أكدت شبكة النساء الرياديات العربيات على أهمية تحويل الارتفاع بنسب تعليم النساء العربيات الى قوة سياسية وتشغيلية وذلك خلال اللقاء الثاني للشبكة الذي نُظّم يوم الجمعة الماضي، 30.05.2025، في مركز مساواة بمدينة حيفا.
واعتمد موقف شبكة الرياديات على معطيات محاضرة قدمتها د. مها صباح-كركبي بعنوان "النساء الفلسطينيات في البلاد بين المجتمع، الاقتصاد والسياسة: سيرورة تغيير مركّبة"،
أشارت د. صباح-كركبي إلى الارتفاع الملحوظ في مستوى التعليم الأكاديمي لدى النساء الفلسطينيات في السنوات الأخيرة. وبيّنت أن النساء يشكّلن 68.4% من مجمل حاملي اللقب الأول بين العرب، و75.4% من حاملي اللقب الثاني، بينما تنخفض النسبة في اللقب الثالث (الدكتوراه) لتبلغ 43.8%.
في المقابل، تبقى نسبة تشغيل النساء العربيات منخفضة نسبيًا، رغم تسجيل ارتفاع تدريجي خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2023 بلغت نسبة تشغيل النساء العربيات في الفئة العمرية 25–64 نحو 44.1%، مقارنة بـ77.3% لدى الرجال العرب، و82.2% لدى النساء اليهوديات. وأوضحت د. صباح-كركبي أن هذه الفجوات تُعزى إلى عوامل متعددة، أبرزها غياب التنوع في اختيار التخصصات المهنية، النقص في فرص العمل داخل البلدات العربية، ووجود سوق عمل محلي تقليدي لا يتلاءم مع المواضيع الأكاديمية التي تختارها النساء.
تعزيز وتطوير دور المرأة في المجتمع العربي
أما من حيث توزيع النساء العربيات في سوق العمل، فتتركزن أساسًا في مجالات التعليم، والصحة والخدمات الاجتماعية، والتجارة، في حين لا تتجاوز نسبة العاملات في المناصب الإدارية 3% فقط، ما يعكس محدودية وصول النساء العربيات إلى مواقع اتخاذ القرار داخل سوق العمل.
وأكدت المديرة التنفيذية في مركز مساواة على أن هذه التغيرات في سيرورة حياة النساء والعوامل المختلفة ساعدت في تعزيز وتطوير دور المرأة في المجتمع العربي، إلا أن حضورها لا يزال باهتًا في العمل السياسي المحلي وفي مواقع اتخاذ القرار، حيث إن 2% فقط من النساء موجودات في السلطات المحلية. وأشارت إلى أن هناك حاجة ملحّة للعمل على مستويات مختلفة، منها الجماهيري، والمجتمعي، والإعلامي، والتشريعي، من أجل رفع نسبة التمثيل النسائي في السياسة المحلية وفي مواقع اتخاذ القرار.
تناولت د. كركبي العوامل التي ساهمت في تفكك العمل النسوي بعد النكبة، منها تأثير فقدان الأرض كمصدر أساسي للرزق، خاصة في المجتمع القروي الذي شكّل الأغلبية العظمى من المجتمع الفلسطيني، وهدم كل الإنجازات التي كانت قد أحرزتها النساء من خلال تنظيماتهن الاجتماعية والسياسية والأدبية، وفقدان مصادر الرزق، خاصة في مجالي التعليم والمهن الطبية، جراء النكبة وتفكك نظم سوق العمل الفلسطيني بفعل تفكيك البنية الاقتصادية والتهجير.
كما تطرّقت د. صباح-كركبي إلى تأثير الحكم العسكري، وممارسات الرقابة، والتهميش البنيوي، واتساع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين العرب واليهود، ما أدى إلى تفكك النسيج المجتمعي وتفكك الهوية القومية، وبالتالي انعكس سلبًا على موقع النساء العربيات في الحيز العام. ونوّهت إلى أن فهم السياق التاريخي يسهم في تحليل واقع المرأة العربية في الحاضر
سبل التأثير الفعلي في السياسات المحلية والقطرية
وتم مناقشة إمكانيات التحرك بأعقاب هذه المعطيات من قبل النساء الرياديات في ورشة عمل مشتركة ناقشن خلالها سبل التأثير الفعلي في السياسات المحلية والقطرية، وقد شاركت منسقة المرافعة البرلمانية والقانونية في مركز مساواة، نبال عردات والتي عرضت بعض تجاربها في المرافعات القانونية والبرلمانية بالسنوات الماضية والنتائج التي تحققت. وطرحت المشاركات مجموعة من الاقتراحات منها بلورة ورقة موقف لتغيير السياسات، والتي ستُعرض أمام إحدى لجان الكنيست حتى نهاية السنة وتشكيل ضغط على قيادات السلطات المحلية. ومن أبرزها: تعزيز وتطوير التربية الجندرية في مجتمعنا، رفع نسبة تمثيل النساء في مواقع صنع القرار، وتوجيه خطط تقليص الفجوات لتتلاءم مع احتياجات النساء العربيات تحديدًا.
د. روضة مرقس مخول، مركّزة المشروع في مركز مساواة، أكدت أنّ "اللقاء يُشكّل محطة أساسية في بناء شبكة نساء فاعلات على المستوى المحلي والقطري، تتحرك من التشخيص إلى صياغة السياسات. نحن لا ننتظر أن يتغيّر الواقع من تلقاء نفسه، بل نعمل على إنتاج أدوات تغيير تُبنى على معرفة وخبرة نسائية جماعية. ما تمّ جمعه اليوم سينتقل إلى الفعل البرلماني والمؤسساتي، وسيمثل خطوة متقدمة في نضال النساء العربيات من أجل العدالة والمساواة والمشاركة الحقيقية".
من جهتها، قالت يهوديت ستيلماخ، مديرة المشاريع في مؤسسة فريدريخ إيبرت: "النساء يشكّلن نصف المجتمع، لكنهن لا يزلن غائبات عن مواقع اتخاذ القرار. لا يمكننا الانتظار ليتم ضمّنا، بل علينا أن نطالب بحقنا ونصنع التغيير بأنفسنا. من خلال هذا المشروع، والذي تتشارك فيه إلى جانب مركز مساواة منظمات "وي باور"، "إيتاخ- معكِ" و"منتخبات"، نعمل على ضمان أن تُسمع أصوات النساء من مختلف الخلفيات، وأن تُؤخذ احتياجاتهن بالحسبان عند صياغة السياسات العامة. هذه ليست رفاهية – بل ضرورة لبناء مجتمع أكثر عدلًا".