في مستشفى غزة المعمداني، يرقد الرضيع هاني زيارة، الذي لم يتجاوز عمره أربعة أشهر، بين الحياة والموت، بعد أن فقد قدمه وأصيب بجراح خطيرة إثر قصف استهدف منزل عائلته في مدينة غزة.
هاني، الذي كانت ضحكاته تملأ أرجاء البيت، أصبح الآن جسدًا صغيرًا مغطى بالشاش الأبيض، يصارع الألم في غرفة العناية المركزة. لم يُتح له أن يخطو خطوته الأولى، إذ فقد قدمه قبل أن يتعلم الوقوف.
إلى جانبه، تجلس والدته تحبس دموعها، وتروي ما حدث بكلمات يغلفها الألم: "كان الانفجار قوياً، تساقط الركام فوق رؤوسنا، واختلط الغبار بالظلمة. عندما بحثت عن هاني وجدته بقدم مبتورة ووجهه مغطى بالجراح".
ما تعرض له الرضيع ليس مجرد إصابة، بل مأساة إنسانية متكاملة. والدته تؤكد أن جسده الصغير لم يسلم من الجراح الأخرى، فقد أصيب بتهتك في المثانة وفتحة الشرج، وأضرار في الأمعاء، فضلًا عن شظايا اخترقت أنحاء جسده. وتوضح أنه خضع لعدة عمليات، ولا يزال بحاجة للمزيد، لكن حالته الصحية لا تحتمل التأخير.
مناشدة الأم
أمام هذا الواقع المرير، تناشد الأم المؤسسات الدولية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، لنقل طفلها إلى خارج القطاع لتلقي العلاج المناسب، في ظل الانهيار الكامل للنظام الصحي في غزة وشح الأدوية والمستلزمات الطبية.
الواقع الطبي الكارثي في القطاع ليس جديدًا، لكنه بلغ ذروته منذ أشهر. في تقرير للأمم المتحدة نُشر نهاية شباط/فبراير الماضي، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى وجود ما بين 12 و14 ألف شخص في غزة بحاجة إلى إجلاء طبي عاجل، بينهم أكثر من 4500 طفل. لكن معبر رفح لا يزال مغلقًا منذ مايو/أيار، ولا يُسمح بالمغادرة إلا في حالات نادرة، بتنسيق خاص.
مشهد اوسع
قصة هاني ليست الوحيدة، بل جزء من مشهد أوسع من معاناة متفاقمة. منذ أكتوبر الماضي، يعيش سكان غزة تحت وابل من الهجمات المتواصلة التي أدت إلى مقتل وإصابة ما يقارب 189 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات آلاف المهجرين.
وبعد 18 عامًا من الحصار، تفاقمت الكارثة: نحو 1.5 مليون من أصل 2.4 مليون في القطاع باتوا بلا مأوى، بعدما دُمّرت بيوتهم وتحول الحيّز الآمن إلى سراب.
في خضم كل هذا، يصرخ جسد هاني الصغير بألم لا يُحتمل، بينما تبحث والدته عن بارقة أمل تعيد له حقه في الحياة، في الضحك، في اللعب... وفي خطوة أولى لم تُكتب له بعد.