على الرغم من الحرب الدائرة المستمرة وغير المتوقفة في إسرائيل على كافة الجبهات الخارجية مع لبنان وقطاع غزة وجبهات أخرى، فإن ساحتها الداخلية تشهد هزات أرضية خطيرة بكل ما يتعلق بالعلاقة بين الجهاز السياسي المتمثل في رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وكافة الاذرع الأمنية في الدولة والمتمثلة في الجيش وقادة الموساد والشاباك والمخابرات العسكرية.
واكبر مثال على ذلك ما قام به الشاباك قبل أكثر من شهر عندما اعتقل أيلي فلدشتاين من المستشارين المقربين لبنيامين نتنياهو وفي دوائره المغلقة في مكتب رئيس الحكومة، حيث اتهم انه تمكن بمساعدة من احد أصدقائه في المخابرات العسكرية، من إقناعه بالتسريب وثيقة امنية كان يحتفظ بها الجيش والشاباك وتقول بان حماس يحاول أن يهرب المحتجزين الإسرائيليين إلى خارج قطاع غزة، حيث استطاع الحصول على هذه الوثيقة وبشكل غير قانوني، ونشرها في صحيفة Bild الألمانية، بدون ان يتم عبر الرقابة العسكرية، وقد استطاع الشاباك في نهاية الامر ان يتقصى على كيفية الحصول على هذه الوثيقة واعتقال فلدشتاين من مكتب رئيس الحكومة وآخرين ممن مازالوا يقبعون في السجن، إلى أن أمر القاضي العربي علاء مصاروة بإطلاق سراحه قبل أربعة أيام.
وقد بيّنت هذه القضية الخلافات الجوهرية وعدم الثقة بين الجهاز الأمني الذي يحتفظ بالمعلومات، ولا يدليها بسهولة للجهاز السياسي المتمثل بمكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وكانت هذه العلامات الأولى التي أبرزت مثل هذه الخلافات، حيث هاجم مكتب رئيس الحكومة وبشدة جميع الاضلع الأمنية والعسكرية في إسرائيل، وبدت الاتهامات واضحة للعيان بكل ما يتعلق بمن هو المسؤول عن إخفاقات ومجريات 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أما الضربة الأولى التي نفذها وامام الملأ نتنياهو، فكانت إعطاء الأوامر لقائد الأركان بان يستقبل خلال مدة اقل من شهرين، وقد اخذ الجنرال هرتسي أليفي على مسؤوليته ما يجري في إسرائيل في هذه الحرب، وقال إنه سيستقيل بمدة اقل من شهرين، تماما كما حدث مع رئيس المخابرات العسكرية هارون حليبا الذي كان نائمًا في ايلات في السابع من أكتوبر، ولم يردّ على الهواتف حتى الساعة الثانية عشرة ظهرًا، أي بعد ست ساعات من هجوم حماس على غلاف غزة.
وينتظر العديد من المراقبين ما سيفعله نتنياهو لرئيس الشاباك ورئيس الموساد في الفترة القريبة بحيث انه كان قد اوعز لمستشاريه أنه معني بتغيير العديد من المسؤولين العسكريين في الشاباك والموساد قريبا.
أما إعلاميا فقد بدا واضحا ان غالبية الاعلام الإسرائيلي المُبرمج، منقسم على نفسه فهنالك من يؤيد الجهاز العسكري وهنالك من يؤيد الجهاز السياسي بقيادة نتنياهو. وعلى صعيد تنفيذ الصفقة مع حماس فقد لعب الاعلام الإسرائيلي دورًا مزدوجًا، حيث أيد في البدء نتنياهو وخططه بكل ما يتعلق باستمرار الحرب في قطاع غزة، بدون الاخذ بعين الاعتبار قضية الرهائن والمحتجزين الإسرائيليين، لكن هذا الاعلام بدأ يغير موقفه تدريجيا ويغطي الأفكار التي نادى بها الجهاز العسكري، من اجل التوقيع على صفقة مع حماس، حيث كان يدعى في الآونة الأخيرة العديدة من الجنرالات المتقاعدين الذين ينادون بالتوقيع على الصفقة، لكنهم في نفس الوقت يؤيدون تنفيذ خطة الجنرالات التي خطط لها الجنرال غيورا ألانت والتي تنادي باختصار إلى تطهير عرقي في شمال غزة، وعلى الرغم من الخلافات بين الجهازين العسكري والسياسي، الا ان الجهاز العسكري ينفذ خطة الجنرالات بحذافيرها.
وفي أمر لافت في هذا الشأن انتقد رئيس الشاباك السابق اليميني والمتدين يورام كوهين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو جهرًا في الاعلام الإسرائيلي، قائلًا إن نتنياهو كرس حكومة ابان رئاسته لشاباك امره بالتنصت على اثنين من القادة الأمنيين لإسرائيل، لكنه رفض هذا الامر وبشكل قاطع، اما نتنياهو فقد أجاب بانه كان على الشاباك، أن يراقب هؤلاء نظرا لخطورة الشأن الأمني التي كانت تعالجه الحكومة في تلك الفترة، وهذا مثال آخر على الخلافات بين الجهاز السياسي والامني في إسرائيل.
عندما درست العلوم السياسة في الجامعة العبرية في الثمانينات، حيث كانت الدروس الأولى في العلوم السياسة إضافة إلى الفكر السياسي المؤسسات السياسية، والعلاقات الدولية التوتر بين الجهازين العسكري والسياسي في إسرائيل وقد كرس له قسم العلوم السياسية كمية كبيرة من الدروس للطلاب الإسرائيليين للتعرف على هذا المجال، وما نراه اليوم في هذه الحرب هو أكبر مثال على هذا التوتر الكبير الذي يحدث يوميًا خلال هذه الحرب، وأود أن أذكّر أيضًا بالهجوم الكاسح على الناطق العسكري بلسان الجيش هجاري، الذي سُئل عن رأيه فيما يتعلّق بتسريب الوثائق من الجيش الى الجهاز العسكري وقد هاجم ذلك وبشدة امام الملاء من قبل رئيس الحكومة وكافة وزرائه، الامر الذي يعتبر أيضًا، هجومًا كاسحًا على كافة الأجهزة الامنية والعسكرية في إسرائيل، ويخطط نتنياهو قريبًا إذا استطاع البقاء في منصبه في المدة القريبة، ان يغير كل رؤساء الأجهزة الأمنية، كي تكون سيطرته محكمة على النظام العسكري، واكبر مثال على ذلك ما فعله حتى الآن مع يؤاف غالنت الذي أقاله باتصال هاتفي إلى وزارة الدفاع، ولا يهمه الكثير ما إذا كان دانييل هغاري الناطق العسكري باسم الجيش، الذي يمثل كلّ ما يفعله الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة من قذف، قتل وتجويع خلال أكثر من عشرة آلاف شهر، بحيث أنه يمكن أن يمثّل سرًّا أمام محكمة الجنايات الدولية ويحاكم بتهمة جرائم الحرب هو وآخرون، ولكن هذا الامر لا يهم كثيرا نتنياهو الذي وُجّهت ضده قبل شهر قرارات بالاعتقال من محكمة الجنايات الدولية.