هل تُدير المصلحة… أم هي تُديرك؟
عندما يضيع المشروع بين المهام اليومية!
بقلم: محمد سامي محاميد | مستشار تنظيمي وموجه مهني، مدير مركز توب تالنت
كان رجلٌ في الحقل منهمكًا بقطع شجرة ضخمة، يضرب جذعها بفأسٍ قديمة غير حادة. الضربات تتوالى، والتقدم بطيء، والتعب يزداد. مرّ به أحدهم وقال: "لماذا لا تتوقف قليلًا وتشحذ فأسك (اي تجعلها حادة) ؟". فردّ الرجل دون أن يرفع رأسه: "لا وقت لدي، عليّ أن أنهي المهمة قبل نهاية اليوم!". هذه القصة البسيطة كثيرًا ما تتكرّر في الواقع، وإنْ اختلفت أدواتها. فكم من صاحب مصلحة يعمل بكل طاقته، لكنه لا يجد وقتًا لتقييم أدواته، أو ترتيب أولوياته، أو التوقف لحظة لتحديد وجهته؟
أحد اصحاب المصالح الذين التقيتهم مؤخرًا كان نموذجًا حيًا لهذا المشهد. رجل طموح، يدير مشروعًا نشطًا، لكنه غارق حتى أذنيه في تفاصيل العمل اليومي. كان يردّ على هاتفه، يُعطي تعليمات لموظف، يحلّ مشكلة مع زبون، يكتب مضموناً لنشره على الفيسبوك، يجري الاتصالات لاستدعاء المتقدمين للعمل ويشرح لي في الوقت نفسه كيف أنه "لا يجد دقيقة واحدة فارغة". وعندما اقترحت عليه خطوات بسيطة لتحسين الأداء – وضع خطة، تفويض مهام، مراجعة الهيكل الإداري – قال: "ما عندي وقت! الشغل فوق رأسي!". وحين سألته مازحاً : " أنت بتدير المصلحة… ولا هي الي بتديرك؟". ساد الصمت... ضحك بعدها وقال: " هي الي بتديرني هههه …".
هذا المشهد يتكرر كثيرًا بين أصحاب المصالح في مجتمعنا العربي. فالرغبة بالنجاح والاعتماد على الذات تتحول تدريجيًا إلى عبء ثقيل. رجل الأعمال العربي، في كثير من الأحيان، يُفضّل أن يكون هو المحور لكل شيء. هو المدير، والمحاسب، والبائع، والمندوب، والموظف، والمراقب. يرتدي جميع "القبعات" يوميًا، دون أن يشعر أن هذا التراكم يُثقله ويُبعده عن الهدف الأساسي: قيادة المشروع، لا فقط تشغيله.
الخطر الحقيقي لا يكمن في ضيق الوقت أو كثرة المهام، بل في غياب التنظيم والتفكير الإستراتيجي. فالركض اليومي لا يكفي إن لم يكن في الاتجاه الصحيح. ومن هنا تبدأ الخطوة الأولى: تنظيم الأولويات. ليس كل ما هو عاجل مهم، ولا كل ما هو مهم يجب أن تقوم به بنفسك. يكفي أن تسأل نفسك: "هل هذا دوري الحقيقي؟ أم يمكن لغيري أن يؤديه بكفاءة؟". الخطوة الثانية هي كتابة الأفكار وتحويلها إلى خطط عملية. الأفكار العظيمة تظلّ عبئًا ما دامت في الرأس، لكنها تتحوّل إلى مشاريع فعلية حين تُكتب، وتُقسّم إلى خطوات، وتُراجع بانتظام. لا حاجة لخطة معقّدة، بل جدول أسبوعي واضح، وأهداف شهرية قابلة للقياس، وتقييم دوري للمسار.
أما الخطوة الثالثة – وربما الأهم – فهي تفويض المهام. التفويض لا يعني التخلّي عن المسؤولية، بل هو دليل على القيادة الواعية. حين تُعطي الثقة لمن حولك، وتُوزّع المهام بناءً على الكفاءة، فإنك تُحرّر وقتك لتفعل ما لا يمكن لغيرك فعله: التفكير، التوجيه، التطوير، واتخاذ القرارات الكبيرة. وفي هذا السياق، تبرز الاستعانة بجهات خارجية متخصصة (outsourcing) كخيار ذكي يغفل عنه الكثيرون. لماذا تُوظّف موظفا للموارد البشرية أو موظف تسويق بدوام كامل، بينما يمكنك التعاقد مع خبير أو جهة تقدم هذه الخدمات بجودة أعلى وبتكلفة أقل؟ الاستعانة بجهات خارجية في مجالات مثل التسويق، المحاسبة، الموارد البشرية، أو إدارة المحتوى الرقمي، يُعدّ خيارًا أكثر مرونة وكفاءة، ويفتح المجال أمامك للتركيز على ما يهمّك فعلًا.
ليس من الضروري أن تُمسك بكل خيط، بل الأهم أن تُمسك بالبوصلة. المشروع الناجح ليس من يُرهق صاحبه، بل من يتيح له أن يُفكر ويقود. لذلك، قف مع نفسك لحظة، واسألها بصدق: هل أنت تقود مشروعك نحو الأمام؟ أم أنك تركض خلفه دون أن تدري؟ هل تمسك بالفأس؟ أم أن الفأس هي من تمسك بك؟ شحذ الفأس لا يُضيّع الوقت… بل يُنقذ الطريق.