آخر الأخبار

غزة: الحقيقة أقوى من حجبها

شارك

غزة: الحقيقة أقوى من حجبها
المحامي علي حيدر
هنالك قواعد وأخلاقيات، مصادق عليها في القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، والديانات السماوية، والأخلاق الإنسانية، تلزم بعدم خرقها أو تجاوزها حتى في أصعب وأقسى الحروب. لكن، وللأسف الشديد، جرى اختراق وتجاوز كل هذه القوانين في حرب إسرائيل على قطاع غزة. فقد قُتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، ومورست سياسة التجويع بشكل منهجي ومتواصل من خلال منع إدخال الغذاء والماء والوقود، وهُجِّر السكان واقتُلِعوا من بيوتهم، ونُقلوا قسرًا من مكان إلى آخر، بالإضافة إلى هدم المنازل والأماكن المقدسة والمستشفيات والمدارس والجامعات والمواقع الأثرية، واستهداف البنية التحتية. وكل ذلك يندرج في إطار مشروع الإبادة الجماعية، بحسب ما صرّحت به مؤخرًا كلٌّ من منظمتي "بتسيلم" و"أطباء من أجل حقوق الإنسان".
كما منعت الحكومة الإسرائيلية الصحفيين الدوليين من دخول قطاع غزة ونقل ما يحدث فيه، بخلاف ما هو مألوف في معظم الحروب حول العالم. فمن حق الناس معرفة ما يدور من أحداث، وللصحفيين الحق في الدخول إلى مناطق النزاع لرصد وتحليل ما يجري من مواجهات وانتهاكات، مع توفير الحماية لهم عبر أماكن مخصصة وعلامات واضحة، وارتداء السترات والخوذات التي تحمل كلمة "صحافة" بلغات متعددة، حتى لا يتعرضوا للاستهداف.
لكن الحكومة الإسرائيلية، عبر أجهزتها الأمنية، ارتكبت أمس جريمة نكراء باستهداف الصحفيَّين أنس الشريف ومحمد قريقع، إلى جانب زملائهم من الصحفيين والمصورين والتقنيين، بينما كانوا في خيمة مكشوفة ومعروفة قرب مستشفى الشفاء في قطاع غزة، ومخصصة للصحفيين. وبذلك، انضم الشهداء إلى قائمة تضم أكثر من 240 صحفيًا قُتلوا منذ بداية الحرب، بحسب معطيات نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فضلًا عن المصابين والمعتقلين الذين تعرضوا للتنكيل.
وفي اليوم نفسه، عقد بنيامين نتنياهو مؤتمرًا صحفيًا عرض فيه أهداف الحرب وما سماه "إنجازات"، إلى جانب خطته لاحتلال كامل القطاع. وهنا يبرز السؤال: أهذه هي البطولة؟ أهذه هي الإنجازات؟ أهذه هي الخطوات التي ستقود نتنياهو إلى "النصر المطلق"؟! قتل الصحفيين المكشوفين؟ تجويع النساء والأطفال والشيوخ؟ تهجير الأبرياء وهدم بيوتهم؟
لقد كان أنس الشريف ومحمد قريقع، وغيرهما ممن سبقوهما أو سيأتون بعدهما، صوت المقهورين والمظلومين والمجوعين، ينقلون الصورة دون "فلاتر" أو إعداد أو إخراج، ليرى العالم الحقيقة كما هي على الأرض. وليس هناك أسهل من اتهام كل شخص في غزة بالانتماء إلى هذه المنظمة أو تلك، ونزع الشرعية عنه، واستهدافه ومحاكمته ميدانيًا، خاصة في ظل مرحلة أُصيبت فيها وسائل الإعلام العبرية والأغلبية الساحقة من الصحفيين الإسرائيليين بعمى عن الحقيقة، وتخلوا عن المهنية والموضوعية، وأصبحوا أبواقًا للمؤسسة وأسرى لأيديولوجيا اليمين المتطرف.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، صرّح عميت سيغل، الصحفي المعروف والمحلل السياسي في القناة 12، بعد إعلان استشهاد أنس الشريف عبر صفحته على تليغرام، بأنه "طالما انتظر نشر هذا الخبر، انتظر طويلًا". ويتناغم هذا التصريح العنصري والبائس مع خطاب آخر مهيمن في المجتمع الإسرائيلي، يدّعي أنه "لا يوجد في غزة أبرياء"، وأنه يجب "محو غزة" بالكامل، و"إخضاع أهلها". وهي تصريحات عنصرية فاشية تنزع الإنسانية عن أهل القطاع، وتجعلهم أهدافًا مشروعة للقتل والتحريض على الإبادة.
إذا كان الهدف من اغتيال الصحفيين، ومنع دخولهم إلى القطاع، إسكات الصوت وتعطيل الصورة وخداع العالم وتزييف الحقيقة وإخفاء الفظائع وهندسة الوعي، فإن كل ذلك لن يجدي نفعًا، فنحن نعيش في عصر لا يمكن فيه حجب الحقيقة والتستر عليها، مهما تعددت محاولات وآليات طمسها.
في غزة، يموت الأطفال والنساء والشيوخ جراء التجويع الممنهج. مشاهد التجويع هناك تدمي القلوب وتستصرخ الضمائر الحية. في غزة، يُقتل الناس ويُبادون ويُجوعون ويُهجرون. يجب إيقاف هذا التجويع فورًا، وإنهاء هذه الحرب حالًا. وعلى كل إنسان في العالم أجمع، وخصوصًا من العرب واليهود الذين يعيشون في هذه الديار، والذين يقلقهم الوضع الراهن وما زالوا يؤمنون بالإنسانية، أن يسأل نفسه، كل يوم: ماذا بوسعي، من خلال قدراتي وإمكاناتي، ولو كانت محدودة، أن أفعل من أجل إيقاف هذه المجاعة، وإنهاء هذه المأساة، ووقف هذه الحرب؟

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا