آخر الأخبار

ركود الأحزاب العربية في الداخل.. بنيوية أم عجز في الأداء.. ؟! -بقلم: مرعي حيادري 

شارك

يعيش الفضاء السياسي العربي في الداخل حالة من التراجع الحاد في الفاعلية الحزبية، تتبدّى مظاهرها في فتور الجماهير، وخفوت الصوت السياسي المؤثر، وتآكل الثقة بين المواطن ومؤسساته التمثيلية. ليست هذه الحالة عرضاً طارئاً، بل هي نتاج تراكمات بنيوية وأداءات قاصرة فشلت في قراءة المتغيّرات، والتفاعل مع الواقع المتحوّل بمرونة وجرأة.
لقد فقدت الأحزاب طابعها الريادي بوصفها حاملةً الهمّ الجماهيري، وتحولت إلى كيانات نخبوية منغلقة، تتنازعها الحسابات الشخصية والتحالفات الظرفية. فانفصل الخطاب عن الشارع، وتراجع الانخراط الشعبي إلى أدنى مستوياته، حتى أصبحت الانتخابات موسماً باهتاً أكثر منه محطة للمحاسبة والتجديد.
المفارقة أن هذه الأحزاب نشأت في ظل ظروف قهرية، وكان يفترض بها أن تمتلك أدوات الصمود والابتكار. لكنها، على العكس، استسلمت لمنطق المحافظة والجمود، مكتفية بخطابات تقليدية تتكرر في كل موسم، دون إعادة نظر حقيقية في البنية التنظيمية، أو المسارات الفكرية التي انطلقت منها.
ولعلّ أكثر ما يثير القلق هو غياب المشروع السياسي المتكامل، القادر على جمع القوى وصياغة رؤية وطنية تتجاوز اللحظة الانتخابية. إذ أصبحت البرامج أقرب إلى وعود تجميلية، تفتقر إلى العمق، ولا تتناول جذور الإشكاليات التي يعيشها المواطن العربي في الداخل: من قضايا الأرض والمسكن، إلى الهوية، والتعليم، والتمثيل الحقيقي.
وفي ظل هذا الركود، تنمو على الهامش مبادرات شبابية ومجتمعية تبحث عن صوت جديد، وممارسة مختلفة، مما يشير إلى أن الخلل لا يكمن في غياب الوعي الشعبي، بل في احتكار الأدوات وشيخوخة المنابر التقليدية.
يُتوقّع أن يشهد الاستحقاق الانتخابي القادم نسبة متدنية من المشاركة، في ظل تزايد مشاعر الإحباط والعزوف الجماهيري. لم يعد الامتناع عن التصويت مجرّد تقاعس، بل أصبح في نظر كثيرين موقفاً سياسياً واعياً، يُعبّر عن فقدان الثقة بالعملية الانتخابية كوسيلة للتغيير. يشعر الناخب العربي في الداخل بأن صوته لا يجد ترجمة فعلية على أرض الواقع، وأن المقاعد التي يفترض أن تمثّله باتت منصّات لصراعات داخلية أو خطابات رمزية تفتقر إلى التأثير العملي.
هذا العزوف، وإن حمل في ظاهره ملامح اللامبالاة، إلا أنه في العمق مؤشر على أزمة تمثيل حقيقية. إذ لم تعد البرامج السياسية تجذب الناخب، ولا المرشحين يلامسون قضاياه الجوهرية. بل إن كثيراً من الوجوه تتكرّر، والخطابات تتشابه، في دورة رتيبة تُعيد إنتاج ذات المشهد الذي كان سبباً في التراجع أصلاً.
إنّ الحاجة ملحّة اليوم إلى مراجعة جذرية، تبدأ من نقد الذات، ولا تنتهي عند إعادة تشكيل البنى الحزبية بما يضمن الديمقراطية الداخلية، والانفتاح على الكفاءات، وربط السياسة بالواقع المعاش، لا بالنصوص المحنّطة.
فهل ستبادر الأحزاب العربية إلى هذه المراجعة قبل أن تفرغ الساحة تماماً من الحضور السياسي الحقيقي؟ أم ستبقى أسيرة خطابها التاريخي، إلى أن ينفضّ الناس عنها نهائياً؟

ويبقى السؤال الأعمق. أن كانت مؤسسات الدولة لها القسط الوافر في أبعاد الأحزاب العربية من المشاركة الفعالة في تأليف ومشاركة النواب العرب ضمن التركيبة الحكومية، والاحزاب نفسها في سبات لا حراك أو دفاع عن ذاتها وعن جماهيرها مجتمعة. تلك المسببات قد تكون عوامل تنفي الواقع الحاصل بالسلب .وعليه اليكم بالنصيحة في تدارك الأمور قبل انقلاب عواقبها على الاحزاب الحالية التي فعليا تهتم لذاتها وتهمل قضايا جماهيرها الملحة مع هذا العزوف الحزبي السياسي الحاصل..!

ومع المستقبل القادم بين الآمال والإخفاقات يبدو أن المستقبل العربي يشهد نقطة تحول حاسمة، حيث تلتقي آمال التغيير مع عقبات بنيوية عميقة. في عالم يتسارع فيه التقدم التكنولوجي والاقتصادي، يواجه العرب تحديات معقدة؛ فمن جهة، هناك الإمكانيات الكبيرة التي توفرها التقنيات الحديثة لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية، ومن جهة أخرى، تستمر أزمات الحوكمة، وغياب الرؤى المشتركة، وتراجع الحريات، ما يعوق التحول المطلوب.
قد يتخذ الوضع العربي في المستقبل أشكالاً متباينة، إذا استمر الركود السياسي في ظل غياب مشاريع تنموية جادة، وإذا استمر الشباب في عزوفهم عن المشاركة السياسية. لن يكون من الممكن تحقيق الاستقرار في حال استمرار التهميش الاجتماعي والسياسي. لكن إذا استدركت الأنظمة السياسية هذه التحديات ونجحت في توجيه طاقات الشعوب نحو التنسيق المشترك، قد يكون العرب في المستقبل أكثر قدرة على التأثير في الساحة الدولية، بفضل شبكات التواصل التي تربطهم وظهور قوى شبابية تسعى لتغيير الواقع.
إن التحدي الحقيقي في المستقبل يكمن في قدرة الشعوب العربية على تجاوز الانقسامات التقليدية، وإيجاد حلول مبتكرة تسهم في إصلاح النظام السياسي وتفعيل المؤسسات المدنية، لتحقيق الوحدة الاقتصادية والاجتماعية.

اللهم أني قد بلغت وأن كنت على خطأ فيقوموني..

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا