منذ توليه لمنصب وزارة الأمن القومي، يدعو الوزير بن غفير المواطنين إلى التسلح، طبعًا المواطنين اليهود فقط، ومنذ توليه لمنصب وزارة الأمن القومي، وهو يكرر مقولة أن أحداث حامي الأسوار 2 تقترب، وجاءت أحداث السابع من أكتوبر، لتجعله مواقفه هذه تبدو مشروعة ومدعومة بشكل كبير من الشارع الإسرائيلي، وطبعًا اول من يتضرر من كل هذا، يكون المجتمع العربي داخل إسرائيل.

موجة اعتقالات على كل كلمة أو تفاعل في مواقع التواصل، صفحات وحسابات مخصصة للتشهير بالطلاب العرب ووصفهم بالإرهابيين، طرد من أماكن العمل ومن الجامعات، لجان طاعة وحتى اعتداءات في الشارع آخرها كان على سيدة عربية حامل في مستشفى بنتانيا، فقط لأنها تحدثت بالعربية.

ولكن في نتانيا بالذات، حصل مع هو اخطر من كل ما ذكر، حينما وجد مجموعة من طلاب كلية نتانيا الذين يسكون في مساكن الطلبة، وجدوا أنفسهم محاصرين داخل المساكن بالآلاف من سكان نتنياهو، الذين يهتفون الموت للعرب ويطالبون بخروج الطلاب بشكل فوري، حصل هذا مساء السبت ، 28.10 ، وبعد ذلك، تبين أن رئيسة البلدية اتفقت مع إدارة الكلية وإدارة مساكن الطلبة، ولإرضاء الشارع على ما يبدو، بإفراغ المساكن من الطلاب، وتخصيصها لسكان غلاف غزة، وحديث عن بدء استخدامها لأمور أخرى بعد ذلك، أي عدم إعادة الطلاب إليها.
"المشكلة أن كل القصة بدأت من كذبة، لم يكن هناك رمي بيضة على أحد، ببساطة هنالك بعض الفتية الذين يتم ارسالهم منذ فترة لاستفزاز الطلاب العرب، قاموا بهذا الأمر كله" يقول محمود وهو طالب من الشمال ويسكن في مساكن الطلبة "فوجئنا يوم السبت صباحًا بقطع المياه عنا بعدما اغلقوا قاطع المياه، وبصراخ وشعارات الموت للعرب، فلم نرد عليهم، بعد ذلك وصل عناصر الشرطة ودخلوا وطلبوا تفتيش شقتنا، فتشوها وأردوا أن يفحصوا الثلاجة، فوجدوا أن علبة البيض مليئة، فطلبنا منهم أن يسألوا المشتكين من أين ألقيت البيضة، فسألوهم وأشاروا إلى شقة معينة، تبين أن من يسكن فيها هو شاب يهودي، ثم أشاروا إلى شقة ثانية فتبين أنها فارغة، ثم ذهبت الشرطة، وفي المساء، هنالك من نشر في مجموعات واتساب محلية كما علمنا تحريضًا علينا، وفجأة فوجئنا بوصول المئات أمام المساكن، وسط حالة من الخوف بين صفوف الطالبات بشكل خاص، وطالبونا بالخروج فورًا، ورغم محاولات البعض لتهدئة الأمور، إلا أنها لم تنجح، ودخل أحد عناصر الأمن، الذي ادعى أنه شرطي وتبين أنه ليس كذلك ورفع السلاح بوجوهنا، وكنا نتصل للشرطة ولوقت طويل كانوا يردون أن الأمور تحت السيطرة رغم أننا نسمع أصوات إطلاق نار في الخارج، بعد ذلك تم اخراجنا وتركنا كل أغراضنا هناك".

العام الدراسي لم يبدأ بعد بسبب تأجيله في أعقاب الحرب، لكن في نتانيا يسكن عشرات الطلاب الذين يعملون في منطقة المركز أو لديهم بعض المساقات الصيفية، ولم يعودوا إلى بلداتهم في العطلة، الآن، كل أغراضهم في المساكن ولا يستطيعون الذهاب لجلبها بسبب التهديدات للاعتداء عليهم، ومؤخرًا تم جلب عدد من عائلات غلاف غزة للسكن في المساكن الفارغة ولكن ظهرت رئيسة البلدية في فيديو بعد احداث يوم السبت 28.10 أنها ستجلب سكان غلاف غزة بدل الطلاب العرب.

تفريغ مساكن الطلبة من الطلاب العرب

مركز عدالة، توجه في الأيام الماضية وبإسم الهيئة الطلابية المشتركة للحركات الطلابية، للمستشارة القضائية للحكومة، غالي بهارا ميارا والمدعي العام للدولة، عميت آيزمان، والمفوض العام للشرطة، كوبي شبتاي، للمطالبة بفتح تحقيق حول أحداث كلية نتانيا التي حصلت مساء السبت، 28.10.23، من خلالها تجمهرت جماعات عنصرية بأعداد كبيرة أمام مساكن الطلاب وهتفت "الموت للعرب" وشعارات عنصرية أخرى، دعت إلى تفريغ مساكن الطلبة من الطلاب العرب، كما حاولت المجموعات اقتحام مبنى المساكن والاعتداء على الطلاب العرب الذين تواجدوا في داخلها.

وأشار مركز عدالة والهيئة الطلابية في رسالتهما إلى كون أجزاء كبيرة من الحدث تم توثيقها ونشرها عن طريق منصات عديدة في مواقع التواصل الاجتماعي. ذلك إلى جانب تسريب توثيقات لمُراسَلات في مجموعات "واتساب" مختلفة لأشخاص شاركوا في الحدث، والتي يمكن الاستدلال من خلالها إلى كون الاعتداء تم بتخطيط مسبق لإفراغ المساكن من الطلاب العرب؛ وتوطين سكان من منطقة غلاف غزة الذين تم إخلائهم من بيوتهم مكانهم. حيث من بين الدلائل، أرفق مركز عدالة والهيئة الطلابية لطلبهما نسخة من مستند بعنوان "ملخص اجتماع حول الأمن في كلية نتانيا" يعود تاريخها إلى 10 أيام قبل الحدث، والتي بموجبها تم على ما يبدو الاتفاق على أنه "لم يعد هناك طلاب في المساكن، ولذا ستستخدم لاستضافة عائلات من غلاف غزة وأماكن أخرى". وبحسب الوثيقة نفسها، فمن بين الحضور كان رئيس كلية نتانيا، البروفيسور يعقوب هارت، وممثلون عن مجموعتي "مواطنون يدافعون عن كريات هشارون" و"مسلحو شرق نتانيا".
وطالب مركز "عدالة" الشرطة بفتح تحقيق جدي وسريع بظروف الحدث الخطير، والعمل على محاسبة كل من وقف خلفه. حيث أن تساهل الشرطة وعدم تأديتها لدورها وفقًا للقانون، على وجه التحديد في الظروف الراهنة، هو بمثابة تحفيز وتشجيع للجماعات والأطراف التي تسوّل لها نفسها الاعتداء على العرب على خلفية انتمائهم القومي، مع غياب كلّي لآليات المحاسبة على أفعالهم الإجرامية.

لا محاسبة ولا مساءلة

وعلّق مركز عدالة قائلًا: "كأن الملاحقات والتحريضات التي طالت المواطنين العرب وأدت إلى اعتقالهم وفصلهم من أماكن دراستهم وعملهم غير كافية، لتأتي سلطات إنفاذ القانون بتجاهل تامّ ومتعمّد للتحريض على العنف الجسدي والتنظيم للإضرار بسلامتهم. إذ تم بث أعمال شغب قام بها حشد كبير على مختلف منصات التواصل الاجتماعي وعلى شاشات التلفاز، وحظيت بدعم المسؤولين المنتخبين، ومع ذلك انتهت دون محاسبة أو مسائلة أو اتخاذ أي إجراءات قانونية رادعة بصددها. هذا الأمر يوصل رسائل واضحة للجمهور الإسرائيلي ممن يفترض بهم أن يكونوا مسؤولين عن سيادة القانون: 'دماء العرب حلالٌ عليكم'. ومع تسليح الوزير الفاشي بن غفير للميليشيات اليهودية بأسلحة ناريّة وممارسة العنف الشرطي الممنهج من قبله تجاههم، فإن استمرار تجاهل باقي أجهزة الدولة والمسؤولين عنها لكل هذا سوف يؤدي إلى نتائج دامية."

"ما حصل في نتانيا هو مرحلة جديدة من التعرض للطلاب العرب بعد الملاحقات التي كانت منذ بداية الحرب من قبل الجامعات والكليات والشرطة" يقول الطالب الجامعي يوسف طه من الهيئة الطلابية المشتركة للحركات الطلابية، ويضيف: "عقدنا اجتماعًا لطلاب نتانيا، وتم اختيار مجموعة ستمثلهم أمام الكلية، والحديث عن أضرار كبيرة، ليس فقط تهديد الطلاب الذي حصل في تلك الليلة، بل أضرار اقتصادية كبيرة، فهؤلاء الطلاب يسكنون في هذه المساكن لأنهم ملتزمون في أعمالهم، الآن بعد عودتهم إلى بلداتهم البعيدة نسبيًا عن منطقة مركز البلاد لن يستطيعوا العودة إلى الاعمال، والكلية لم تتجاوب ولم تساعد الطلاب للأسف، ولا إدارة مساكن الطلبة، خصوصًا أنها تابعة لشرطة خاصة "إيستا".

طالبة في كلية صفد، فضلت أن تبقى اسمها مخفيًا، قالت: "وصلتنا أحاديث عن تهديدات من صفد لنا في حال عدنا إلى التعليم، وهذا مرعب، لا أعرف ما الذي سيحصل في الأيام القادمة لكن الأمر مخيف ولا أريد أن يحصل لنا ما حصل مع طلاب نتانيا، خصوصًا وأن صفد شهدت أحداثًا شبيهة من قبل ضد الطلاب العرب، ووقتها لم تكن الأجواء في البلاد بهذا الشكل".

"ما حدث في نتانيا ممكن أن يتكرر في أي مكان، في صفد مثلًا، باعتقادي لم يحصل هناك فقط لأن الطلاب لا يتواجدون في صفد في هذه الفترة" يقول يوسف طه، ويضيف:" في نتانيا بقي الطلاب لأنهم ملتزمون بأعمالهم، لكن في صفد غالبًا لا يعمل الطلاب في تلك المنطقة لذلك لا يتواجدون، مع العلم بأن هذا الأمر لو حصل سيضر بالكلية كثيرًا لأن معظم طلابها أصلا من العرب، لذلك على الكلية كما كل الكليات والجامعات، أن تفعل شيئًا لوقف هذه التحريضات".

وحول الملاحقات من قبل المؤسسات الأكاديمية، يقول طه: "ما زالت هنالك ملاحقات، وفي بعض الأماكن يتم جلب مختصين لتفسير منشورات للطلاب، في التخنيون مثلًا جلبوا مختصًا في التاريخ والدين لتحليل آية قرآنية نشرتها شابة، يقومون بعمل النيابة العامة، منذ سنوات أتواجد في الجامعات، ولم أر هذا الخوف في عيون الطلاب كما أراه الآن، مفهوم أن الظروف صعبة في المجتمع الإسرائيلي ولكن صب كل هذا الغضب بالطلاب العرب هو أمر غير طبيعي وغير مقبول".

ملاحقة محاضرين وطلاب

"أكاديميا لشفيون"، وهي مجموعة من المحاضرين اليهود والعرب الذي يحاولون دعم الطلاب، توجهوا مؤخرًا لعدد من المؤسسات للاعتراض على الملاحقات بحق الطلاب وبحق المحاضرين، تقول البروفيسور عنات مطر، المحاضرة في جامعة تل أبيب وهي جزء من "أكاديميا لشفيون": "في أحداث أيار 2021 أقمنا خطًا ساخنًا للطوارئ بسبب ملاحقة الطلاب الفلسطينيين، وبعد ذلك توقف النشاط نسبيًا، والآن مع عودة الملاحقات، لدينا الأدوات فبدأنا بالعمل فورًا، هنالك طاقم صغير يتابع الملاحقات بحق المحاضرين، وطاقم أكبر يتابع الملاحقات بحق الطلاب، نوجه الطلاب للمحامين أو نتوجه بشكل مباشر للجامعات، وباعتقادي الأمور تحسنت في الفترة الأخيرة، ربما بعد رسالة كيش قررت الجامعات عدم التماهي مع توجهه بشكل كامل، وربما لأنهم اكتشفوا أن بعض الملاحقات لا تعتمد على أي أمور حقيقية تستحق".

وحول التخوفات من تطور الأمور، تقول البروفيسور مطر: "حتى الآن التعليم لم يبدأ، ولكن الأمر مخيف، التحريض كبير جدًا في الشبكات الاجتماعية ولم يصل إلى هذه المرحلة من قبل، على الجامعات أن تعمل على هذا الأمر، وبعدما لم تتجاوب معنا في البداية، بدأت هذه الجامعات بالتجاوب الآن والاعتراف أن هنالك جهات بالطرف الآخر أيضًا يجب متابعتها ومتابعة التحريض الذي تنشره، وهذا جيد، يجب على الطلاب العرب التوجه للجامعة في حال تعرضهم لأي تحريض، باعتقادي، من الممكن التوجه للشرطة أيضًا، أفهم عدم قيام بعض الطلاب بهذا الأمر جراء تخوفهم من انتشار تفاصيلهم أكثر، لكن من يستطيع التوجه عليه القيام بذلك ومتابعة الأمر".

"الملاحقة من قبل المؤسسات الأكاديمية، وحتى الملاحقة من قبل الشرطة، رغم خطورتها، أسهل من هذه الملاحقات والتشهير التي تحصل في مواقع التواصل والتي أدت إلى ما حصل في نتانيا، الحديث الآن عن هدر دم بمعنى الكلمة"، تقول رلى داوود، مدير مشاركة في حراك نقف معًا: "أقمنا خط طوارئ لمساعدة الطلاب ونتلقى توجهات عديدة من الطلاب منذ بداية الحرب، وأقمنا حرس للشراكة اليهودية العربية في الجامعات، وتقوم الخلايا الطلابية بعملها، ولكن الحقيقة أن حملات التحريض خطيرة ومرعبة، في نتانيا الطلاب خرجوا ولم يأخذوا معهم أغراضهم ولم يستطيعوا العودة لجلبها، هذه حالة غير مسبوقة، وكأننا نعيش في مكان لا توجه فيه سلطة للقانون، سنحاول مساعدة الطلاب حتى في جلب أغراضهم وفي التعامل مع هذه الملاحقات، ونطالب المؤسسات الأكاديمية والشرطة بإيجاد الحلول لحماية الطلاب فورًا".