آخر الأخبار

المقاطعة الاقتصادية: سلاح الشعوب في وجه الشركات المتواطئة مع العدوان على غزة 

شارك

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم تقتصر ردود الفعل في العالم العربي والإسلامي على التنديد السياسي أو التضامن الإنساني، بل اتخذت شكلًا أكثر تأثيرًا وفعالية: المقاطعة الاقتصادية. هذه المقاطعة لم تكن مجرد شعارات على منصات التواصل، بل تحولت إلى سلوك استهلاكي جماعي بدأ يُضعف عمالقة الشركات العالمية، وعلى رأسها شركة كوكا كولا.

كوكا كولا، التي لطالما كانت رمزًا عالميًا للثقافة الاستهلاكية الغربية، وجدت نفسها في قلب العاصفة. فبحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ، فإن شركة Coca-Cola Icecek AS، الموزعة الإقليمية لمنتجات كوكا كولا في عدة دول إسلامية، فقدت جزءًا كبيرًا من حصتها السوقية في تركيا وباكستان، وهما من أكبر أسواقها في المنطقة. في تركيا، انخفضت الحصة السوقية بنسبة خمس نقاط لتصل إلى 54٪، وفي باكستان تراجعت بأربع نقاط. كما سُجلت انخفاضات إضافية في الأردن، أوزبكستان، وقيرغيزستان.

هذا التراجع لم يكن نتيجة خلل في جودة المنتج أو ضعف في التسويق، بل جاء نتيجة دعوات شعبية لمقاطعة الشركات الغربية التي يُنظر إليها على أنها داعمة أو متواطئة مع إسرائيل، سواء من خلال الدعم المباشر أو عبر رمزية ارتباطها بالغرب. وفي ظل هذا التحول، بدأت علامات تجارية محلية بالظهور كمنافسين جديين، مثل Cola Next في باكستان وMojo في بنغلادش. أما في العالم العربي، فقد برزت شركة "تشات كولا" كرمز للمقاطعة الواعية، حيث شهدت إقبالًا متزايدًا من المستهلكين الذين يبحثون عن بدائل محلية تعكس قيمهم ومواقفهم السياسية. تشات كولا، التي كانت تُعتبر منتجًا محدود الانتشار، أصبحت اليوم جزءًا من خطاب المقاومة الاقتصادية، ووسيلة للتعبير عن رفض العدوان على غزة.

ولم تكن كوكا كولا وحدها في مرمى المقاطعة، فشركة الأزياء الإسبانية "زارا" أثارت موجة غضب عارمة بعد نشرها حملة دعائية تضمنت صورًا اعتبرها كثيرون مستوحاة من مشاهد الدمار والجثث في غزة. ظهرت عارضة أزياء تحمل ما يشبه كفنًا، وأخرى داخل صندوق محطم يشبه تابوتًا، مما أثار اتهامات بأن الحملة تستهزئ بمأساة الفلسطينيين. تصدر وسم #مقاطعة_زارا الترند في عدة دول عربية، واضطرت الشركة إلى حذف الصور بعد الهجوم الشعبي، فيما تبنت حركة المقاطعة العالمية BDS رسميًا الدعوة لمقاطعتها بسبب افتتاحها أكبر متجر لها في تل أبيب خلال الحرب.

أما ماكدونالدز، فقد واجهت انتقادات حادة بعد أن أعلنت فروعها في إسرائيل عن تقديم آلاف الوجبات المجانية للجنود الإسرائيليين. هذا الإعلان أثار موجة مقاطعة واسعة في الدول العربية والإسلامية، وسجلت الشركة أول خسارة في المبيعات منذ أربع سنوات. فروع محلية سارعت للتبرؤ من تصرفات الفرع الإسرائيلي، وأعلنت دعمها لغزة لتجنب المقاطعة، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل.

ستاربكس أيضًا لم تسلم من الغضب الشعبي، بعد أن نُشرت تقارير عن تكريم رئيسها التنفيذي من قبل مؤسسات إسرائيلية، مما أدى إلى خسارة أكثر من 11 مليار دولار من قيمتها السوقية، وتراجع سعر السهم بنسبة 16٪. أما كارفور، فقد واجهت إغلاق فروع في الأردن بعد توزيع مواد غذائية على الجنود الإسرائيليين، في خطوة اعتُبرت استفزازًا لمشاعر المتضامنين مع غزة.

حتى شركات التكنولوجيا الكبرى مثل أمازون، غوغل، مايكروسوفت، وإنتل، أُدرجت ضمن قوائم المقاطعة بسبب علاقات تجارية أو دعم تقني لإسرائيل. وتُتهم هذه الشركات بتوفير بنى تحتية سحابية، أدوات ذكاء اصطناعي، وأنظمة مراقبة تُستخدم في العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك الاستهداف والتجسس.

وفي الداخل الفلسطيني، أي العرب داخل إسرائيل، فإن التعامل مع قضية المقاطعة يكتسب طابعًا خاصًا ومعقدًا. فبين الانتماء القومي والهوية الفلسطينية من جهة، والواقع القانوني والسياسي الإسرائيلي من جهة أخرى، يجد المواطن العربي نفسه في مساحة ضيقة بين الرغبة في التعبير عن موقفه الأخلاقي وبين القيود القانونية التي تفرضها الدولة. فالدعوة العلنية للمقاطعة تُعد غير قانونية بموجب "قانون مكافحة المقاطعة" الإسرائيلي، ما يجعل التعبير عن هذا الموقف يتم غالبًا بطرق غير مباشرة، مثل الامتناع الفردي عن الشراء، أو الترويج للمنتجات البديلة دون ذكر الشركات المستهدفة، أو النقاشات داخل المجتمعات المغلقة.

ورغم هذه القيود، فإن كثيرًا من العرب داخل إسرائيل يتخذون مواقف احتجاجية بصمت مدروس، تُعبّر عن موقف سياسي وأخلاقي دون الاصطدام المباشر بالقانون، وتُظهر وعيًا عميقًا بكيفية ممارسة الضغط دون تعريض النفس للخطر القانوني.

وفي سياق أوسع، لا يمكن تجاهل دور الشركات الإسرائيلية نفسها في دعم الحرب على غزة واستمرار الاحتلال. فشركات مثل Elbit Systems، Rafael، وIAI تُعد من أكبر موردي الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية التي تُستخدم في العمليات ضد الفلسطينيين. كما أن شركات البنية التحتية مثل Caterpillar تُتهم بتوفير معدات تُستخدم في هدم المنازل وبناء المستوطنات غير القانونية. هذه الشركات لا تكتفي بالدور الاقتصادي، بل تُشكل جزءًا من منظومة الاحتلال، وتُسهم في استدامته عبر أدوات القمع والتوسع.

ما يحدث اليوم ليس مجرد رد فعل عاطفي، بل هو شكل من أشكال المقاومة المدنية التي يستخدمها المواطنون العرب والمسلمون للتعبير عن رفضهم للعدوان على غزة، وللضغط على الشركات متعددة الجنسيات والإسرائيلية لإعادة النظر في مواقفها أو علاقاتها السياسية. المقاطعة الاقتصادية أثبتت أنها أداة فعالة، لا تُضعف فقط الشركات، بل تُعيد تشكيل الوعي الجمعي، وتُعزز من مكانة المنتجات المحلية مثل "تشات كولا" كبديل أخلاقي واقتصادي.

قد تعود بعض الجماهير إلى هذه العلامات التجارية بعد انتهاء الحرب، لكن الرسالة وصلت: الشعوب تراقب، وتحاسب، وتقاطع..

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا