آخر الأخبار

المجاعة وبياثرا كمثل والخطط المقبلة في غزة

شارك

في الوقت الذي يجمع فيه المجتمع الدولي على أن هنالك مجاعة حادة تجتاح قطاع غزة وتفتك بالأطفال والسكان، تحاول إسرائيل أن تعطي الانطباع بأنه لا يوجد هنالك مجاعة، وأنها تسمح بإدخال الأغذية والمواد الإنسانية إلى سكان القطاع. غير أن هذا الادعاء الإسرائيلي واهٍ ولا أساس له من الصحة، إذ إن الجيش الإسرائيلي يسيطر سيطرة مطلقة على كافة المعابر. وكما قال قائد الجيش أيال زامير، فإنه يسيطر على 75% من القطاع. فإذا كانت إسرائيل تسيطر على تلك النسبة من الأرض، فكيف لها أن تسمح بإدخال المساعدات والأغذية إلى هذه المناطق لإطعام أكثر من مليونين وثلاثمئة ألف فلسطيني يقبعون تحت الحصار، ويُقتل منهم يوميًا العشرات، وأحيانًا المئات؟

إن قطاع غزة منطقة أمنية معزولة تواجه حربًا يومية عالية الشدة، ومن الصعب أن يتم فيها استيراد الطعام والمواد الغذائية والطبية بشكل إنساني ومنظم. حتى إن العديد من الدول التي حاولت تزويد سكان القطاع بالأغذية والمواد التموينية لم تستطع فعل ذلك، لأن الجيش الإسرائيلي يريد السيطرة على تلك المواد ويقوم بمنع إدخالها. وهناك أمر آخر يجب التنويه إليه، وهو موافقة الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب على سياسة التجويع، كونها تؤيد التحركات الإسرائيلية وتدعم ماليًا جزءًا من المساعدات التي تزود بها إسرائيل، وهي في الواقع مساعدات أمريكية تقدَّم عبر وكالة GHF، وكل ذلك بهدف السماح لإسرائيل باستمرار حربها على القطاع.

وقد صدق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عندما أرسل تقريره الأممي المسمى IPC، الذي أكد فيه أن مجاعة خانقة تجتاح قطاع غزة وتؤدي يوميًا إلى موت مئات المواطنين والأطفال. ومن المتوقع أن تتحرك الأمم المتحدة في الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول المقبل بخطوات عقابية ضد إسرائيل، في حين من المقرر أن يلقي نتنياهو خطابًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في السادس والعشرين من الشهر نفسه للدفاع عن سياسة احتلال قطاع غزة.

ومن النادر أن شهد التاريخ الحديث معارك ترافقت معها مجاعات بهذا الحجم. فقد اجتاحت المجاعة منطقة بياثرا في نيجيريا بين عامي 1967 و1970، وما زلت أذكر عندما كنت صغيرًا تلك المجاعة التي أثارت الرأي العام العالمي وهزت أركان العالم. وقد نجمت عن حصار وصراع بين قوى نيجيرية مختلفة في تلك المنطقة، وأدت إلى مصرع مئات الآلاف من الشباب والأطفال. لم تكن وسائل الإعلام في تلك الفترة متطورة كما هي اليوم، لكنني كنت أذكر صور الدمار الهائل في بياثرا والأطفال العراة الذين خرجوا إلى الشوارع بأوزان لم تتجاوز 20 كيلوغرامًا آنذاك. وفي نهاية الأمر، أدت تلك الحرب وتلك المجاعة إلى مقتل مئات الآلاف من مواطني نيجيريا.

لقد استغرق نيجيريا وقتًا طويلًا، بل عشرات السنين، حتى بدأ العالم ينظر إليها كدولة طبيعية، بعدما ارتبط اسمها بالمجاعة الكبرى في القرن العشرين. وحتى اليوم، حين تسأل أي شخص عن نيجيريا، فإنه يجيبك بأنها الدولة التي حدثت فيها المجاعة الكبرى في التاريخ الحديث في بياثرا.

ولا يعبأ كثيرًا الرأي العام الإسرائيلي بما يجري في غزة، إذ ينصبّ اهتمامه على تحرير الأسرى الإسرائيليين الأحياء. فجميع المظاهرات وخطوات الضغط ترتكز أساسًا على دفع الحكومة للقبول بصفقة تبادل جزئية كانت أم كاملة، وليس على وقف الحرب أو المجاعة أو القتل في غزة. ولا نعلم بالضبط كيف سيحقق الجيش الإسرائيلي أهدافه بتحرير الأسرى وإخراجهم أحياء في ظل العملية الواسعة التي يهدد بها نتنياهو ويسرائيل كاتس.

وبات من المؤكد أن ما تقوم به إسرائيل عمل مناقض للقانون الدولي، وقد أجمعت عليه محكمة العدل الدولية في لاهاي التي أصدرت أمر اعتقال دولي بحق رئيس الحكومة ووزير الدفاع السابق. فإلى جانب المجاعة التي تضرب غزة بقوة، يقوم الجيش الإسرائيلي بتحضير وتنفيذ خطة تدمير شامل وممنهج لكافة مقومات الحياة: المستشفيات، المباني العامة، والبنية التحتية. وفي الوقت ذاته يقيمون مستشفيات مؤقتة في خيام لتقديم خدمات محدودة لفترة معينة.

أما السؤال المطروح فهو: ماذا سيحدث بعد إقامة تلك المؤسسات المؤقتة في منطقة المواسي والمدن المدمرة القريبة منها كدير البلح ورفح؟ وما هي المدة التي ستخدم فيها السكان الذين طُردوا من بيوتهم؟ في واقع الأمر، ما يقوم به الجيش هو محاربة مباشرة ضد المدنيين، عبر تجريدهم من بيوتهم ومؤسساتهم ونقلهم إلى أماكن أخرى، تمامًا كما حدث في بياثرا إبّان المجاعة الكبرى. وهذا كله قد يكون مقدمة للطرد والتهجير من غزة، أي الخطة الكبرى لنتنياهو في ظل غياب أي برامج واضحة المعالم لسكان القطاع. وهو لا يعطي أي وزن للمجتمع الدولي، لأنه يعتمد بالأساس على الدعم الأمريكي، غير آبه بما يجري لإسرائيل على الصعيد الدولي، فيما يُفترض بالدول المحيطة أن تتحرك لمنعه.

ولعل ما جرى اليوم في مجزرة مشفى ناصر، حين قُتل عشرة صحافيين فلسطينيين من وكالات دولية مثل رويترز، أسوشيتد برس، الجزيرة، الإندبندنت، والتلفزيون العربي، إلى جانب أطباء وطواقم طبية أخرى، ببث حي ومباشر، يكشف أن ما حدث لن يكون سوى نموذج لأحداث يومية مقبلة خلال العمليات التي أعلن عنها نتنياهو. فهذه العمليات تسعى لإخلاء السكان وتدمير كل ما يمكن من بنية سكنية وتحتية، لتكون المجاعة والدمار جزءًا من خطة ممنهجة تستهدف الوجود الفلسطيني في غزة.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا