آخر الأخبار

ماذا يتوقع مسيحيو الأرض المقدسة من البابا الجديد؟

شارك

فرح الكثيرون من مسيحيي الأرض المقدسة بانتخاب البابا لاون الرابع عشر كخليفة للقديس بطرس. ويأمل الكثير من هؤلاء بأن يسير البابا الجديد على خطى سلفه، البابا فرنسيس، من حيث وضوح الموقف تجاه قضايا العدل والسلام.
والمسيحيون في الأرض المقدسة هم جزء اصيل من مجتمعاتهم من جهة ولديهم ما يميزهم من الجهة الأخرى. فمن جهة، المسيحيون هم مواطنين، يدفعون الضرائب ويخدمون المجتمع بأوجه مختلفة كأفراد ومؤسسات، وتتعدى هذه الخدمة نسبتهم الضئيلة (نحو 1% من السكان) من حيث التأثير، بالذات إثر تقديم العشرات من المؤسسات المسيحية، لاسيما المدارس والمستشفيات، خدمات لجميع الناس، وليس فقط للمسيحيين.
من جهة أخرى، بسبب تميزهم الديني وزيادة التطرف الديني والسياسي من حولهم الذي يرافقه غياب لأفق السلام والاستقرار في البلاد، يدفع الكثير منهم الى الهجرة او العيش بقلق من تدهور إضافي بوجودهم الكمي والنوعي. هذا القلق دفع العديد من القيادات الروحية والعلمانيين في العقود الأخيرة، وبالذات منذ اندلاع الحرب الحالية، الى إطلاق مشاريع وبرامج ونشاطات تهدف الى تعزيز الوجود المسيحي ومنح أمل للجميع بأنه بالرغم من قتامة الرؤية في هذه المرحلة، لا يزال هنالك أمل بعيش كريم مبني على المواطنة الكاملة والحقوق المتساوية للمسيحي في وطنه سواء في فلسطين وفي إسرائيل.
لقد لعب الكرسي الرسولي دورا هاما في تثبيت الوجود المسيحي في الأرض المقدسة على مر التاريخ، اما من خلال النشاط الكنسي، واما من خلال التواصل مع الجهات المؤثرة في المنطقة وعليها، واما من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي، الذي تمثل بإقامة العديد من المؤسسات مثل البعثة البابوية في القدس، وجامعة بيت لحم ومركز "بندكتوس" في الناصرة، وآخرها كان تقديم البابا فرنسيس للسيارة البابوية لتصبح عيادة متنقلة في غزة.
لكن، من أبرز اللحظات المؤثرة في التاريخ الحديث كانت الزيارات البابوية لبلادنا، بدءا في العام 1964 بزيارة البابا بولس السادس، ومرورا بزيارة البابا يوحنا بولس الثاني في العام 2000، والبابا بندكتوس في العام 2009، واختتاما بزيارة البابا فرنسيس في العام 2014.
خلال هذه الزيارات شعر الكثير من مسيحيي الأرض المقدسة بأن أباهم يزورهم، وان الحديث لا يدور فقط عن زيارة رئيس دولة، بل عن زيارة راعي الذي يأتي لاحتضان رعيته، ولسماع ما لديها من آمال وتحديات، ولتشجيعهم على مواصلة رسالتهم في الأرض التي شهدت ولادة المسيحية قبل نحو ألفي عام.
لذلك، زيارة الأرض المقدسة من قبل البابا لاون الرابع عشر في المستقبل القريب ستكون ضمن ما يتوقعه منه مسيحيو البلاد، للشعور بمحبته لهم وقربه منهم. كما يرغب المسيحيون، لاسيما الكاثوليك منهم، بأن تزيد زياراتهم إلى روما ليس فقط لزيارة معالمها، بل أيضا للتواصل بشكل دائم مع البابا خاصة ودوائر الكرسي الرسولي عامة.
يأمل الكثير من مسيحيي الأرض المقدسة من البابا الجديد أيضا العمل من اجل تعزيز الوحدة فيما بينهم، بما يشمل التوصل لتاريخ موحد للأعياد الكبرى بالذات الميلاد والفصح. ناهيك عن تعزيز العمل المشترك بين الكنائس من أجل تنظيم رحلات حج إلى الأرض المقدسة التي لا تشمل فقط زيارة معالمها الدينية بل أيضا زيارة المؤمنين فيها.
الكثيرون من مسيحيي بلادنا يرغبون برؤية دور أكبر للكرسي الرسولي بالعمل مع اللاعبين المركزيين سواء في العالم وفي المنطقة من أجل التوصل لحل دائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لان استمرار هذا الصراع من شأنه التأثير سلبا على الوجود المسيحي في البلاد على الأقل بأربع صور متزامنة: أولا، أشكال متنوعة من العنف التي تقتل الكثيرين، بمن فيهم المسيحيين، وتخيف الأخرين، مما يحفز الكثيرين، وخاصة المسيحيين على الهجرة. ثانيا، زيادة بالتطرف الديني والسياسي مما يجعل الكثير من المسيحيين يشعرون وكأنهم أصبحوا غرباء في وطنهم. ثالثا، تردي متواصل للوضع الاقتصادي، وتراجع بالحجيج إلى الأرض المقدسة، مما يزيد من التحديات الاقتصادي والاجتماعية. ورابعا، الشعور باليأس والإحباط وبغياب الأمل، الامر الذي دفع ويدفع الكثيرين للهجرة او للتخطيط لترك البلاد في المستقبل القريب.
كما يرغب المسيحيون في البلاد بأن يكون للكرسي الرسولي دورا أكبر من حيث التعاون مع الكنائس المحلية بالعمل من الخارج والداخل بصورة متوازية لكي يعامل المسيحي في وطنه باحترام ومساواة، والعمل معا من أجل منع و/أو ابطال أي تشريع الذي يشمل أي نوع من أنواع التمييز العنصري، مثل تفضيل دين/عرق على آخر.
في فلسطين، الوضع لا يزال مبهم بسبب الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي التي من المفروض ان تقوم عليها الدولة الفلسطينية، وحالة الحرب المستمرة في قطاع غزة، وسلطة محدودة السلطة في الضفة الغربية، ناهيك عن ضم إسرائيلي شامل للقدس الشرقية. هذا الواقع يتطلب تفكيرا وعملا من الكنيسة، سواء على مستوى الكرسي الرسولي والمستوى المحلي، من اجل منح الناس أمل بالرغم من كل التحديات.
في إسرائيل، هنالك حاجة ماسة لتكاتف الجهود بين الكرسي الرسولي والكنيسة المحلية من أساقفة وكهنة ومؤمنين من أجل حل العديد من القضايا سواء العامة (التي تؤثر أيضا على غير المسيحيين) أو الخاصة (التي تمس بصورة خاصة المسيحيين ومؤسساتهم). حيث من المهم العمل مع مختلف مركبات المجتمع المحلي لبناء دولة التي تعامل جميع مواطنيها بصورة متساوية وتضمن لهم كرامتهم، كما من المهم وضع خطط من أجل انهاء قضايا أليمة التي أثرت سلبا ولا تزال على الوجود المسيحي في الدولة، مثل قضية قريتي اقرث وبرعم اللتان دمرتهما السلطات الإسرائيلية في العام 1951 بعد ان طردت سكانهما المسيحيين الكاثوليك منهما.
هنالك حاجة لتدخل أقوى من الكرسي الرسولي من أجل اسناد المؤسسات المسيحية العاملة في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، التي تعاني من تحديات متزايدة المتمثلة بمحاولة بعض البلديات فرض ضرائب باهظة بصورة تتنافى مع ما كان عليه الوضع في الماضي، وتمييز سلبي واضح من السلطات الإسرائيلية المتمثل بتمويل محدود للمدارس المسيحية.
بكل الأحوال، المسيحيون في الأرض المقدسة، شأنهم شان سائر المسيحيين في العالم، يرغبون بأن يكون لديهم أب بكل ما تعنيه هذه الكلمة. أب يزورهم ويزوروه، أب يتشاور معهم ويتشاورون معه، أب يحميهم من أي اعتداء، ويقف جنبهم عندما يعتدى عليهم وعلى حقوقهم، وأب الذي يسير على خطى مؤسس الكنيسة الذي لا يتردد بالدفاع عن المظلوم في كل حين، مهما علا شان الظالم!
على البابا لاون الرابع عشر ان يعرف أيضا بأن لديه في الأرض المقدسة الكثير من الأبناء الذين يحبونه ويفهمون كثرة انشغالاته وانشغالات الكرسي الرسولي، وبالتالي في الوقت الذي يأملون قربه منهم، هم يعملون من أجل تعزيز الوجود المسيحي في البلاد كمكون فاعل في المجتمع المحلي بالتعاون مع سائر مكونات هذا المجتمع. هذا النشاط يتمثل بما تقوم به حاليا عدة جهات من رؤساء كنائس ومجموعات علمانية من عمل في عدة مجالات لتقليل المخاطر والتحديات التي تواجه ما تبقى من وجود مسيحي في البلاد.
في الأرض المقدسة، صلى ويصلي المسيحيون من أجل توفيق البابا الجديد بمهامه وهم مدركون بأن هذه المهام كثيرة ومعقدة. لكن، يبقى الابناء بحاجة إلى ابيهم وهذا هو اهم ما يتوقعه الأبناء من ابيهم، بأن يكون الى جانبهم دائما، بالرغم من كثرة اشغاله وانشغالاته.

10 أيار 2025

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا