آخر الأخبار

ضعف تمثيل النساء العربيات في مواقع القرار في الداخل الفلسطيني منذ 1948

شارك

تُعدّ مشاركة النساء في مواقع صنع القرار من أبرز المؤشرات على مدى ديمقراطيّة وتطوّر المجتمعات، إلا أنّ المرأة العربيّة في الداخل الفلسطينيّ منذ عام 1948 ظلت تواجه تحديات مركبة أعاقت وجودها الفاعل في الحياة السياسيّة والإداريّة. فقد شهد المجتمع العربيّ الفلسطينيّ تحولات كبيرة منذ النكبة، إذ وجد الفلسطينيون أنفسهم ضمن واقع سياسيّ واقتصاديّ جديد فرضه الاحتلال الإسرائيليّ، مع تهميش ممنهج للبلدات العربيّة وضعف التمويل العامّ لمؤسساتها، بينما ظلّ المجتمع محتفظًا بهياكل أبويّة تقليديّة تحدد أدوار النساء وتضع القيود على حريتهن في المشاركة العامّة (Herzog, 2017).

في العقود الأولى بعد النكبة، اقتصر دور المرأة العربيّة على الأسرة والعمل الزراعيّ والمنزليّ، بينما سيطر الرجال على المجال العامّ. ومع مرور الوقت، بدأت موجة التوسّع التعليميّ للنساء، خاصّة منذ السبعينيات والثمانينيات، ما أدى إلى زيادة ملحوظة في التحاقهن بالجامعات، وظهور نساء ناجحات في مجالات التعليم، الطب، والعمل المدني، لكنّ هذه النجاحات الفردية لم تُترجم إلى حضور مؤسسيّ في المجالس المحليّة أو البرلمان، مما أظهر الهوة المستمرة بين الإنجاز الأكاديمي والمشاركة في صنع القرار (أبو ريا، 2018).

تواجه النساء العربيات في الداخل الفلسطيني مجموعة من العوائق الاجتماعية والثقافية التي تحدّ من مشاركتهن السياسيّة. الهيمنة الذكوريّة في الأسرة والمجتمع تعتبر من أبرز هذه العوائق، حيث تُربى النساء على أدوار مساعدة، بينما يُنظر إلى الرجال باعتبارهم المسؤولين عن القرارات العامّة. حتى المرأة المتعلمة أو الناجحة مهنيًا غالبًا ما تواجه توقعات تقليديّة تحدّ من نشاطها السياسيّ (حسين، 2020). كما يلعب الخطاب الدينيّ والاجتماعيّ دورًا في إعادة إنتاج الأعراف الذكوريّة، إذ يُستغل أحيانًا لتبرير الإقصاء وتحجيم دور المرأة في الأحزاب والمجالس المحليّة. ومن جهة أخرى، تعاني المرأة من الوصم الاجتماعيّ، حيث يمكن أن تتعرض لهجمات على نزاهتها أو سلوكها الأخلاقي في حال قررت الانخراط في المجال السياسيّ، مما يجعل الكثيرات يتجنبن المشاركة خوفًا على سمعة أنفسهن وأسرهن (أبو ريا، 2018). كما أنّ الأعباء الأسريّة والمسؤوليات الاجتماعيّة المفروضة على المرأة تقلل من قدرتها على التفرغ للنشاط السياسيّ والاجتماعيّ، وهو ضغط مزدوج يحدّ من مشاركتها في دوائر صنع القرار.

بالإضافة إلى العوائق الاجتماعية، تواجه النساء العربيات تحديات سياسية ومؤسسية معقدة. تهميش الدولة للبلدات العربيّة على مستوى الميزانيات والبنى التحتيّة يحدّ من استقلاليّة السلطات المحليّة ويضع قيودًا على مشاركة النساء. كما أنّ الأحزاب العربيّة غالبًا ما تتميز بالتركيبة الذكوريّة، حيث توضع النساء في مراتب متأخرة على القوائم الانتخابيّة، ما يقلل فرص وصولهن إلى المجالس المحليّة أو الكنيست (أبو ريا، 2018). وتجربتهن البرلمانيّة المحدودة، إذ يعتمد وصول النساء غالبًا على استثناءات فرديّة، تعكس غياب قاعدة مؤسسيّة تضمن مشاركتهن المستمرة (حسين، 2020). وعلى عكس بعض الدول العربيّة التي اعتمدت الكوتة النسائية، لا توجد سياسات رسميّة ملزمة تضمن تمثيل النساء في الداخل الفلسطينيّ، ما يسهم في استمرار الفجوة وعدم تحقيق المساواة في القيادة.

ضعف تمثيل النساء له انعكاسات واسعة على المجتمع. غياب النساء عن مواقع القرار يؤدي إلى تهميش القضايا الأساسيّة التي تخصّ المرأة، مثل مكافحة العنف الأسريّ، دعم الأمهات العاملات، وتعزيز التمكين الاقتصاديّ والاجتماعيّ. كما أن غياب المشاركة النسائيّة يعزز الصورة النمطيّة للمرأة ككائن تابع، ويكرّس الثقافة الذكوريّة في المجتمع العربي، ويقلل من قدرة المجتمع على تطوير قياداته (Khattab & Miaari, 2019). علاوة على ذلك، يؤدي ضعف التمثيل إلى تأثيرات اقتصاديّة وتعليميّة، حيث تقلّ فرص تحسين الخدمات العامّة ووضع سياسات عادلة تشمل النساء، وبالتالي يضعف التنمية المحليّة بشكل عامّ.

يمكن مقارنة وضع النساء العربيات في الداخل الفلسطينيّ مع تجارب نساء في دول عربية وأوروبية لفهم الفجوة بشكل أوسع. بعض الدول العربية، مثل المغرب وتونس، اعتمدت الكوتة النسائية لزيادة مشاركة النساء في البرلمان، ما أدى إلى تحسين حضورهن في صنع القرار (Herzog, 2017). في إسرائيل نفسها، النساء اليهوديات يتمتعن بتمثيل أكبر في الكنيست والسلطات المحليّة، لكنهن يواجهن تحديات مرتبطة بالتمييز الجندريّ، بينما تواجه النساء العربيات تحديات مضاعفة كونهن نساء وعربيات، ما يجعل مشاركتهن أكثر صعوبة ويزيد من الحاجة إلى سياسات داعمة وتمكين مؤسسي (Khattab & Miaari, 2019).

رغم هذه التحديات، هناك مؤشرات إيجابيّة يمكن البناء عليها. نمو الجمعيات النسائيّة العربيّة في الداخل الفلسطينيّ يلعب دورًا محوريًا في التمكين والمطالبة بالمشاركة السياسيّة، فضلاً عن توفير الدعم الاقتصاديّ والاجتماعيّ للنساء وتشجيعهن على الانخراط في المجتمع المدنيّ (حسين، 2020). كما توفر النماذج الملهمة من نساء ناجحات في القضاء والتعليم والطب قدوة للشابات، وتبرز إمكانيّة تحقيق التغيير، بينما يساهم التعليم والإعلام في توسيع الوعيّ العامّ بحقوق النساء وتشجيع مشاركتهن في الحياة العامّة (أبو ريا، 2018). وأخيرًا، تمثل الكوتة النسائية آليّة عمليّة لضمان مشاركة النساء بنسبة محددة في الأحزاب والمجالس المحليّة، ما يفتح الباب أمام مشاركة أوسع وأكثر استدامة.

تشير الدراسات وحالات النجاح إلى أنّ تمكين النساء العربيات ليس مطلبًا نسويًا فقط، بل شرط أساسي لتطوير القيادة وتعزيز الديمقراطيّة في المجتمع العربيّ داخل إسرائيل. مشاركة النساء في مواقع القرار تساهم في صياغة سياسات أكثر شمولًا وعدالة، وتدعم التنمية المستدامة في كافة المجالات، من التعليم والصحة إلى الاقتصاد والمجتمع المدنيّ. من هنا، فإنّ تعزيز حضور النساء العربيات في الداخل الفلسطينيّ يمثل أولويّة استراتيجيّة لتقوية المجتمع وتمكين نصفه الأساسيّ، وضمان تمثيل مصالحه بصورة عادلة ومتوازنة.

(الكوتة النسائية: أصل كلمة "الكوتة" يأتي من اللغة الإيطالية Quota، وتعني الحصة أو الحصة المخصصة. في السياق السياسي: هي آلية سياسية أو قانونية تُستخدم لضمان تمثيل النساء بنسبة محددة في المؤسسات التشريعية أو المجالس المحلية أو الأحزاب السياسية. الهدف منها هو زيادة مشاركة النساء في صنع القرار وتقليل التهميش السياسي، خاصة في المجتمعات التي تهيمن عليها البنى الذكورية أو حيث تواجه النساء صعوبات هيكلية للمشاركة).

المراجع

حسين، نادرة (2020). النساء العربيات في إسرائيل: التحديات والفرص. مركز مدى الكرمل.

أبو ريا، سامية (2018). التمثيل السياسي للمرأة الفلسطينية في الداخل. مجلة دراسات فلسطينية.

Khattab, N. & Miaari, S. (2019). Arab Women in the Israeli Labor Market: Patterns and Barriers. Journal of Middle Eastern Studies.

Herzog, H. (2017). Gendering Politics in Israel. Gender and Society.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا