في دراسة قدمها كل من د. أكرم فارس أبو جامع - أ. د سمير أبو مدللة، تم تحليل الآثار الاقتصادية لحرب 2023-2024 على قطاع غزة، بالإضافة إلى استعراض أضرار البنية التحتية وقطاع الإسكان وتقديم مقترحات لإعادة الإعمار بناءً على بيانات ميدانية وأبحاث اقتصادية معمقة.
بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2023، الذي خلف دمارًا هائلًا في البنية التحتية والمرافق الحيوية، أصبحت عملية إعادة الإعمار من أولويات الجهود المحلية والدولية. تقريرنا هذا يتناول الآثار الاقتصادية لحرب 2023-2024 على القطاع، ويقدم تحليلًا شاملاً لفرص وقيود إعادة الإعمار. كما يتطرق إلى الوضع الراهن في قطاع الإسكان، والذي يعتبر من أكثر القطاعات تضررًا، ويتضمن تقديرات مالية، تصنيفات هندسية وفق معايير الأمم المتحدة، وسيناريوهات لإعادة الإعمار المستقبلية.
التأثير الاقتصادي للأضرار في قطاع غزة
أدى العدوان الإسرائيلي إلى تدمير واسع في المنشآت السكنية، الحكومية، التعليمية، والصحية، حيث قدرت الأضرار الإجمالية بحوالي 10 مليارات دولار أمريكي. وتصدرت القطاع السكني قائمة القطاعات المتضررة، حيث دمرت أكثر من 98,000 وحدة سكنية بشكل جزئي وكلي. علاوة على ذلك، تضررت العديد من الأبراج السكنية في مناطق مثل الشيخ زايد، بيت حانون، ومدينة الزهراء، التي كانت موطنًا لآلاف العائلات الفلسطينية.
حجم الأضرار حسب القطاعات
قطاع الإسكان: تدمير ما يقارب 98,760 وحدة سكنية في جميع أنحاء القطاع.
القطاع الحكومي: دمرت حوالي 214 مرفقًا حكوميًا، مما أثر سلبًا على قدرة الحكومة في تقديم الخدمات الأساسية.
القطاع التعليمي والصحي: تدمير ما يزيد عن 491 مدرسة و825 مسجدًا، إلى جانب الأضرار التي لحقت بالمستشفيات والمراكز الصحية.
الآليات والمساعدات الدولية
تعتبر المساعدات الدولية جزءًا أساسيًا من عملية إعادة الإعمار. وفقًا لتقارير البنك الدولي، بلغ صافي المساعدات الإنمائية التي تم تقديمها لقطاع غزة في عام 2024 نحو 1.5 مليار دولار أمريكي. وعلى الرغم من هذه المساعدات، فإن الحصار الإسرائيلي المستمر وعدم الاستقرار الأمني يعوقان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
كما أن المساعدات تم توزيعها عبر عدة قطاعات، حيث تم توجيه 30% منها لإعادة بناء المنشآت السكنية والمدارس، بينما تم تخصيص جزء آخر لتوفير الاحتياجات الطارئة من الغذاء والماء، إضافة إلى مشاريع إعادة تأهيل قطاع الطاقة والمياه.
المرحلة الأولى من إعادة الإعمار: التوقعات والواقع
تواجه غزة مرحلة ما بعد الحرب سلسلة من التحديات المرتبطة بالآمال المرتفعة في إعادة بناء المجتمع. في المرحلة الأولى (من 1 إلى 3 سنوات بعد وقف الحرب)، تبدي التوقعات المرتفعة بشكل غير واقعي من قبل المجتمع المحلي والدولي، حيث يتوقع الجميع عودة سريعة إلى الحياة الطبيعية. هذا التوقع هو ما يطلق عليه "تأثير بوتلاتش"، حيث غالبًا ما تتسبب التوقعات المبالغ فيها في خيبة أمل بسبب البطء في تنفيذ مشاريع الإعمار.
المرحلة الثانية، من 3 إلى 5 سنوات بعد وقف الحرب، تعتبر من الأكثر حساسية، حيث تبدأ الصحوة المتأخرة، وتزداد مطالب السكان بسرعة إعادة بناء حياتهم. في هذه الفترة، يتزايد الضغط على الحكومة والمنظمات الدولية لتسريع وتيرة الإعمار، مما قد يؤدي إلى تحفيز توقعات غير واقعية أخرى.
إصلاح آلية مراقبة الموردين
بعد حرب 2014، تم تطبيق آلية مراقبة الموردين بهدف ضمان تنفيذ عمليات الإعمار بفعالية وشفافية. وقد أوصت الدراسة بعدة تحسينات، مثل تعزيز التنسيق بين الأطراف الدولية والمحلية، واستخدام تكنولوجيا المعلومات لتحسين الشفافية في التعاقدات وإدارة المشاريع. على الرغم من التحديات الأمنية والسياسية، تظل هذه الآلية جزءًا أساسيًا لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها دون تحريف.
التحديات الاقتصادية على المدى الطويل
تعتبر الإصلاحات الاقتصادية واحدة من القضايا الحيوية في عملية إعادة الإعمار. وكشفت الدراسات أن قطاع غزة يحتاج إلى إعادة بناء اقتصاده الوطني بما يضمن له الاستقلال الاقتصادي عن الاحتلال الإسرائيلي. وفي هذا السياق، تركز المقترحات على:
تعزيز الإنتاج المحلي في مجالات الزراعة والصناعات الصغيرة.
دعم قطاع الطاقة من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة الكهربائية والمياه.
الاستثمار في التعليم والتدريب لرفع كفاءة القوى العاملة الفلسطينية.
التعافي الاجتماعي والمجتمعي
إضافة إلى التعافي الاقتصادي، يشمل تقريرنا أيضًا الجوانب الاجتماعية والنفسية التي تؤثر على المجتمع الفلسطيني. من أبرز التوصيات التي خرجت بها الدراسة، تبني برامج دعم نفسي واجتماعي للأطفال والنساء والناجين من الحرب. كما يقترح التقرير إنشاء مجالس بلدية مجتمعية مؤقتة لتمكين المجتمع المحلي من المشاركة في تحديد أولويات الإعمار وضمان العدالة في توزيع الموارد بين الفئات الأكثر تضررًا.
التحول إلى التنمية المستدامة
لم يعد النموذج التقليدي لإدارة الكوارث هو الخيار الأفضل. بدلًا من ذلك، يجب تحويل الإعمار إلى مشروع تنموي مستدام، يتضمن تعزيز الإنتاج المحلي وفك الارتباط الاقتصادي عن الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى إنشاء بنية اقتصادية تحررية تستند إلى إمكانيات غزة المحلية.
الموقف الدولي والحقوق الفلسطينية
أخيرًا، من المهم التحشيد الدولي لدعم قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي، مثل إدانة مشاريع الاستيطان ووقف التهجير والتطهير العرقي. يجب التأكيد على حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم في إطار حل عادل وشامل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
الخلاصة
إن عملية إعادة إعمار غزة لا تقتصر فقط على بناء المساكن والبنية التحتية، بل هي مشروع وطني شامل يعزز الاقتصاد الفلسطيني ويعيد بناء المجتمع المحلي. يتطلب هذا المشروع تعزيز التعاون بين الجهات المحلية والدولية، فضلاً عن تبني سياسات تنموية مستدامة تضمن تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي للشعب الفلسطيني. ورغم التحديات الكبيرة، تظل الفرصة قائمة لبناء قطاع غزة من جديد، وتحقيق حياة أفضل لأبناءه.