نحن نعيش الآن في الداخل الفلسطيني تحت قانون طوارئ، مما يعني أن كل تحركاتنا وأفعالنا وأقوالنا وتحليلاتنا تحت المجهر، وهذه حالة تحدث في أيام حرب أو أزمات سياسية. ولذلك يتم منع نشر أي مقال لا يتناسب مع تلك الظروف. الصحافة بأنواعها المستقلة والحزبية والحكومية في الدول التي تحترم نفسها ومواطنيها وتفتخر بحرية الرأي، لا تسمح بعدم نشر مقال رأي، ذا كان تعبيراً عن موقف وليس مقالاً تجريحياً.
عملت في الصحافة الألمانية سنوات عديدة ولم يتعرض أي مقال لي للمنع من النشر. صديقي الإعلامي الراحل د. حسن دودين الذي درس الاعلام في ألمانيا وأصبح فيما بعد أحد أبرز الشخصيات الإعلامية في منظمة التحرير الفلسطينية كان موضع ثقة لدى الراحل ياسر عرفات وكثيرا ما كان يرافقه في زياراته الرسمية، أخبرني الراحل أنه خلال فترة عمله في الاعلام الألماني تم منع نشر مقال له في الصحيفة اليومية التي كان يعمل بها. فأبلغ دودين نقابة الصحفيين التي أقامت الدنيا ولم تقعدها على تصرف الصحيفة، واعتبرت تصرفها عملاً يندرج ضمن سياسة كم الأفواه. وبعدها تم الاعتذار لكاتب المقال وأعيد نشره.
صديق العمر الزميل رجا طلب أحد أشهر المحللين السياسيين في الأردن وأشهر كتاب المقال فيه، تعرض مقاله الأخير "الوطنية بين التسحيج والتشبيح" للمنع من النشر بأمر شخصي من رئيس تحرير الصحيفة اليومية التي يكتب فيها، علماً بأن المقال لا يتضمن أي مس بالدولة والنظام.
يتحدث الكاتب في مقاله عن التسحيج والتشبيح ويقول: " نكاد نحن الاردنيون ان نحتكر استخدام مصطلح التسحيج والذي يعني فيما يعنيه التصفيق بداعي او بدون داعي اما لسلطة ما او لصاحب النفوذ اي كان او لمن يمكنه تقديم الخدمة او تمرير المصلحة للسحيج والذي هو المواطن المنافق، اما التشبيح فهو مصطلح يكاد يحتكره الاشقاء في سوريا فهو أخطر بكثير من التسحيج."
فأين الخطأ في ذلك؟ ألسنا نحن قوم بيننا من تصل به المبالغة حد التأليه؟ ألسنا نحن قوم تكاثر النفاق
من يقرأ مقال الكاتب بتمعن يستنتج بشكل عام أمرين: أولهما، التركيز على المنافقين والمتملقين الذين وصفهم بـِ "السحيجة"، والأمر البثاني يركز الكاتب على التملق بالقوة وإجبار الاخرين على تقديم الولاء رغما عنهم. فهل هذا سبب لمنع المقال من النشر؟
الكاتب يرى أن "الفهم الوطني الواعي والعميق طغت عليه ظاهرة التسحيج وبات اعضاء ممن حزب التسحيج هم الذي يضعون المعايير الوطنية ويحتكرونها والتي تكون في شكلها العام الولاء المصلحي او الولاء للمصالح الشخصية اكثر منها الولاء للمصلحة العليا للوطن والمواطن."
فأين الخطأ في هذا الرأي؟ أليست هذه قمة الانتهازية لتي يجب مقاومتها؟ أليست هذه ظاهرة امن الآفات السلبية الموجودة في مجتمعنا؟ فلماذا يتم منع نشر مقال يتضمن معلومات عامة عن خطورة ظاهرة التسحيج والتشبيح وعن سلوكيات المنتين لها؟
المحلل السياسي رجا طلب يصل لقمة التحليل المنطقي بقوله:" ان مدرسة الانتهازية السياسية اظهرت الوطن على انه مجرد بستان لقطف المكاسب وان لم يكن كذلك فهو حالة معادية ولا يستحق الولاء والانتماء والعطاء." أيس ذلك صحيحاً؟ وما العيب في وضع النقاط على الحروف؟
لذلك، من المفترض بنقابة الصحفيين في عمّان التدخل في الأمر وفعل ما يلزم مهنياً لعدم تكرار ذلك.