آخر الأخبار

نتنياهو وخطاب اسبارطة وإعلان حرب الحضارات... MIGA الأسرائيلية في خدمة MAGA الأمريكية

شارك

في خطابه يوم 15 ايلول سبتمبر في قسم المحاسبين العامين في وزارة المالية الاسرائيلية، حدد نتنياهو معالم المستقبل وبُعدا جوهريا في رؤيته وسياساته يقوم على ديمومة الحرب، بقوله "المخاطر لا تختفي، بل تتغيّر فحسب". شدد نتنياهو على التوجه الجديد في مواجهة العزلة الدولية بالتمحور في التصنيع العسكري الذاتي.

يشكل قسم المحاسب العام في وزارة المالية الجهة المركزية المسؤولة عن إدارة أصول الدولة وإدارة خزينة الحكومة. ويوقع المحاسب العام العقود والتعهدات نيابةً عن الحكومة.

ليس من الواضح فيما اذا كان خطاب نتنياهو المتزامن مع القمة العربية الاسلامية في الدوحة وزيارة وزير الخارجية الامريكية، له علاقة بالحدثين من حيث التوقيت.

وفقاً لما ورد، يعترف نتنياهو علنا بالعزلة التي تحيط بإسرائيل، فيما أن استنتاجاته هي المضي في ترسيخ سياساته التي باتت أقرب الى المقامرة الشاملة وديمومة الحرب حتى الحسم، والتي تشير الى ان نتنياهو على قناعة بقدرات اسرائيل على حسمها، متسلحاً بتصريحات ورسائل ماركو روبيو المتبنية لموقف اسرائيل وروايتها. كما انه فعليا يرفض أية يد عربية تمتد له لصنع التفاهم ان لم يكن السلام مهما كان نوعه ومضمونه.

بينما الاخطر مما ذكر هو قول نتنياهو في سياق انجازات اسرائيل في الحرب ضد ايران بأن هناك تهديدات جديدة لاسرائيل، أضاف نتنياهو: "حتى عند إسقاط قوة معينة، تطفو قوى أخرى على السطح. ... لن أذكرها بالاسم". وتابع مع كبار موظفي وزارة المالية: "فكّروا فيما بينكم في المخاطر. المخاطر لا تختفي، بل تتغير فحسب". فعليا يلمّح نتنياهو الى كل من مصر وتركيا، وكذلك لتبرير الضربة ضد قطر.

اثير موضوع التصنيع العسكري الذاتي خلال رئاسة بايدن حين حظر الرئيس الامريكي تزويد اسرائيل بقذائف عملاقة قبل احتلالها لمدينة رفح وتدميرها بشكل شامل، اذ كانت اعتبارات بايدن ان الجيش الاسرائيلي سيستخدمها ضد المدنيين فيما زودت الولايات المتحدة اسرائيل بقنابل وعتاد اكثر فتكا في الحرب ضد حزب الله وايران، وحاليا العى ترامب الحظر الذي قام به بايدن.

فيما اتبعت ألمانيا هذا الموقف في وقف تصدير انواع اسلحة دمار شامل وذخيرة قد تستخدم ضد المدنيين في عملية عربات جدعون2 وفقا للموقف الألماني، كما اتخذت كل من بريطانيا وفرنسا اجراءات شبيهة، بينما اتخذت اسبانيا خطوات أبعد أثرا في منع استخدام موانئها لنقل الاسلحة الامريكية الى اسرائيل، وحذت حذوها لاحقا ايطاليا.

حرب الحضارات و"اسرائيل العظمى":

يعزو نتنياهو عزلة إسرائيل الى سببين اثنين؛ الأول هو "الهجرة غير المحدودة للأقليات المسلمة إلى دول أوروبا الغربية. إنهم ليسوا الأغلبية بعد، لكنهم أقلية مؤثرة، صريحة وفعالة، وهذا يُثني الحكومات. هذه الأمور تؤثر على القادة، وهم لا ينكرونها في أحاديثهم الخاصة".

فعليا فإن اسرائيل الرسمية ومنظومتها الاعلامية تعاملت بشكل لافت مع المظاهرات العنصرية التي اجتاحت بريطانيا مؤخرا ضد الهجرة وساندتها، بالاضافة الى تأليب الخطاب الشعبوي الاوروبي لصالح شيطنة المهاجرين واعتبارهم معادين للسامية وللتفوق الغربي الحضواري، واعتبارهم يتحكمون بالموقف الاوروبي وللتذكير هي جزؤ من خطاب الكراهية الذي كان سائدا تجاه اليهود الاوروبيين مع صعود اللاسامية. كما يرى نتنياهو وحكومته بزيارة روبيو صاحب المواقف العقائدية الى جانب ترامب ضد هجرة العمل والسكن ويعتبرها "خطرا على الامن القومي الامريكي"، فرصة لدعوة كل منهما الى التخلص من "الخطر" بطرد المهاجرين بالقوة. ثم أن مسألة تهجير المهاجرين تلتقي منطقيا في نظر نتنياهو مع نواياه بتهجير غزة وحتى الضفة الغربية.

فيما الرسالة الثانية والموجهة اساسا الى ترامب وادارته بقوله "إن دولًا مثل قطر والصين تؤثر على الرأي العام من خلال استثمارات ضخمة في حملات التواصل الاجتماعي. و"هذا يُغيّر مكانة إسرائيل الدولية. سيتعين علينا استثمار مبالغ طائلة في هذا"."إنه نوع من العزلة"، كما انه خطاب موجه الى المالية الاسرائيلية بتخصيص الميزانيات لهذا الغرض.

فعليا، انتقل نتنياهو في خطابه من عقيدة السوق الحرة المفتوحة عالميا وداخليا الى عقيدة الاقتصاد المغلق القائم على القدرة على الاكتفاء الذاتي والاستمرارية الانكفائية. وذلك ليس هدفا بحد ذاته بل ضمن رؤية ترى بالحروب المستدامة واقعا اذ يقول " على الأقل في السنوات القادمة يتعين علينا الدفاع عن أنفسنا ومعرفة كيفية مهاجمة العدو". بل أن دولة اسرائيل يجب أن تُدار كـ"إسبارطة" التي خاضت حروبًا عديدة ضد أثينا. "سيتعين علينا تطوير صناعات الأسلحة هنا. سنكون أثينا وإسبارطة عظمى. ليس لدينا خيار اخر"

في الخلاصة؛ يعترف نتنياهو بأن العزلة الموجودة فيها اسرائيل دوليا، ليست شأنا مؤقتا وعابرا، بل ثابتا ومستداما، فيما يراهن على قيم ادارة ترامب وعلى الشعبويين الاوروبيين. فيما وجهة نتنياهو في حال نجح في البقاء في الحكم هي مواجهة العزلة الدولية بالتمترس خلف نوايا الحرب الدائمة، ووحدانية الحل العسكري ودونما اية حلول سياسية أيا كانت. حتى انه لا يريد التطبيع ولا اتفاقات ابراهامية. كما تؤكد التحولات العقائدية لدى نتنياهو بأن التحولات في المواقف الدولية لصالح الحق الفلسطيني باتت تضع اسرائيل في عزلة، فيما استنتاجاته ستزيد العزلة وتعمقها، وهي ليست حالة عابرة.

بما يبدو نوعا من جنون العظمة يتحدى نتنياهو الدول العربية والاقليمية ويهدد بشكل مبطن كلا من مصر على دورها الاقليمي وفي قضية فلسطين وتركيا وحصريا في الشأن السوري، مشيرا الى نواياه بأن عملية اسرائيل العسكرية في الدوحة ليست نهاية المطاف. كما يتحدى نتنياهو في حال كان قادرا فعلا، الدول المصدرة للسلاح لاسرائيل باعتماد الانتاج الذاتي للترسانة العسكرية وهو ما من شأنه ان يستدرج ميزانيات هائلة وغير مسبوقة ليس بالضرورة ان تكون متوفرة حتي بتغيير بنية الاقتصاد.

يتوافق نتنياهو بشكل شبه مطبق مع اجندة ترامب وادارته في مسألة في استعداء المهاجرين والاسلام والصين، وفي نظرية كره الاجانب والصراع المستدام بين الحضارات. كما يضع نفسه في صلب القوى الشعبوية الاوروبية حتى المعادية للسامية في حال كان خطابها كره الاجانب والمهاجرين، سعيا لإحداث صدام اوروبي داخلي مع حركات المناصرة لفلسطين.

يسعى نتنياهو وحكومته من اثارة موضوع المهاجرين الفلسطينيين ومن الدول العربية والاسلامية الى اوروبا، وفي المطالبة بميزانيات كبرى للدعاية وترويج الرواية، الى فتح جبهة صدام مباشرة مع حركات التضامن مع فلسطين والسعي الى سيطنتها بتعابيره العنصرية بأنها نتاج الهجرة وعلى حساب الموقف الاوروبي "الابيض" وفقا للخطاب الاستعماري.

على غرار تيار MAGA الامريكي الانكفائي القائم على مبدأ "لنجعل امريكا عظمى مجددا" يسعى نتنياهو للترويج على اساس عقيدته "الاسبارطية" الانكفائية، الى ما يمكن وصفه بـ MIGA اي "لنجعل اسرائيل عظمى".

(مركز تقدم للسياسات)

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا