تزداد في خضم هذه الأيام التكهنات على احتمال التوقيع على صفقة بين إسرائيل وحركة حماس، وتأتي هذه التصريحات من عدة أطراف دولية إقليمية ومحلية على ان قرب التوقيع على هذه الصفقة قد بات وشيكا للغاية ويمكن أن توقع خلال أيام معدودة.
وهناك اجماع بان الطرف الإسرائيلي يريد صفقة مرحلية تكشف فيها حركة حماس، عن أسماء وعدد الرهائن الاحياء والاموات منهم، وعندها تدفع اسرائيل بأقل ما يمكن من تحرير أسرى فلسطينيين، قابعين في السجون الإسرائيلية المكتظة والمليئة بهؤلاء الاسرى الذين اعتقلوا منذ السابع من أكتوبر، وقبل أكثر من ثلاثين عاما.
وإذا اخذنا بالحسبان أن إسرائيل ستدفع مقابل تحرير كل رهينة بايدي حماس خمسين اسيرا فلسطينيا، فعلى إسرائيل ان تطلق على الأقل سراح خمسة الاف اسير فلسطيني يملئون السجون الإسرائيلية، وهذا ما لا تريده إسرائيل، إضافة الى ذلك، فان حماس تريد أيضا الإعلان عن وقف الحرب والانسحاب الكامل من قطاع غزة، بالتزامن مع تحرير الاسرى والرهائن.
ويؤيد الجهاز العسكري هذا الانسحاب كونه يدفع ثمن هذه الحرب غاليا من حيث عدد القتلى المتزايد يوميا، في بيت لاهيا، جباليا وبيت حانون، اما الجهاز السياسي بقيادة نتنياهو وحلفائه المتطرفين، فانهم غير معنيين بوقف هذه الحرب، بل يريدون الاستمرار بها الى اجل غير مسمى، بحيث ان حلفائه يظنون ان استمرار هذه الحرب، سوف يأتي لهم بالنصر المبين والنهائي على حركة حماس.
وقد بات من الواضح ان نتنياهو مستمر في اللعب على الوقت، وهو معني بمساومة الإدارة الامريكية المقبلة بقيادة دونالد ترامب، على وقف الحرب، ويمكن القول انه غير معني بإعطاء أي إنجازات لإدارة بايدن الحالية، التي دعمته بالمال والسلاح بأكثر من 40 مليار دولار، خلال الخمسة عشر شهرا الأخيرة، بحيث أصبحت الولايات المتحدة شريكا فعليا في هذه الحرب، من حيث تزويد الأسلحة والقنابل لسلاح الجو الإسرائيلي، وتزويد إسرائيل بالمال والعتاد وحتى نصب الدفاعات الجوية الامريكية المضادة للصواريخ في وسط تل ابيب والبحر الأحمر ضد أي هجوم يمني مرتقب، ومع كل ذلك، فقد جاء أنطون بلنكين، الذي اثبت انه يؤيد إسرائيل ومصالحها القومية، اكثر بكثير من تأييده لقضايا الامن القومي الأميركي، انه اذا لم توقع هذه الصفقة في فترة إدارة بايدن، فسوف ننقل بنودها الى الإدارة المقبلة، أي إدارة ترامب، وكانه يعترف اعترافا مثبتا انه على الرغم من دعم بايدن الهائل والمطلق للإسرائيل، الا انه لا يستطيع التأثيير على نتنياهو بقيد أنمله باي قرار سواء كان صغيرا او كبيرا.
وإذا أردنا المضي قدما وقد تبقى اقل من عشرة أيام على لتولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة ودخوله الى البيت الأبيض، فقد بات من الصعب التنبؤ بان صفقة سوف تنجز وتوقع خلال الأيام العشرة المقبلة، أي حتى العشرين من هذا الشهر.
فأنظروا مثلا الى الدعم الهائل، الذي دعم به جو بايدن، نتنياهو، حيث وصل الى أسلحة ومبالغ خيالية تقدر بالمليارات، لكن نتنياهو، لا يفرط بإعطائه أي انجاز تكتكي صغير، يتمثل بالتوقيع على صفقة لهذه الإدارة الفاشلة، كإنجازات تكتيكية في الشرق الأوسط.
وقد قضى أنطون بلنكين وزير الخارجية الأمريكي، وجاك سليبان رئيس مجلس الامن القومي، ووليام بارينز رئيس ال CIA ولويد اوستين رئيس البنتاغون، خلال العامين الماضيين في معالجة ملف الشرق الأوسط، خاصة ملف السابع من أكتوبر من وجهة النظر والمصالح الاسرائيلية، ولم ينجزوا أي انجاز على صعيد تحقيق الأهداف الامريكية الإسرائيلية، حيث كان هذا الطاقم طاقما فاشلا بامتياز قضى جل وقته بالسفر الى إسرائيل، القاهرة والدوحة، عشرات المرات بدون تحقيق أي نتائج تذكر، وتركوا كافة القضايا الدولية وقضايا الامن القومي العالقة التي تواجه الولايات المتحدة جانبا، كأوكرانيا، الصين وروسيا، وفي نفس الوقت الذي كان فيه جو بايدن غائبا عن الوعي في إدارة العلاقات الدولية وفشله في مناظرته الشهيرة مع دونالد ترامب، التي أدت لخسارته لرئاسة الحزب الديموقراطي في انتخابات 2024 ، وانتخاب كاميلا هاريس بدلا منه وخسارتها لاحقا الرئاسة الامريكية لمصلحة ترامب.
وهناك اليوم اجماع على ان هذه الإدارة الحالية، قد استسلمت نهائيا وبات واضحا انها كانت غير قادرة على الإدارة كافة الملفات السياسية الخارجية الامريكية، ويعلق الكثيرون، من بينهم نتنياهو، على ان ترامب سيكون أفضل بكثير لمصلحة إسرائيل في الظروف المقبلة، حيث بدأ ترامب بتهديد حماس وتهديد الوسطاء، بان عليهم الاستسلام الكامل لإسرائيل، لكنه من الصعب ان يتم ذلك لان ترامب سوف يواجه مشاكل دولية مقلقة وضخمة على صعيد السياسية الامريكية.
هذا وسيواجه ترامب حقبة جديدة من العلاقات الدولية المعقدة والخطيرة بحيث اعلن ان المواجه مع جارته دولة كندا، التي يطالب ان يكون رئيس وزرائها حاكما من قبل واشنطن، كما يريد ضم قناة بنما، كقناة حيوية للولايات المتحدة، ويريد أيضا السيطرة على جرين لاند في القطب الشمالي التابعة للدنمارك، كما يريد تغيير اسم خليج المكسيك الى خليج الولايات المتحدة، واضافة الى ذلك، سوف يفرض الجمارك العالية على العديد من الدول الصديقة، خاصة المكسيك، كندا والدول الأوروبية، وسوف يقوم بسياسية الاستيلاء والسيطرة والعربدة، تماما كما كان العالم في القرن الخامس عشر، عندما سادت الفوضى في السياسية الدولية في أوروبا آنذاك ومن المؤكد ان روسيا والصين، سوف تقومان بمواجهته ومحاولة منعه من السيطرة الإقليمية على مناطق عديدة.
ولا نعرف بالضبط كيف ستتبلور سياسته تجاه العالم العربي ودول الشرق الأوسط، لكن من المؤكد انه سيستعمل إسرائيل بهذا الخصوص، الامر الذي سيؤدي الى مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي، والمواجهة والاحتكاك على الساحة الدولية والضغط والتهديد بالقوة كأحد الوسائل للامتثال للسياسية الامريكية الجديدة ابان عهد ترامب القادم.