في مقابلة لموقع "بكرا"، أطلق المحلل السياسي الإسرائيلي ومدير عام منظمة "أوكورد"، رون جارليتس، صرخة إنسانية مدوّية حول ما يجري في قطاع غزة، واصفاً الوضع هناك بـ"جحيم حقيقي وإبادة جماعية ممنهجة"، محملاً حكومة إسرائيل المسؤولية الكاملة عن استمرار المجازر والمجاعة في القطاع.
"صور الموت في غزة تلاحقنا جميعاً"
استهل جارليتس حديثه بالإشارة إلى مشاهد الجثث المتناثرة في شوارع غزة، وأكياس الأطفال البيض المصطفة في طوابير الموت، قائلاً: "لا يمكن لهذا المشهد أن يمر بصمت. دقيقة واحدة من النظر في صور وفيديوهات من غزة كفيلة بأن تُريك الجحيم ذاته".
وأضاف: "في الأيام الثلاثة الأخيرة فقط، قُتل مئات المدنيين، بينهم عدد كبير من الأطفال. طُرِدت العائلات من مناطق اللجوء، ضُربت مخيمات النازحين، واستُهدفت مستشفيات بمن فيها من مرضى. وحتى فرق الإنقاذ التي تحاول انتشال الضحايا تحت الأنقاض لم تسلم من القصف".
مجاعة خانقة... والضمير العالمي غائب
تحدث جارليتس عن كارثة إنسانية متفاقمة، موضحًا أن "غزة لم تتلقَ إمدادات غذائية منذ مارس الماضي، والجوع هناك وصل لمستويات كارثية. الأرقام حول من يعانون من جوع حاد لا تُصدَّق، وصور الأطفال الجياع تعيدنا إلى أهوال تاريخية لا يمكن تجاهلها".
"تخيلوا أطفالكم أو آباءكم يستغيثون من الجوع والعطش، وأنتم عاجزون عن إنقاذهم. هذه هي الحياة اليومية في غزة"، قال جارليتس، مشيرًا إلى تحقيقات وتقارير دولية تؤكد حجم الأزمة.
تدمير شامل بلا مبرر
انتقد جارليتس ما وصفه بـ"الدمار المنهجي لغزة"، مستشهداً بتحقيق صحفي طويل نشره موقع "شיחה مكوميت"، والذي يوثق شهادات جنود وضباط إسرائيليين يؤكدون أن التدمير لا يرتكز على أي منطق عسكري، بل يتم بدافع الانتقام ومنع السكان من العودة إلى منازلهم.
وأضاف: "ضباط وجنود اعترفوا صراحة أن الهدف هو جعل العودة إلى تلك المناطق أمراً مستحيلاً. هذا تدمير بلا مبرر، وبلا رحمة، وبلا نهاية."
"حجم الدمار يماثل ما حدث في وارسو عام 1944"
كشف جارليتس عن استشارته خبراء في دراسات الإبادة الجماعية، الذين قالوا له إن حجم الدمار الحالي في غزة يشابه ما حدث في مدينة وارسو بعد قمع انتفاضة 1944 على يد النازيين. وأضاف: "فقط فكرة أنني بحاجة للتحدث مع خبراء في الإبادة لتفسير ما يجري، تُعد في حد ذاتها مأساة أخلاقية وإنسانية".
"مفتاح وقف الكارثة بيد إسرائيل"
وحمل جارليتس حكومة بلاده المسؤولية المباشرة عن استمرار الحرب والمآسي الناتجة عنها، قائلاً: "صحيح أن حماس تتحمل مسؤولية كبيرة، وربما لديها مخازن طعام، لكنها بالتأكيد لا تملك ما يكفي. المفتاح الحقيقي لإنهاء الحرب ومأساة الأسرى والكارثة في غزة بيد الحكومة الإسرائيلية".
وأشار إلى أن غالبية المجتمع الدولي، وحتى قطاعات واسعة من الشعب الإسرائيلي، تطالب الحكومة بقبول صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب، لكن الحكومة ترفض، ما يجعلها شريكاً أساسياً في استمرار القتل والمجاعة.
"ما نرتكبه جرائم كبرى... وسنحاسب"
قال جارليتس إن ما يجري في غزة يدخل ضمن أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي، مضيفاً: "لن نسامح ولن ننسى هذه الحكومة المتطرفة التي تلطخ اسم إسرائيل وتدفعنا كدولة ومجتمع إلى ارتكاب أفظع الجرائم".
وشدد على ضرورة رفع الصوت في كل محفل: "لا يجوز لنا الصمت. يجب المطالبة بإدخال فوري وغير مشروط للغذاء إلى غزة. لا يمكن لليهود – أو لأي بشر – أن يقبلوا بتجويع الأطفال. كما يجب وقف قتل الأبرياء فوراً".
دعوة للجنود: ارفضوا تنفيذ الأوامر غير القانونية
في ختام المقابلة، وجه جارليتس رسالة مباشرة للجنود الإسرائيليين قائلاً: "الآن بات واضحاً أن جزءاً كبيراً من الأوامر العسكرية في غزة غير قانوني بشكل صارخ. لا يجوز استهداف المدنيين والمستشفيات وتجويع الأطفال. يجب على كل جندي أن يرفض تنفيذ هذه الأوامر، فـ'الراية السوداء' ترفرف بقوة فوقها".