على الرغم من استمرارنا في كتابة المقالات والأبحاث عن خطر العنف الذي يواجه مجتمعنا ويجعلنا نشعر باننا بالحضيض, حيث لا نستطيع مواجهة الملمات والمجازر التي تصيب مجتمعنا بشكل يومي, فمنذ بداية العام قتل اكثر من 230 انسانا عربيا من أبناء مجتمعنا أيضا في ظل حرب دموية تقتل الغالي والرخيص من أبناء شعبنا الفلسطيني بحيث بدت حياة الانسان العربي لا تساوي الكثير، اما إسرائيل فأنها مستمرة في رفع ثمن الانسان اليهودي في هذه الدولة وانها مستمرة في الانتقام مما حدث في السابع من أكتوبر، حيث ان نتنياهو يريد ان يكبد الشعب الفلسطيني مئات الاضعاف مما حدث في هذه الحرب اللئيمة.
مهما يكن ففي هذا المقال سوف أركز على تصاعد العنف في المجتمع العربي ودور الحكومة الحالية في تأجيجه، ولكن قبل ذلك سوف اعالج الضعف البنيوي لقياداتنا المحلية في مواجهة العنف، حيث ان
رئاسة اللجنة القطرية والمتابعة الأحزاب والنواب العرب والمنتخبين الاخرين، لم يفقهوا انه يتوجب عليهم العمل على إيجاد خطة وصيغة بنيوية وجذرية وجوهرية لمواجهة العنف في المجتمع العربي، ويتتابع في خضم هذا العام العنف في مجتمعنا ليصل إلى عشرات القتلى شهريا في الجليل المثلث والنقب، وما حدث في ليلة السادس عشر من نوفمبر يعتبر اسوأ ما يمكن ان يتخيله المرء حيث قتل بدم بارد تسعة من الشباب العرب من كافة المناطق في ليلة واحدة.
وتأتي اللجنة القطرية اليوم السادس عشر من ديسمبر 2024 لتعقد مؤتمرها السنوي في قصر السلام في باقة الغربية تحت رعاية البلدية لتبحث وتحقق امام الملأ والراي العام عن افة العنف المستشرية في الوسط العربي، لكن من المؤكد ان مؤتمرها هذا لا يعطي الحلول لمسألة العنف في الوسط العربي، بحيث انها تستنجد بالأشخاص غير المناسبين لمعالجة هذه المسألة الصعبة والمصيرية التي تواجه مجتمعنا.
حيث ان مسألة العنف هي سياسية ونهج تنزل على المجتمع العربي لإضعافه وتحطيم اجنحته، ويعتبر دخيلا على مجتمعنا، لكن الحكومة الحالية والسابقة تعمل على تأجيج العنف في هذا المجتمع وهي آفة حديثة في هذا المجتمع وليست كما يقول الكثيرون بان العنف هو من طبيعة مجتمعنا بحيث أوقعت الكثير من الضحايا في دولة تدعي حكم تطبيق القانون والمؤسسات.
لقد حاولت الشرطة والحكومة السابقة تسويق الخطة 9226 لدعم المجتمع العربي، لكن ما يقف من وراء هذه الخطة كان بالأساس ضخ الأموال لوزارة الأمن الداخلي وإعادة هيكلة عمل الشرطة في الوسط العربي والتي تمثلت بتجنيد المخبرين ورجال شرطة عرب إلى صفوفها، لكن هذه الخطة فشلت فشلا ذريعا, اما اليوم فقد بات من المؤكد ان هذه الأموال التي رصدت لوزارة الامن الداخلي، اخذ يستعملها وزير الامن القومي أتمار بن غفير، لإعادة بناء الشرطة وهيكليتها كي يفرض سيطرته عليها بالكامل ويعين مؤيديه ومناصريه بهدف إضفاء سياسة محكمة لوزارة الشرطة يفرض في نهاية الامر الفوضى العارمة في الوسط العربي والتي أدت حتى الان الى ازدياد غير مسبوق في عدد الجرائم في المجتمع العربي ليصل في نهاية العام الى اكثر من 250 ضحية.
وقد بات من الواضح ان هناك أيضا أيدي خفية تعمل في هذه الوزارة على تأجيج العنف في مجتمعنا العربي من اجل إضعافه وتقويض أركانه كي يكون مجتمعا خنوعا لا يطالب بأبسط حقوقه ويعيش مجتمعا ضعيفا ومستهلكا على هامش المجتمع الإسرائيل.
ويبدو جليا في هذه الايام ان للشرطة دور كبير في عدم مواجهة العنف تماما كما واجهته في المجتمع اليهودي، فالأموال الضخمة التي ضخت لميزانيتها كان يمكن لها أن تواجه هذه المشكلة وتضع الحلول المناسبة لها، لكنها تتقاعس في ذلك وتسمح للمجرمين وعصابات الإجرام أن تعيث فسادا في مجتمعنا.
كما يتواطأ الإعلام العبري مع الشرطة ولا يشكل قوة ضاغطة وحقيقية لحل هذه المشكلة حيث إن الحكومة بقيادة نتنياهو والإعلام الإسرائيلي ينظرون إلى المواطنين العرب على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ولا يهمون الكثير بقيد أنملة المجتمع الإسرائيلي.
أما رؤساء المجالس المحلية العربية والبلدية، لجنتي المتابعة والقطرية ومؤسساتهما المشلولة فقد بات من الواضح أنهم لا يعملون بشكل منهجي وعلمي لمواجهة العنف وتشخيص المشكلة وطرح الحلول والاستعانة بخبراء وباحثين من هذا المجتمع وعلى نقيض ذلك فان رئيس اللجنة القطرية يقيم مؤتمرا قطريا كبيرا لا نعرف من اين ميزانياته الضخمة في باقة الغربية يدعون فيه حاييم بيبر رئيس مركز السلطات المحلية ليكون رئيس شرف لهذا المؤتمر ووزير الداخلية اربين وسيجال وبيتش من حركة يش عتيد الذي شغل منصب مكافحة العنف في الوسط العربي في الانتخابات السابقة ليتحدثوا عما يجري من عنف في المجتمع العربي، بحيث ان كل هؤلاء هم يمكن ان يكون لهم دور في مكافحة العنف ولكنهم في طبيعة الحال لا يفعلون شيئا فوزير الداخلية يمكنه ان يلعب دورا في الحكومة من اجل اقناعها لمكافحة العنف، لكنه في طبيعة الحال لا يفعل أي شيء يذكر في المجال.
وبدلا ان يدعو مازن غنايم ومنصور عباس المختصين والباحثين العرب كي يدرسوا القضية ويعطوا الحلول، فانهم يدعون الاكاديميين اليهود من الجامعات الإسرائيلية الذين يدلون بالتحليلات السيسيولوجيا في المجتمع العربي وكأننا نعيش في عالم اخر، إضافة الى دعوة الصحفية اورلي ازولاي، التي كانت تصطحب جنود الجولاني في داخل جنوب البنان وتغطي بشكل مفرح اخبار الدمار الواسع الناطق في قريتي مركبة والخيام فقط قبل يومين.
اما المنظمون وبقيادة لجنة الطوارئ البعيدة كل البعد عن الطوارئ في المجتمع العربي فهم المسؤولين عن دعوتها ودعوة الصحفيين العرب المتعاونين مع هؤلاء في كطاغية الاجرام والعنف في الوسط العربي، ولكنهم يغطون العنف ولا يغطون الحلول وبدلا ان تقيم اللجنة القطرية مؤتمرا فاشلا كهذا يعتمد بالأساس على تأثير العنف على الجوانب الاقتصادية للمجتمع العربي وهذا واضح للعيان من المدعوين من الجامعات الإسرائيلية والاثمان الاقتصادية العالية التي تؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي، فكان من الواجب عليه ان يبحث بعمق عن الاثمان الإنسانية التي تواجه الانسان العربي في هذه البلاد والمصائب المتتالية التي تصيب يوميا عائلاتنا وابناء مجتمعنا وعدم التركيز على الجوانب الاقتصادية وتأثيره على المجتمع الإسرائيلي في ظل الحرب.
كما يمكنه أيضا ان يعمل على ارسال بعثات من النواب العرب الذين يقضون اوقاتهم في الكنيست للقيام بتحرك دولي لشرح ممارسات إسرائيل في قضايا المجتمع العربي المتعلقة بالعنف، حيث يمكن ارسالهم الى الاتحاد الأوروبي في بروكسل ودول أوروبية أخرى وحتى الولايات المتحدة كما يمكنهم كتابة مقالات في صحف اجنبية عالمية عما يحدث في مجتمعنا العربي في إسرائيل، وما يحدث في مجتمعنا هو امر تدميري بحيث يقتل الأشخاص بدون ذنب ولا يوجد هناك أي قصاص لدولة تدعي الديمقراطية وسيادة القانون ويبدو الامر جليا أيضا خاصة خلال هذه الحرب الغاشمة على البنان وغزة.
لقد كانت التوقعات كبيرة بأن تقوم حركة عربية في هذه البلاد تتكون من الطبقة الوسطى تفرض برنامجا إداريا وسياسيا يعتمد بالأساس على النهوض في البلدات العربية، لكن هذا الجيل الشاب المتعلم، لم يقم بواجبه تجاه مجتمعه وتجاه التغيير والحداثة، حيث إن الصراعات القبلية والعائلية، ستستمر إلى ردح كبير من الزمن الأمر الذي يزيد من العنف.
كما أن النساء لا يأخذن دورهن الصحيح في الكعكة السياسة في البلدات والمدن العربية، فهنالك نساء تستعمل للزينة السياسية، لكن حركة نسائية سياسية حقيقية هادفة وقوية لم نسمع عنها بعد إلا في بعض الأماكن. وإضافة إلى ذلك فان نمط التفكير في العديد من قياديي القرى والمدن العربية، هو نمط تقليدي غير تحديثي.
فكافة رؤساء المجالس المحلية والبلدية يفكرون في توزيع الميزانيات والوظائف على الأشخاص المقربين، ولا يوجد هناك تفكير حقيقي بجلب ميزانيات ضخمة تصرف على البنية التحتية، البيئة، الثقافة، المواصلات لكي ترفع من مكانة ومستوى الحياة للإنسان العربي وتبعد شبح العنف عن هذا المجتمع.
ويسود اليوم عالم الاقتصاد فكر اقتصادي وسياسي مغاير لفكرهم التقليدي، حيث إن الخصخصة هي العامل المركزي في التحديث فبدلا من أن تصرف الميزانيات على المشاريع وتحفيز الاقتصاد والمبادرات الفردية في القرى والمدن العربية، نراهم يصرفون هذه الأموال على توظيف المقربين للرؤساء، الامر الذي يخلد الوضع الراهن السيء ويحد من عملية التطور التاريخي الذي يجب ان يكون من نصيب المواطنين، بل يساعد على تصعيد العنف وزعزعت أركان مجتمعنا العربي وعدم النهوض به إلى الأمام.