كلمات كان يجب أن تُقال من قبل مدير قسم في مستشفى بإسرائيل، لكنها لم تُقال:
أقف هنا اليوم، ليس فقط كطبيب، بل أيضاً كإنسان يؤمن بقدسية الحياة وبقيم الطب—قيم عالمية تتجاوز الحدود والأديان والقوميات. دوري كطبيب هو إنقاذ الأرواح، تقليل الألم، وتقديم الأمل—حتى في أصعب اللحظات، حتى عندما يبدو أن كل شيء قد ضاع.
من هذا المنطلق، لا يمكنني أن ألتزم الصمت أكثر تجاه التقارير المروعة القادمة من قطاع غزة، ومن مستشفى كمال عدوان. لا يمكنني السكوت أمام مشهد مستشفى يحترق، القتل الجماعي، إصابة المرضى والطواقم الطبية، وتدمير البنية التحتية التي تهدف إلى حماية الأرواح. لا يمكنني السكوت أمام سماع مدير مستشفى تحت الحصار، الدكتور حسام أبو صفية، يستغيث طلباً للمساعدة، ويختار بشجاعة البقاء حتى آخر مرضاه، مع علمه بأن هذا القرار يعرض حياته للخطر. لا أستطيع أن أصمت أمام مشهد أطباء يفقدون أفراد أسرهم، وطبيب يدفن ابنه بالقرب من المستشفى، ليبقى قريباً منه.
عندما أسمع عن أطباء في غزة، مثل الدكتور أبو صفية، الذي كان مستعداً للتضحية بحياته للبقاء إلى جانب مرضاه والحفاظ على حياتهم، وصورته التي ظهر فيها يتجه نحو الدبابة مرتدياً معطفه الأبيض أصبحت رمزاً—أرى فيه نفس الرسالة التي تحركني كطبيب، الالتزام بالنضال للحفاظ على الحياة. ذلك الالتزام الذي يبقينا، نحن الأطباء، واقفين على أقدامنا خلال نوبات العمل الطويلة.
لا يمكنني بعد الآن تجاهل ألم المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب، بما في ذلك الدكتور عدنان البرش، جراح العظام الموهوب، الذي تم القبض عليه واحتجازه في “سجن صحراء النقب” سيئ السمعة، ثم نُقل إلى سجن عوفر، حيث توفي تحت التعذيب. إسرائيل ما زالت تحتفظ بجثمانه حتى اليوم. لا يمكنني تجاهل الألم الذي تعاني منه عشرات الآلاف من العائلات التي فقدت حياتها كما عرفتها، منازلها، وأحباءها—أطفال، نساء، ورجال قُتلوا في أماكن كان من المفترض أن تكون آمنة.
المستشفى هو رمز للأمل والإنسانية حتى في خضم الحرب. قصف مستشفى ليس مجرد هجوم مادي—إنه هجوم على فكرة قدسية الحياة نفسها. قصف مستشفى ومحاولة تجريمه هو هجوم على قيم الطب بشكل عام، على الأخلاق الأساسية، وعلى الحق العالمي لكل إنسان في الحصول على الرعاية الطبية.
المستشفى هو حصن للشفاء، وليس هدفاً عسكرياً. حتى لو وُجدت فيه أسلحة محدودة، فإن الكمية أقل بكثير مما يمكن العثور عليه في أي مبنى داخل مستشفيات إيخيلوف، هداسا، أو شيبا—خاصة بعد الحملة الأخيرة لتوزيع الأسلحة على المدنيين. هذا لا يبرر تدميرها وحرقها حتى الرماد، سواء في تل أبيب، أو القدس، أو في مستشفى الشفاء بغزة، أو المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا.
هذا الأسبوع، وسط الصور والتقارير، سألت نفسي: أي تاريخ نحن نبني؟ أي إرث نترك لأطفالنا؟ هل هو إرث من الدمار واليأس، أم إرث من الرحمة والإنسانية؟
صحيح أن الحرب تفرض تحديات أخلاقية معقدة. لكننا نُختبر في هذه الأوقات الصعبة. هل سنتمكن من التمسك بقيمنا الأساسية حتى عندما تهتز الحقيقة أمامنا؟ هل سنعرف كيف نميز بين القتال ضد جيش والاعتداء على مدنيين أبرياء؟
حتى الآن، بعد مقتل أكثر من ألف فرد من الطواقم الطبية، أطباء، ممرضين، ومسعفين، وتدمير عشرات المستشفيات والمراكز الطبية، بعضها استُهدف أكثر من مرة—لم نسمع بعد كلمات بهذا المعنى، ومن الصعب حتى تخيل أن نسمعها من طبيب إسرائيلي رفيع المستوى.
حتى هذا الأسبوع، بعد الهجوم على مستشفى كمال عدوان، آخر مستشفى كان يقدم خدمات طبية شمال قطاع غزة، وبعد ترك الآلاف لمصيرهم—لا يبدو أن هناك “صالحين في سدوم”. الرحمة والالتزام بحماية المرضى والقسم الطبي بعدم التسبب بضرر تتوقف عند الحدود، مع تمييز واضح على أساس الدين، والقومية، والعرق. لقد حان الوقت لكسر هذا الصمت.
لأنني لا أتوقع شيئاً من صناع القرار، أتوجه إلى زملائي الأطباء، الطبيبات، الممرضين والممرضات—قفوا بجانب أسِرَّة المرضى، اجلسوا للحظة في غرف العمليات، انظروا في عيون الجرحى والمرضى، تخيلوا للحظة كيف كنتم ستتصرفون لو حدث كل هذا هنا، عندنا.
ماذا لو أُوقف زميل لنا؟ عُذّب أو اختفى لعدة أسابيع؟ ماذا لو اضطررنا إلى الاختيار بين من نعالجه ومن نتركه بسبب نقص الموارد، الطواقم الطبية، أو الأجهزة؟ تخيلوا كيف كنا نريد أن يتفاعل العالم مع هذا الوضع. ماذا يجب أن يحدث أكثر حتى نرفض التعاون مع هذه الفظائع، ولا نقف مكتوفي الأيدي؟
لدينا واجب أخلاقي لحماية أرواح الأبرياء—واجب مهني، شخصي، وإنساني—ليس فقط للحفاظ على إنسانية أولئك الموجودين خلف السياج، ولكن أيضاً للحفاظ على إنسانيتنا نحن أنفسنا.
عند الاختيار بين الإنسان والدبابة، ماذا ستختارون؟ أنا أختار الإنسان، الحياة.
التوقيع، د. إسرائيل إسرائيلي، مدير قسم في مستشفى بإسرائيل.