آخر الأخبار

تبرعات غير مسبوقة من الجالية اليهودية في نيويورك لغزة تثير انقسامًا داخليًا

شارك

أثار اتحاد الجاليات اليهودية في نيويورك (UJA) - وهو الاتحاد الفيدرالي الأكبر للجاليات والأكثر ثراءً على الإطلاق في شمال أميركا - جدلاً واسعاً بإعلانه عن تبرعات لصالح الفلسطينيين في قطاع غزة، تصل قيمتها إلى مليون دولار أميركي. التبرعات من المفترض أن تمر عبر منظمة المساعدات الإنسانية الإسرائيلية "يسرأيد"، لتُخصص من أجل توفير الغذاء والأدوية وأجهزة فلترة المياه للعائلات الفلسطينية التي هُجّرت من بيوتها إبان الإبادة.

وطبقاً لما أفاد به موقع واينت، اليوم السبت، فإن الإعلان المذكور يُعد "خطوة غير مسبوقة" في تاريخ الجاليات اليهودية؛ إذ إن هيئات هذه الجاليات دأبت على تمويل مساعدات لإسرائيل واليهود في "الشتات"، فضلاً عن المجتمعات المحلية، ولم يسبق إطلاقاً أن قدّمت مساعدات للفلسطينيين، وخصوصاً في زمن الحرب.

وعلى الرغم مما تقدم، اتهم الاتحاد اليهودي، في بيان له، حركة حماس بـ"المسؤولية عن الحرب والأزمة الإنسانية الناجمة عنها"، ولكنه شدد على أن "الواجب اليهودي يُحتم مد يد العون للمدنيين في غزة". وفي السياق، كتب المدير التنفيذي للاتحاد، إريك غولدشتاين، أن الحقيقتين لا تلغي إحداهما الأخرى، مستشهداً بكلام رئيس مؤسسة "ياد فاشيم" التي توثق تاريخ الهولوكست، داني ديّان، الذي كتب أن "ثمة رجالاً ونساء وأطفالاً لا علاقة لهم بالإرهاب يعانون من الدمار والتهجير والفقدان. معاناتهم حقيقية، وتُلزمنا تقاليدنا الأخلاقية بألا ندير لهم ظهورنا".

يسرأيد شريكة في إقامة GHF؟

وبحسب تقارير "يسرأيد"، فقد قدمت المنظمة المساعدة لأكثر من 100 ألف من سكان غزة، بالتعاون مع ما يُسمى "منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق" ومع منظمات إغاثة دولية. وكان مديرها التنفيذي، يوتام بوليتسر، قد أكد في مقابلة مع صحيفة هآرتس، قبل نحو أسبوعين، أنه شارك في اجتماعات إقامة "صندوق المساعدات الإغاثية لغزة" (الشركة الأميركية-الإسرائيلية GHF) التي تحوّلت مراكزها لمصايد موتٍ للفلسطينيين، مشدداً على أن منظمته "ليست جزءاً من الشركة"، وانتقد طريقة عملها.

في غضون ذلك، شدد الاتحاد اليهودي على أن الدعم الذي يوفره للفلسطينيين "يخدم أيضاً مصلحة استراتيجية إسرائيلية"، موضحاً في بيانه أن "المساعدة الإنسانية الخاضعة للرقابة في غزة تمنع تدهور مكانة إسرائيل دولياً، وتُثبت أنها لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية". وفي السياق ذاته، كانت اللجنة اليهودية الأميركية (AJC) قد تبرعت قبل أسابيع قليلة بمبلغ 25 ألف دولار أميركي لإعادة ترميم كنيسة كاثوليكية طاولها الدمار جراء القصف الإسرائيلي الذي استهدفها.

عاصفة من ردود الفعل

على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت مئات التعليقات، بعضها مؤيد للخطوة، وأخرى غاضبة ومعارضة. وفي السياق، كتب أحد المعلقين: "هل يمكن تخيّل يهود في الحرب العالمية الثانية يطلقون حملة دعم للألمان؟ هذا أمر سخيف". وأضاف آخر: "ولا حتى سنت واحد بعد الآن. ماذا عن رهائننا؟".
ولم تقتصر ردود الفعل الغاضبة على نيويورك، فقد ظهرت مقالات شديدة اللهجة ضد القرار في الصحافة اليهودية، من بينها عمود للمدوّن اليهودي دانييل مال، الذي هاجم إدارة الاتحاد قائلاً إنها تمارس "الصدقة كنوع من التجميل الأخلاقي، المنفصل عن المصالح اليهودية وعن بقاء الشعب اليهودي".

على المقلب الآخر، ذكّر مؤيدو الخطوة بأن الفيدرالية خصصت منذ اندلاع الحرب مبلغاً ضخماً يُقدّر بنحو 300 مليون دولار مباشرةً لإسرائيل، لدعم المتضررين، والمجتمعات المُخلاة، ولخدمات الصحة النفسية، والمستشفيات، وأنظمة الطوارئ. وقال حاخام اتحاد الجاليات اليهودية، مناحيم كريديتور، في بث مباشر على "فيسبوك": "هذا (الدعم) لا يُلغي التزامنا تجاه عائلتنا، ولا يعبر عن سذاجة تتجاهل هشاشة المجتمع اليهودي. من الطبيعي أن تكون هناك ردود فعل مؤلمة".

الجدل الذي أثاره الإعلان يلامس، وفقاً لرئيس معهد "شالوم هارتمن"، الحاخام دانيل هارتمن، "جوهر النقاش الدائر في أوساط يهود الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب"؛ إذ بحسبه فإن "ثمة صراعاً بين فئتين: الملتزمون القلقون، مقابل الملتزمين غير القلقين، حيث تحاول الفئة الأولى أن توازن بين دعمها لإسرائيل وقلقها تجاه معاناة الفلسطينيين في غزة. في حين أن الفئة الثانية ترى في ذلك تجاهلاً للخطر الوجودي الذي يتهدد حياة اليهود".

توقيت الإعلان: مصلحة إسرائيلية

الخلافات في أوساط الجاليات اليهودية ليست بالجديدة، فخلال مظاهرة في لندن، أُنزل حاخامان تقدميان عن المنصة وسط صيحات الاستهجان، وذلك بعدما حاولا التنديد بحماس والحكومة الإسرائيلية على حدٍ سواء.

أمّا بالنسبة لتوقيت إعلان الاتحاد، فقد وصفه موقع واينت بأنه "مهم جداً"، عازياً السبب إلى كونه قد تزامن مع إعلان الأمم المتحدة حالة المجاعة في غزة، أمس الجمعة، فيما أعلنت دول عدّة، مثل أستراليا ونيوزيلندا، عن نيتها دعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي هذا السياق، أوضحت UJA أن التبرع يساهم أيضاً في "الحفاظ على الموقف الدولي لإسرائيل" في مواجهة الانتقادات المتزايدة.

وبعيداً عن الجدل السياسي المحتدم، أصبح النقاش حول التبرع رمزاً لمسائل أعمق تتعلق بالهوية والمستقبل. في الصحافة وأعمدة الرأي، تحدث البعض عن "حرب أهلية صغيرة" بين يهود الولايات المتحدة. فيما حذّر بعض الكتّاب من أن هذا الخلاف قد يؤدي إلى تآكل أواصر العلاقة بين يهود الشتات وإسرائيل بشكل أكبر. في المقابل، رأى آخرون أن هذا النقاش الصعب والمؤلم هو دليل على "حيوية المجتمع اليهودي".

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا