آخر الأخبار

التجويع ليس سلاحًا شرعيًا: لا لتمويل المصالح السياسية بأرواح الأبرياء

شارك



اذا أردنا أن نصف هذه المرحلة أو الفترة، ونطلق عليها أسماءً تناسبها تمامًا، فبالتأكيد أحد أبرز ما قد يُطلق عليها، هو أنها مرحلة "تبدّل المشاعر"، نفرح لقرار التوصل إلى صفقة ووقف اطلاق نار، ومن ثم بصور تحرر المخطوفين من جهة وعودة الحياة في غزة من جهة أخرى، ثم نُصدم باقتراح من الرئيس الأمريكي بتهجير كل سكان غزة وبموجة ترحيب واسعة في إسرائيل للاقتراح، بعد ذلك نشعر بالاطمئنان مع بدء الحديث عن عدم نجاعة الخطة ورفض الدول العربية لها، ومع بيان الدول العربية للمرحلة القادمة في غزة والتي عنوانها الأساسي "السلام"، ثم نُصدم بقرار حكومة نتنياهو لعدم الانتقال للمرحلة الثانية من الصفقة. نشعر بالفخر والكثير من التفاؤل مع اختتام حملتنا الشعبية ضد التجويع في غزة بإدخال نحو 200 شاحنة للقطاع، ثم يداهمنا التشاؤم مع قرار الحكومة الإسرائيلية بتعزيز الحصار على غزة ومنع ادخال المزيد من المساعدات. نستمتع بصور حملة جمع الطرود الرمضانية في يافا بمشاركة عربية يهودية، وبمشاهد المظاهرات التي ينظمها حراكنا ضد العنف والجريمة بالمجتمع العربي، وخصوصًا كونها مظاهرات مشتركة للعرب واليهود; نفرح لفوز فيلم "لا أرض أخرى" لباسل عدرا ويوفال أبراهام بجائزة الأوسكار ونبدأ ببناء الاحلام حول مستقبل مشترك وعادل، ثم نصطدم بموجة تحريض على الفيلم، ومطالبات حتى بسحب جنسية مخرجه الإسرائيلي. في نفس اليوم يشعر المرء بمشاعر متضاربة، وأحيانا في نفس الساعة يمكن أن تتبدل المشاعر أكثر من مرة بسبب الأحداث والتطورات.

ماذا يعني أن تقرر الحكومة منع ادخال المساعدات إلى غزة؟ وكيف لأمر كهذا أن يمر مرور الكرام في الشارع؟ الحكومة تقول علنًا، نحن نريد تجويع مليوني انسان، فقط بهدف الضغط على حماس، وطبعًا التجويع سيشمل كما شمل من قبل، المخطوفين المتواجدين في غزة، ورأينا كيف كانت حالة قسم من الذين خرجوا بالأسابيع الأخيرة، فهل طبيعي أن نسكت عن قيام الحكومة بتجويع الناس عن سبق إصرار وترصد؟

أطراف من حكومة نتنياهو زعمت بالأيام الأخيرة بأن المواد الغذائية التي أدخلت إلى غزة تكفي لعدة شهور، في محاولة لامتصاص ردة الفعل العالمية ضد قرار الحصار، لكن تقرير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أعلن بالأمس أن الغذاء في غزة يكفي لأسبوعين كحد أقصى، وتؤكد وزارة التنمية الفلسطينية أن وقف إدخال المساعدات سيعرض 289,824 طفلاً و139,764 مسناً، للموت جوعاً والبرد الشديد لعدم توفر الأغطية ووسائل التدفئة، وقد رأينا بالفعل حالات موت لأطفال جراء البرد بالأسابيع الأخيرة، فكيف يمكن قبول ذلك؟ ولماذا علينا تقبل أن يقوم نتنياهو ولأجل مصالحه السياسية بتجويع مئات الآلاف من الناس، استمرار الدمار في غزة والتخلي رسميًا وربما نهائيًا عما تبقى من مخطوفين في غزة، وكل ذلك وكانه باسمنا وبتوكيل منا؟

كانت الصفقة تسير بشكل جيّد نسبيًا، إذا أردنا عدم التحدث عن النوايا المخفية لنتنياهو، كانت تسير بشكل جيّد حتى جاء تصريح ترامب حول فكرته لتهجير أهل غزة ثم تهديده بتحويل المنطقة الى جهنم إذا لم يتم إخراج كل المخطوفين، التهديد الذي كرره بالأمس، فقد فتحت هذه التصريحات شهية نتنياهو وحكومته، وجعلتهم يحلمون بأن بإمكانهم تحقيق المزيد دون صفقة، لكن الحقيقة أن ترامب حتى وإن كان رئيسًا لأقوى دولة في العالم ولأهم حليف وداعم لإسرائيل إلا أنه في كثير من المواقف، يبدو منفصلًا عن الواقع ولا يعرف كيف تسير الأمور، وما يثبت ذلك هو الحديث عن مفاوضات للإدارة الأمريكية مع حماس لإخراج مخطوفين أمريكيين، وما يثبت ذلك أكثر هو رفض الدول العربية، الحليفة لواشنطن والتي تحصل على مساعدات سنوية كبيرة منها، رفضها بشكل تام لخطة ترامب، بل وعقد قمة عربية وإصدار قرار مشترك لإعادة إعمار غزة، دون تهجير أهلها، وللمضي قدمًا نحو حل عادل للفلسطينيين، وحل عادل للفلسطينيين، سيكون عادلًا للإسرائيليين أيضًا، فالحل العادل يجلب معه السلام، ومصلحة الإسرائيليين هي السلام، مصلحة معظم الشعب الإسرائيلي هي السلام، عكس مصلحة المتطرفين في سدة الحكم.

في الأيام الأخيرة كنا نستعد للإعلان عن اختتام الحملة الشعبية ضد التجويع في غزة بإدخال نحو 200 شاحنة إلى القطاع، مساعدات تم جمعها من مختلف البلدات في المجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل، وقد وصلت وتم توزيعها للناس في غزة، ولكن صُدمنا بقرار تشديد الحصار على غزة مرة أخرى، وكأن الأمر لعبة بسيطة بيد سياسي هنا ومسؤول هناك، تجويع مئات آلاف الناس.


إن مشاهد اخراج المخطوفين إلى عائلاتهم، ومشاهد عودة الحياة إلى غزة، وصور الإفطار الجماعي بين الركام، ومرور أيام دون أنباء عن قصف وقتلى ومصابين من الطرفين، هذه المشاهد التي عشناها وفرحنا بها بالأسابيع الأخيرة، يجب أن تستمر، ويجب ألا نسمح بأن تتوقف وأن نعود إلى واقع مُرعب ومخيف وخطير، علينا جميعًا بأن نقف معًا ونوجه رسالة واضحة للحكومة، بأن الصفقة يجب أن تستمر وأن تدخل للمرحلة الثانية، لوقف حرب الدمار على غزة لإعادة كل المخطوفين والبدء بإعمار كل ما هدمته حكومة بيبي المتطرفة. هذه الحكومة لا تمثل أغلبية الشعب، ويجب أن ترحل بمخططاتها الانتقامية ومشاريعها التقسيمية ، وقبل ذلك، قبل أن ترحل، عليها أن تلتزم بواجبها، بالمضي للمرحلة الثانية من الصفقة التي وقعت عليها بنفسها، ووقف الحرب وإعادة كل المخطوفين. ولن نتوقف عن المطالبة بهذا الأمر، ولن نستسلم لليأس، ونريدكم/ن معنا في هذا النضال، في كل الاحتجاجات والنشاطات، لأنه حيثما وجد النضال، وجد الأمل.
رلى داوود وألون-لي غرين
المديران القُطريان المشاركان لحراك "نقف معًا"

بكرا المصدر: بكرا
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا