لم يبدُ حل الدولتين لإسرائيل والفلسطينيين يومًا أكثر عبثية مما بدا في الأشهر التي أعقبت 7 أكتوبر 2023. لكن ربما يفتح ذلك الباب أمام طريقة جديدة لتحقيق السلام.
نريد التعاون مع إسرائيل. نريد التعايش».
يقول الشيخ وديع الجعبري، المعروف أيضًا بأبو سند، من خيمته التقليدية في الخليل، كبرى مدن الضفة الغربية جنوب القدس: «نريد التعاون مع إسرائيل. نريد التعايش».
سبق للشيخ الجعبري، زعيم العشيرة الأكثر نفوذا في الخليل، أن قال مثل هذه الأمور من قبل، وكذلك والده. لكن هذه المرة مختلفة. فقد وقّع الجعبري وأربعة شيوخ بارزين آخرين من الخليل على رسالة يتعهدون فيها بالسلام والاعتراف الكامل بإسرائيل كدولة يهودية.
خطة هؤلاء الشيوخ هي أن تنفصل الخليل عن السلطة الفلسطينية، وتؤسس «إمارة» خاصة بها، وتنضم إلى اتفاقيات أبراهام.
الرسالة موجهة إلى وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات، الرئيس السابق لبلدية القدس، الذي استضاف الشيخ الجعبري والشيوخ الآخرين في منزله والتقى بهم أكثر من عشر مرات منذ فبراير الماضي.
وطلبوا منه أن ينقلها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهم في انتظار رده.
يكتب الشيوخ في رسالتهم:
«إمارة الخليل ستعترف بدولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، ودولة إسرائيل ستعترف بإمارة الخليل كممثلة للسكان العرب في منطقة الخليل».
يُعد قبول إسرائيل كدولة يهودية خطوة أبعد مما ذهبت إليه السلطة الفلسطينية يومًا، وهو بمثابة تجاوز لعقود من الرفض.
تطلب الرسالة وضع جدول زمني للمفاوضات للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، والتوصل إلى «ترتيب عادل ولائق» ليحل محل اتفاقيات أوسلو، التي «جلبت فقط الضرر والموت والكوارث الاقتصادية والدمار».
وتقول الرسالة: «اتفاقيات أوسلو جلبت لنا السلطة الفلسطينية الفاسدة، بدلًا من الاعتراف بالقيادة المحلية التقليدية والأصيلة»، في إشارة إلى العشائر والعائلات الكبرى التي ما زالت تشكل البنية الاجتماعية الفلسطينية.
السماح بدخول 1000 عامل من الخليل لفترة تجريبية، ثم 5000 إضافيين.
يقترح الشيوخ أن تسمح إسرائيل في البداية بدخول 1000 عامل من الخليل لفترة تجريبية، ثم 5000 إضافيين.
ويقول الجعبري وشيخ كبير آخر إن بركات أخبرهم أن هذا العدد يمكن أن يرتفع إلى 50 ألف عامل أو أكثر من الخليل.
العمل في إسرائيل يمثل مصدر دخل مهمًا للمجتمعات الفلسطينية التي عانت من انعدام التنمية في ظل حكم السلطة الفلسطينية، لكن معظم التصاريح جُمِّدت بعد 7 أكتوبر.
وتتعهد رسالة الشيوخ بـ«صفر تسامح» مع الإرهاب من جانب العمال، «على النقيض من الوضع الحالي الذي تدفع فيه السلطة الفلسطينية رواتب للإرهابيين».
يقول بركات إن «عملية السلام القديمة فشلت، لذلك نحتاج إلى تفكير جديد».
وأوضح أنه يعمل بمعرفة حكومته الإسرائيلية لاستكشاف الاحتمالات مع الشيوخ.
وقال مصدر إسرائيلي رفيع إن نتنياهو كان داعمًا لكنه حذر، وينتظر ليرى كيف سيتطور هذا المسعى، خصوصًا الآن بعدما قرر الشيخ الجعبري مد غصن الزيتون علنًا.
بهذه الخطوة الجريئة، يتوقع الشيوخ كسب الرأي العام الإسرائيلي إلى جانبهم.
يقول بركات: «لا أحد في إسرائيل يؤمن بالسلطة الفلسطينية، ولن تجد كثيرين من الفلسطينيين يؤمنون بها أيضًا. الشيخ الجعبري يريد السلام مع إسرائيل والانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، بدعم من زملائه الشيوخ. من في إسرائيل سيقول لا؟»
«لن تكون هناك دولة فلسطينية – ولا حتى بعد ألف عام.
الشيخ الجعبري، البالغ من العمر 48 عامًا، كثيرًا ما يستشهد بأجداده البارزين، لكن أفعاله اليوم موجهة أيضًا بنظرته إلى المستقبل.
يقول: «لن تكون هناك دولة فلسطينية – ولا حتى بعد ألف عام. بعد 7 أكتوبر، إسرائيل لن تمنحها».
ويتفق معه شيخ كبير آخر من الخليل، وقع الرسالة وأعلن ولاءه للجعبري: «التفكير فقط في إقامة دولة فلسطينية سيقودنا جميعًا إلى كارثة».
(أما الشيوخ الآخرون فطلبوا عدم الكشف عن أسمائهم لدواعٍ أمنية).
إنشاء منطقة اقتصادية مشتركة على أكثر من 1000 دونم
يقول كاتب التقرير إنه شاهد مقاطع فيديو للشيخ الجعبري وشيخ آخر يوقعان الرسالة، واطّلع على وثائق تفصيلية للخطة التي وضعوها مع بركات، بما في ذلك إنشاء منطقة اقتصادية مشتركة على أكثر من 1000 دونم قرب السياج الأمني بين الخليل وإسرائيل.
ويتوقع الشيوخ أن توظف هذه المنطقة عشرات الآلاف.
وثيقة مكتوبة بالعبرية تسرد أسماء شيوخ منطقة الخليل المنضمين لمبادرة «الإمارة».
تضم «الدائرة الأولى» ثمانية شيوخ كبار يُعتقد أنهم يقودون 204 آلاف نسمة محليًا، أما «الدائرة الثانية» فتشمل 13 شيخًا آخرين يقودون نحو 350 ألفًا إضافيين، ما يجعلهم أغلبية بين أكثر من 700 ألف شخص في المنطقة.
وقد أقسم شيوخ الدائرتين الولاء للشيخ الجعبري في هذا الشأن، بحسب شاهد إسرائيلي مقرب من الشيخ.
وتشمل هذه العشائر أيضًا كثيرًا من عناصر السلطة الفلسطينية المحليين، ويتوقع الشيوخ أن ينحاز هؤلاء لعائلاتهم.
يقول الشيخ الجعبري:
«أنا أخطط لقطع علاقتي بالسلطة الفلسطينية. هي لا تمثل الفلسطينيين».
ويضيف أن العشائر حكمت مناطقها مئات السنين، ثم «قررت الدولة الإسرائيلية نيابة عنا، فجلبت منظمة التحرير وقالت للفلسطينيين: خذوا هذه».
كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد نُفيت إلى تونس بعد طردها من الأردن ولبنان، ثم أعيدت إلى الضفة الغربية باتفاق أوسلو الأول عام 1993.
ويقول الجعبري إن هذا سُمي «عملية سلام»، لكنه «لم يرَ أي سلام منها».
ويختتم بالقول:
«هناك مثل عربي يقول: “عجول القرية وحدها تحرث أرضها”.
أي إن من عاش عقودًا في الخارج – ماذا يعرف عن ينابيع المياه في الخليل؟ الشيء الوحيد الذي تعرفه منظمة التحرير عن الخليل هو جباية الضرائب».
أما أربعة شيوخ آخرون من الخليل تحدثت إليهم الصحيفة عبر تطبيق «زوم»، فكانوا أكثر حدة في نقدهم.
يقول أحد الشيوخ البارزين:
«كانت منظمة التحرير تصف نفسها بأنها حركة تحرير. لكنها عندما حصلت على السلطة، لم تعمل إلا لسرقة أموال الناس.
ليس لهم الحق في تمثيلنا – لا هم ولا حماس، وحدنا نحن من يمثل أنفسنا».
رد مازن الجعبري
ردًا على ما ورد في وسائل إعلام عبرية، وتحديدًا على تصريحات منسوبة لشيخ جعبري وبعض الأفراد الذين قيل إنهم يمثلون عشائر في الخليل، فأريد التوضيح بشكل قاطع أن هذه التصريحات لا تمثل بأي شكل من الأشكال موقف عائلة الجعبري العريقة، ولا تعبر عن إرادة أبنائها.
عائلة الجعبري كانت وما زالت جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني الفلسطيني، تقف إلى جانب شعبها في نضاله العادل من أجل الحرية والاستقلال، وترفض رفضًا قاطعًا أي مسعى للتطبيع أو الاعتراف بشرعية الاحتلال على أرضنا.
نحن نؤمن بحقوق شعبنا الثابتة، وفي مقدمتها حقه في أرضه، وحق اللاجئين في العودة، . ولن نقبل أن تُستخدم أسماء بعض الأفراد لتزييف المواقف أو تمرير مشاريع تتناقض مع تضحيات شعبنا ونضاله الطويل.
إن من يختار الوقوف إلى جانب الاحتلال والاصطفاف مع مشاريع تصفوية، لا يمثل إلا نفسه، ولا يملك شرعية الحديث باسم عائلة الجعبري، التي كانت دومًا إلى جانب قضايا الوطن، ومع شعبها، وضد كل من يتآمر عليه.