هناك اجماع واسع النطاق على ان الساحة السياسية العربية في إسرائيل تزداد سوءا وتدهورا, فمن المؤكد ان كافة الأحزاب والحركات السياسية العربية لا تتعاون مع بعضها البعض من اجل إيجاد صيغة سياسية في مواجهة التطرف والسياسية العنصرية في إسرائيل, وخلال الخمسة عشر شهرا الأخيرة فعلت إسرائيل في قطاع غزة وفي لبنان ما لم يفعله الحلفاء في دول المحور اثناء الحرب العالمية الثانية, حيث قامت إسرائيل بالقضاء على كافة مكونات الحياة المدنية والبنيوية والسكانية الاجتماعية والاقتصادية لقطاع غزة إضافة الى المنطقة الحدودية المحاذية معها في شمال البلاد , كما قامت بعملية مسح تدميري شمالي بيروت ومناطق أخرى في لبنان
ولأول مرة بدأت تضرب مناطق محتلة تحت سيادتها في الضفة الغربية كجنين وطولكرم بالصواريخ والطائرات الحربية النفاثة, حيث ان السيادة الإسرائيلية الحالية المتطرفة بقيادة نتنياهو، بن غفير واخرين، تستغل الواقع الحالي من هذه الحرب التدميرية كي تفرض سياستها وتفريقها العنصري ضد المواطنين العرب في البلاد اثناء هذه الظروف الكارثية, فلا تهتم براي العام الداخلي بحيث لا يوجد رأي عام لهذا نظرا للأجماع الصهيوني في شن مزيد من الضربات ضد العرب ولعدم فاعلية الراي العام الدولي بحيث تلعب الولايات المتحدة دورا مؤيدا وداعما لها , وعلى الرغم من ذلك فكل ما حدث ويحدث لم يؤد الى مزيد من الحوار والتعاون المشترك بين كافة الأحزاب والحركات العربية السياسية المختلفة، كالجبهة، الموحدة، التجمع القطرية والمتابعة حيث ان هذه الأحزاب لم تغير البتة في نهجها السياسي طوال تلك الحرب الطويلة والظالمة ولم تقم بأجراء أي حوار سياسي بين بعضها البعض, خاصة في ظل القوانين العنصرية الجائرة التي تفرض ليلا نهارا ضد المواطنين العرب، حيث لا تخاف إسرائيل من سنها على رغم العزلة التي تواجهها وقرارات محكمة الجنايات الدولية ضد قاضتها بالاعتقال الدولي.
فقد بات من المؤكد ان مجتمعنا العربي الفلسطيني في البلاد هو مجتمع تقليدي من حيث الممارسات السياسية لا يتعلم العبر ولا يستخلص الدروس واذا حصلت الجبهة والموحدة على خمسة مقاعد مثلا في المرة السابقة لكل منهما والتجمع على صفر مقاعد، فيمكن ان تعيد الكرة نفسها في المرة المقبلة حيث اننا لا نتعلم الدروس الخصوصية والعبر ولا نستنتج النتائج مما يحدث من حولنا إقليميا ودوليا, انظروا مثلا الى الحوار الصامت بين احمد الطيبي والجبهة على المقاعد , وهل سيحدث شيء ما في الانتخابات المقبلة التي يمكن ان تعقد خلال عام ونصف او اقل.
بحيث انه إذا استمر هذه الحوار غير البناء فيمكن ان ينتخب احمد الطيبي لأربع سنوات إضافية وبذلك يكمل ثلاثين عاما من التواجد في الكنسيت الإسرائيلي أي حتى عام 2030 , وكذلك الامر بكل ما يتعلق بالنائب منصور عباس الذي مازال مستمرا بتسويق سياسة تؤمن انه يستطيع العمل فقط في حالة انه أصبح جزءا من الائتلاف الحكومي الصهيوني اذا كان ذلك ائتلافا يمينيا او قريبا من المركز وكان في الماضي يتفاوض مع نتنياهو، لكننا لا نعرف وجهته في هذه المرحلة، خاصة بعد استعارة الحرب على الفلسطينيين وتكبيدهم افدح الخسائر البشرية اذا كان ذلك بعشرات الالاف في غزة والالاف في الضفة ولبنان .
اما التجمع وحيث تسود سياسته غائمة مبهمة ومن الصعب ان يعرف الكثيرون وجهته على الرغم من انه حظي بتأييد كبير في الانتخابات الماضية, وحصل على أكثر من 130 الف صوت في انتخابات الكنيست الاخيرة أي اقل بقليل من الأصوات التي تؤهله للحصول على خمسة مقاعد كالأخرين واذا حدث ذلك فقد يصل مجموع المقاعد العربية الى خمسة عشر نائبا في هذا الكنيست او الكنيست المقبلة ، ويمكن القول ان التجمع يحتاج الى مرونة قصوى، قد يلعبها سامي أبو شحادة، الامر الذي يمكنه وبدعم من حزبه ان يدفع بالجبهة والموحدة لأعاده بناء المشتركة مرة اخرى ,كون هذين الحزبين الجبهة والموحدة اثبتا ضعفهما في العمل السياسي خلال السنوات العشر الأخيرة.
ويمكن القول في هذه الأيام ان ممارسات إسرائيل العنصرية بدت واضحة للعيان فبن غفير يقوم بتسليح المجتمع الإسرائيلي تسليحا واسع النطاق ضد المجتمع العربي, كما انه لا يفعل قيد أنمله كوزير للأمن القومي في حل مشاكل العنف المستشرية في الوسط العربي, واكبر مثال على ذلك الفضيحة الأخيرة التي اعتقل من خلالها كبار الضباط في اليمام ورئيس سلطة السجون يعكوبي وضابط وحدة المخابرات في الضفة الغربية افيشاي معلم , بحيث انهما كانا على علاقة مباشرة مع الوزير ويعلمانه أولا بأول عما يحدث في عملهما في اطار الاعتقالات حيث يأمرهما بإطلاق سراح الجميع من المستوطنين، الامر الذي يتماشى مع اهوائه السياسية.
كما ان هذه الحكومة الحالية تستغل عدم الاستقرار السياسي في البلاد وتقوم بتوزيع الأراضي على السكان اليهود بأسعار زهيدة، ولا تفعل نفس الشيء مع المواطنين العرب، بل انها توقفت بشكل شبه تام على توزيع الأراضي على أبناء المجتمع العربي، إضافة الى السياسة المجحفة والصارخة بكل ما يتعلق بتوزيع الميزانيات للمجالس العربية المحلية وتقليصها بأقصى الحدود كي تشمل بالأساس المجتمع العربي بحيث بدا واضحا ان العرب في هذه البلاد يعيشون في خضم هذه الأيام في أصعب اوقاتهم.
وفي ظل تزايد وتعاظم المظاهر السياسات العنصرية الممنهجة في هذه الدولة التي تستهدف وبشكل واضح وقاطع المجتمع العربي في هذه البلاد, فقد بات من الواجب العمل الحثيث كي تعمل الأطر الشعبية السياسية الاجتماعية والبلدية على حراك جماعي يهدف الى وضع برنامج واضح المعالم لمواجهة السياسة والتحريض العنصري ضد الأقلية القومية لعرب هذه البلاد, علينا أيضا التعاون البناء بين كافة هذه الأطر السياسية لتشخيص الحالة والواقع السياسي التي تنتهجه هذه الحكومة وبعنصرية فائقة ضد مجتمعنا العربي, فلا يكفي اقامة جمعيات ومؤسسات صغيرة وفئوية هنا وهناك، على شاكلة تلك التي أقيمت في الماضي، بل علينا العمل الدؤوب في توحيد صفوفنا وتشخيص السياسة العنصرية ووضع برنامج شامل لمكافحتها اذا كان ذلك محليا إقليميا ودوليا, على ان يعتمد هذا البرنامج على عمل مؤسساتي وبعدة لغات ومن قبل أناس خبراء ومختصين في المجتمع العربي, والاهم من كل ذلك هو دعم كافة المؤسسات الشعبية والسياسة والبلدية بهذا المشروع, الذي يمكن القول بانه مصيري لمجتمعنا في هذه البلاد.