آخر الأخبار

إسرائيل: حرب قصيرة الأمد أم حرب استنزاف طويلة؟ / بقلم: خالد خليفة

شارك

احتفلت إسرائيل قبل اسبوع بعيد استقلالها السابع والسبعين، ولأول مرة منذ إقامتها، وهي ما تزال غارقة في وحل حرب متواصلة بدأت بسبع جبهات، وما زالت مستمرة على أربع جبهات مؤكدة. فالحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023 لا تزال تراوح مكانها، أي أنها مشتعلة منذ سبعة عشر شهراً، وإسرائيل غير قادرة على حسم المعركة أو إيقافها أو التسليم بنتائجها. ففي الوقت الذي اعترف فيه قادة الجيش والمخابرات والموساد بفشلهم الذريع في هذه الحرب، لا يزال الجهاز السياسي، ممثلاً برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مصمماً على عدم الاعتراف بفشله وتحمله المسؤولية عن نشوب هذه الحرب.

وتُعد السجالات التي شنّها نتنياهو ضد رئيس الشاباك، رونين بار، أكبر مثال على ذلك. ففي الوقت الذي اعترف فيه بار بمسؤوليته عن نشوب الحرب، أصر نتنياهو على إقالته واتهامه بالمسؤولية المباشرة. وفي هذا السياق، اندلعت خلافات قوية وقاسية بين الجهازين العسكري والسياسي، يصعب إطفاؤها. وقد رفض رونين بار قرار الإقالة وتوجّه إلى محكمة العدل العليا التي جمّدت القرار، وقدم تصريحًا قانونيًا ضد إقالته، متهمًا نتنياهو بعدة اتهامات، مما دفع الأخير إلى شن هجوم مضاد عليه، وتقديم تصريح مماثل. لاحقًا، قرر نتنياهو إلغاء الإقالة بعد أن حدّد رونين بار تاريخ 15 حزيران/يونيو لاستقالته، ثم عاد وألغى الإقالة مرة أخرى لتجنب مواجهة المحكمة والالتفاف عليها.

ويبدو أن إسرائيل قد فقدت قدرتها على المبادرة الاستراتيجية، وأصبحت تتخبط في قراراتها العسكرية والسياسية، مما يشير إلى أزمة حقيقية في منظومتها القيادية التي تعاني من الانقسام والتردد وفقدان البوصلة.

وتواجه إسرائيل اليوم تحديات استراتيجية من الدرجة الأولى، حيث أن رئيس الأركان، أيال زامير ، الذي عُيّن لاحتلال غزة بالكامل وسحق حماس عسكرياً، لم ينجح في ذلك. إذ اقتصر الاحتلال على المناطق الخالية التي تمثل نحو 35% من مساحة القطاع، فيما ينتظر الجيش خارج المناطق المأهولة للهجوم، في خطوة قد تكون مكلفة للغاية من حيث الخسائر البشرية. فقد خسر الجيش الإسرائيلي أكثر من ألف جندي، إلى جانب أكثر من ألفي مدني، أي ما مجموعه ثلاثة آلاف قتيل، ونحو 25 ألف جريح. لذلك يتريث زامير ولا يهاجم مباشرة، مدركاً أن الحرب قد تستمر طويلاً وتكلف المزيد من الضحايا، وهو أمر يصعب على الرأي العام الإسرائيلي تحمّله.

ولا يدرك كثيرون كيف تفكر إسرائيل وقادتها وكيف يريدون الخروج من هذا المأزق. لقد علّمنا التاريخ أن الحروب، مهما طالت، تنتهي يوماً ما، وتُوقّع الاتفاقيات، وتسود حالة سلام بعد صراعات مريرة. لكن لا أحد يعرف تحديداً ما الذي تريده إسرائيل من هذه الحرب المستمرة، التي ألقت بويلاتها على الشعب الفلسطيني، وأسفرت عن عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وملايين المشردين.

ولا يستطيع نتنياهو إقناع الرأي العام الإسرائيلي بجدوى استمرار هذه الحرب، خاصة مع النقص الكبير في عدد المجندين، وامتناع نسبة عالية من الشباب عن الالتحاق بالخدمة. وقد وصلت الأزمة إلى نقص في عدد الألوية، يصل إلى 70 ألف جندي. حتى أن بعض المتدينين قالوا إنهم يفضلون الطرد من البلاد على التجنيد.

ورغم ذلك، يستمر نتنياهو في التحريض على استمرار في الحرب، رغم الأزمة التي تعصف بقوات الاحتياط، وقرار الجيش بزيادة مدة التجنيد من عامين وعشرة أشهر إلى ثلاثة أعوام وشهرين، مع تعويض مادي يبلغ 32 ألف شيكل للجندي عن كل أربعة أشهر إضافية.

ولا بد من الإشارة إلى أن التكاليف الباهظة لهذه الحرب لا تتحملها إسرائيل وحدها، إذ أن الدعم غير المحدود من الولايات المتحدة — عسكريًا، ومعنويًا، وسياسيًا — هو ما يسمح باستمرار هذه الحرب. فقد قدمت واشنطن، بحسب التقديرات، أكثر من 60 مليار دولار في العام الأخير فقط. وفي الوقت الذي تطالب فيه أمريكا أوكرانيا بدفع مقابل للدعم، فإنها لا تطالب إسرائيل بشيء، ما يكشف عن عمق التحالف السياسي بين البلدين، رغم أن هذه المعادلة قد تتغير في أي لحظة، خاصة في ظل تصاعد المواجهات مع الحوثيين في اليمن، واحتمالات الخلاف مع مصر، والمواجهة المفتوحة مع إيران. ولا يعرف كيف يمكن لإسرائيل أن تساعد أمريكا فعلياً في هذه الجبهات.

أما المسألة الأساسية التي يغفل عنها كثير من الإسرائيليين فهي أن إسرائيل اليوم في مواجهة شاملة ومستمرة منذ سبعة عشر شهراً، ووفقاً لما يطرحه نتنياهو، قد تستمر هذه الحرب لخمسة أعوام أخرى. وقد يُطلق عليها مستقبلاً اسم "حرب السنوات الخمس" أو "السبع"، كما حدث في التاريخ. لكن هذا السيناريو لا يصب في مصلحة إسرائيل. فالتاريخ علّمنا أن الحروب يجب أن تكون قصيرة وحاسمة، وهذا ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه، ومن المؤكد أنها خسرت الحرب، رغم عدم اعترافها بذلك.

وفي حال استمرت الحرب لعدة سنوات، فستُعرف باسم "حرب السنوات الطويلة"، وهذا ليس فقط نذير خطر استراتيجي، بل استنزاف مرهق قد يؤدي إلى تغيّرات عميقة داخل إسرائيل، سياسياً وعسكرياً واجتماعياً، في ظل غياب رؤية واضحة للنهاية أو الهدف.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا