيّ شرعيّة، مهما "تزيّنت" بثوب العقيدة. "وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ".. من يسفك الدم ظلمًا لن يجد نصيرًا أمام عدل الله، ولو لبس ألف قناعٍ من القداسة المزعومة.

ولكي ندرك الفرق بين من يتستّر بالدين ليقتل، وبين من يجعل الدين أمانًا للإنسان، كلّ إنسان، نتذكّر يوم دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه القدس، حيث لم يحمل آنذاك سيف الإبادة، بل كتب لأهلها العهدة العُمريّة الّتي صانت دماءهم وكنائسهم وممتلكاتهم، ليشهد التاريخ أنّ الدين الحقّ رحمةٌ وعدل، لا ذريعة للقتل والاقتلاع والتهجير والإبادة.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا