بدأ وزير الخارجية الامريكي ماركو روبيو زيارته الرسمية لتل ابيب ولمدة يومين 14و15/9، نقلا عن الخارجية الامريكية اعلن الاعلام الاسرائيلي اهداف الزيارة وهي؛ الولاء الكامل لأمن اسرائيل؛ الافراج عن الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين جميعا وبدفعة واحدة؛ التداول في هزيمة حماس؛ ومسألة اعادة اعمار غزة بما فيه من سيقوم بذلك ومن سيموّل ومن سيشرف. بدورها تنطلق القمة العربية الاسلامية في الدوحة المستوى الوزاري يوم 14/9 والقادة 15/9 للبحث في تداعيات الغارة الاسرائيلية والرد عليها.
زيارة روبيو مبرمجة مسبقا وقبل الغارة الاسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة. وإذ انّ جدول اعمالها الاساس هو كما ورد اعلاه، الا انه لا يستطيع تجاوز قمة الدوحة وما قد تحمله من خطوات. يعتمد هذا على مدى تحميل الولايات المتحدة المسؤولية حتى وان ادعت ادارة ترامب انها لم تكن على علم مسبق بالعملية الاسرائيلية وبتنسيق معها.
فيما تعزز تصريحات ترامب المتضاربة بعد العملية واسراع نتنياهو الى الاعلان بانها عملية اسرائيلية محض، واسراع ترامب للتأكيد بأنه علم عن العملية من الجيش الامريكي وليس مباشرة من نتنياهو. فيما اعرب عن "عدم رضاه" من العملية كونها تحدث في قطر وفي المقابل دافع عن اهدافها بالقضاء على قيادات حماس بما يخدم المفاوضات للصفقة وعودة الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين وفقا له.
اللافت في جدول اعمال زيارة روبيو الى تل ابيب هو موضوعها الاول الى جانب التأكيد على الموقف العقائدي والمطلق لصالح اسرائيل، يأتي موضوع "هزيمة حماس" وترجمته تعني ضوءا أخضر لاسرائيل باستمرار الحرب بما يوحي ان عملية عربات جدعون2 الابادية تسير بدعم امريكي واضح.
الموضوع الجديد على جدول اعمال الزيارة هو المناقشة الرسمية العلنية الاولى مع تل ابيب بصدد اعادة اعمار غزة؛ ومن سيقوم بذلك ومن المموّل ومن المشرف علي العملية، وخارج نطاق حل قضية فلسطين وعلى حساب الحملة الدولية للاعتراف بفلسطين. وفقا للتصريحات والخطوات الامريكية والاسرائيلية ايضا فهناك مسعى لاستبعاد مخرجات قمة القاهرة الاستثنائية بصدد اعادة الاعمار
يمثل روبيو في الادارة الامريكية عقيدة أرض اسرائيل الكبرى والولاء الامريكي المطلق لاسرائيل، ودعم حكومة نتنياهو في كل خطواتها في غزة والضفة الغربية والقدس. وجاءت زيارته برفقة نتنياهو الى حائط البراق بمثابة تأكيد على الرابط العقائدي التوراتي مع "ارض اسرائيل".
يرى الاعلام الاسرائيلي نوعا من الضوء الاخضر الامريكي لمشروع بسط السيادة الاسرائيلية والضم في بعض المناطق في الضفة الغربية. تنقل صحيفة معاريف حرص ماركو روبيو، على عدم التعبير عن دعمه أو معارضته لضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية. وعندما سُئل عن ذلك في مؤتمر صحفي مع وزير خارجية الإكوادور 11/9، أجاب بأنه حذّر الدول الغربية من أن "هذا ما سيحدث" إذا اعترفت بدولة فلسطينية. ووصف روبيو الضم بأنه ظاهرة طبيعية حتمية، وليس تهديدًا أو خطوة سياسية من شأنها أن تُحوّل أقرب حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى دولة فصل عنصري. تضيف الصحيفة بأن روبيو قد أبدى تحفظاته بشأن الضم عندما قال: "إنه ليس نهائيًا، فهو قيد النقاش في بعض الأوساط السياسية الإسرائيلية". فيما يندرج هذا التحفظ تحسباً امريكيا اسرائيليا من القمة العربية والاسلامية. اضافة الى التخوف الحقيقي من تآكل الاتفاقات الابراهامية والتي تعتبر من انجازات ترامب الاستراتيجية اقليمياً.
الايحاء الاسرائيلي الرسمي باحتمالية فشل عمليتها في الدوحة هو مسألة كبرى حين تتبدى نهائيا وبشكل قطعي. ومن شأن هكذا استنتاج ان يؤدي الى توتر بين نتنياهو وترامب، حيث يحصد نتنياهو بخلاف نواياه ونوايا ترامب تقاربا غير مسبوق بين ثلاث قوة اقليمية كبرى هي مصر وتركيا وايران اضافة الى السعودية، تكون قادرة على كبح اسرائيل وبالاساس على كبح السياسة الامريكية في المنطقة. فيما من شأن الاقرار بالفشل في حال تأكيد، ان يسدد ضربة جدية لنتنياهو ومصداقية مشروعه امام الراي العام الاسرائيلي. يذكر في هذا السياق ان العقدة الاسرائيلية من فشل الموساد قبل اكثر من نصف قرن في العام 1973 في مدينة ليلهامر النوريجية باغتيال القيادي الفلسطينية علي حسن سلامة وقتل بالخطأ نادل مغربي، لا تزال محفورة في تاريخ الاخفاقات فكم بالحري عملية الدوحة الكبرى.
تسعى الولايات المتحدة بالنيابة عن اسرائيل الى التعويق على القمة العربية الاسلامية في الدوحة، وفي محاولة لاعتبار حدود القضية ثنائية بين الولايات المتحدة وقطر وخارج اية ردود واصطفافات عربية واقليمية مستقلة عن السياسة الامريكية. بناء عليه قد تدفع ادارة ترامب ثمن تورطها وتواطئها مع اسرائيل بتعزيز مكانة قطر التفاوضية ودق الاسافين مع مصر ودورها الاقليمي الحاسم في اقامة حلف عربي دفاعي. ومن الملاحظ ان البيانات الرسمية القطرية العلنية لا تهاجم الموقف الامريكي.
بموازاة ذلك، تتكثف العملية الاسرائيلية (عربات جدعون2) في غزة وحصريا التطهير العرقي والتهجير لنحو مليون فلسطيني في غزة المدينة، وسعيا لتسريع العملية يقوم الجيش الاسرائيلي باستخدام كل اسلحة الدمار الشامل والحرب النفسية من اجل دفع السكان الى النزوح مجددا الى المجهول. تجري هذه العملية بدعم امريكي مطلق تحت مسمى "هزيمة حماس" وهو ما من المتوقع ان يتصاعد في الايام القادمة، يبدو ان حكومة نتنياهو تسعى للاستفادة من انشداد انظار العالم الى الدوحة بالاضافة الى تهديدات لا رصيد لها الى عواصم الاقليم وذلك لتصعّد عدوانها الفتاك في غزة.
في الخلاصة:
تشكل زيارة روبيو الى تل ابيب اعلان نوايا داعمة وضوءا اخضر مبدئيا لمواصلة العدوان على غزة، واحتمالية بسط السيادة في مناطق في الضفة.
اي منحى ثنائي خارج الاطار العربي الاسلامي تحاول فرضه الولايات المتحدة على قطر، هو فعليا مسعى لانقاذ حكومة نتنياهو واسرائيل من اية محاسبة.
تهديدات نتنياهو بشأن تسديد ضربات لعواصم اخرى تبدو من دون رصيد ولخلق انطباع بأنه قادر على ذلك.
لن تقامر الولايات المتحدة بالاتفاقات الابراهامية، وحصريا مع الامارات، من اجل الضم في الضفة مما قد يدفع الى فعل رمزي اكثر من ضم حقيقي.
المنحى المصري والسعودي والاردني هو الدفع باتجاه اصطفاف عربي واقليمي مستقل عن النفوذ الامريكي. واعتبار ان الضغط على تل ابيب يمر من واشنطن.
الحوار الامريكي الاسرائيلي في مسألة اعادة اعمار قطاع غزة وتمويله والاشراف عليه انما يستهدف الدور المصري ومخرجات قمة القاهرة الاستثنائية في هذا الصدد، لتعود الصيغة الاسرائيلية باسناد مسؤولية الاشراف الى الولايات المتحدة واستبعاد مصر السلطة الفلسطينية. هذا لا يعني ان المسعى سينجح.
المنحى الدولي المؤثر وحصريا ما يتبلور في اوروبا هو التحوّل من اعلان الموقف الى اتخاذا الاجراءات الفعلية بما فيها العقابية تجاه اسرائيل لفرض اقامة الدولة الفلسطينية. بناء عليه بإمكان الموقف العربي دفع هذا الحراك الدولي او إحباطه وهذا منوط الى حد كبير بالموقف العربي وبمخرجات قمة الدوحة.
محور القمة العربية المتوخى هو وقف حرب الابادة وانقاذ غزة والحل السياسي لقضية فلسطين واسناد جهود الاعتراف الدولي بدولة فلسطين تحت الاحتلال.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com