بيت الكرمة يفتح أبوابه لطلاب وادي عارة ضمن برنامج “مفاتيح حيفا”: لقاءٌ تربويٌّ يعيدنا إلى الجذور ويمنحنا أجنحة

منذ

بقلم: رانية مرجية

في مدينةٍ تشهد لجراح الذاكرة بقدر ما تشهد لنبض الحياة، وفي بيت الكرمة – ذاك الحاضن الثقافي والإنساني في قلب حيفا – التقت طاقات شبابية من وادي عارة في إطار برنامج مسار الأكاديمي في لقاءٍ لا يشبه سواه، لقاءٍ أعاد ترتيب العلاقة بين الجيل الناشئ وبين هويته، تراثه، وذاكرته الجمعية، وذلك ضمن برنامج “مفاتيح حيفا”، بإشراف مطورة المضامين السيدة نوال أبو عيسى.

في زمنٍ بات فيه التمسك بالموروث أشبه بنوع من المقاومة الهادئة، كانت الورشة الأولى بعنوان “الصينية والفنجان”، قدمتها الموجهة ميسون سواعد، التي أعادت للطلاب حرارة الفنجان الأول ودفء اللقاءات القديمة، بلغةٍ بصرية وحسية جعلت من القهوة أكثر من مشروب، بل طقسًا من طقوس التواصل الروحي والاجتماعي.

ثم كان اللقاء الثاني، مع الإعلامية والموجهة سامية عرموش، التي حملت الحضور إلى فضاءات فنية غير تقليدية، عبر ورشة “مؤثر ومتأثر”، والتي فتحت أمام المشاركين أفق التعبير عبر فن الجرافيتي، ذاك الفن الذي يُكتب على الجدران لكنه يلامس الأعماق، ويقول ما عجزت عنه النصوص الرسمية.

ما يميز هذه اللقاءات أنها لم تكن مجرد محاضرات أو فعالياتٍ جافة، بل كانت حوارات حيّة، تفاعلية، نابضة، أتاحت للطلاب أن يعبّروا، أن يسألوا، أن يُبدعوا، أن يُمسكوا مفاتيح حيفا ويجربوا فتح أبوابها من جديد، لا بأيديهم فقط، بل بقلوبهم وعقولهم.

“مفاتيح حيفا” ليس فقط اسم برنامج، بل هو استعارة بليغة لمشروع معرفي تربوي، يحمل رؤية واضحة: أن نُمسك مفاتيح مدينتنا، مفاتيح هويتنا، ومفاتيح أرواحنا، في وجه كل محاولات الطمس أو الإلغاء.

وإذ يواصل بيت الكرمة برامجه باللغة العربية، فهو لا يمنح فقط مساحةً للغة، بل للكينونة العربية الفلسطينية في حيفا، ولحقّ الأجيال القادمة أن تكون جزءًا فاعلًا في كتابة الحكاية، لا فقط سماعها.

هكذا، وعلى وقع الخطوات الواثقة والفضولية لطلاب وادي عارة في أزقة حيفا، ودفء الورشات داخل جدران بيت الكرمة، كُتب فصل آخر من فصول التمكين الثقافي والتربوي… فصلٌ عنوانه الأمل، ومفتاحه الوعي، وروحه الانتماء.

مصدر الصورة