موسكو- صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن بلاده لا تفرض جهودها في الوساطة بشأن الملف النووي الإيراني، ولكن إذا طلبت طهران ذلك، فإن موسكو مستعدة للمساعدة.
وشدد لافروف -في مؤتمر صحفي عقب محادثات مع نظيره الإيراني عباس عراقجي – على حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وتخصيب اليورانيوم، منددا بما وصفها بالضغوط الخارجية.
ووصف الوزير الروسي المشاورات بين إيران وروسيا حول القضايا الإقليمية بأنها "وثيقة"، مؤكدا أن طهران وموسكو تسعيان جاهدتين لإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية قدر الإمكان.
من جانبه، أكد عراقجي استمرار تطور التعاون العسكري التقني بين روسيا وإيران، وقال إنه "يستمر على نحوٍ ملائم".
وأضاف أن الشراكة الإستراتيجية بين إيران وروسيا دخلت "مرحلة جديدة متسارعة"، وذلك في تعليق منه على توقيع خريطة طريق للتعاون بين البلدين مدتها 3 سنوات، تمت عقب مباحثاته مع لافروف.
وتركزت محادثات عراقجي مع لافروف على تفعيل معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين، التي دخلت حيز التنفيذ رسميا في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2025.
كما تناولت المناقشات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والوضع في الشرق الأوسط وسوريا وجنوب القوقاز ومنطقة بحر قزوين وأفغانستان والصراع الأوكراني.
وبحث الجانبان كذلك الوضع الراهن حول البرنامج النووي الإيراني ، إلى جانب المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية، ومن بينها الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب، وتحديدا مشروع خط سكة حديد رشت-أستارا، علاوة على زيادة التجارة الثنائية التي نمت بنسبة 10% في الأشهر العشرة الأولى من عام 2025.
وبرزت روسيا كوسيط بارز بين إيران والولايات المتحدة، مع تركيز خاص على البرنامج النووي الإيراني والأمن الإقليمي. ووافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس/آذار من العام الحالي على التوسط في المحادثات النووية بناء على طلب مباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وبين 12 أبريل/نيسان و23 مايو/أيار، عُقدت 5 جولات من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني بوساطة عمانية، شارك فيها الوفد الإيراني برئاسة وزير الخارجية عباس عراقجي، والوفد الأميركي برئاسة الممثل الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
وعُقدت الجولات الأولى والثالثة والرابعة في مسقط، بينما عُقدت الجولتان الثانية والخامسة في روما.
ولكن في صباح 13 يونيو/حزيران، شنت إسرائيل سلسلة غارات جوية استهدفت إيران، مما أسفر عن مقتل عدد من كبار المسؤولين العسكريين والجنرالات وعلماء نوويين وشخصيات بارزة أخرى.
ووصف الخبير في الشؤون الشرق أوسطية، أندريه أونتيكوف، زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى موسكو بأنها تشكل لحظة محورية في العلاقات بين طهران وموسكو، لأنها وضعت اللمسات الأخيرة على بنود معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين.
ويضيف في تعليق للجزيرة نت أن الزيارة جاءت في ظل تعرض البلدين لضغوط دولية، ولذلك كان من الضروري إضفاء الطابع الرسمي على عهد جديد من هذه العلاقات، لإظهار جبهة موحدة ضد سياسات الأحادية والهيمنة التي تمارسها المنظومة الغربية، على حد وصفه.
وحسب رأي الخبير ذاته، تكتسب زيارة عراقجي إلى موسكو أهمية بالغة في ظل مواجهة إيران تكتيكات "الضغط الأقصى" المتجددة وإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة ، التي فعّلتها وتقف وراءها القوى الأوروبية، والتي تحتاج مواجهتها -من وجهة النظر الإيرانية- إلى مزيد من التنسيق مع موسكو.
من جانبه، يعتبر الكاتب في الشؤون الدولية ديمتري كيم أن العلاقات بين موسكو وطهران وصلت إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية العميقة والطويلة الأمد، لكن لا يمكن اعتبارها مع ذلك تحالفا عسكريا كاملا.
ويضيف للجزيرة نت أنه على الرغم من أن معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين تشكل إنجازا يُضفي الطابع المؤسسي على التعاون في مختلف المجالات، فإنها تعاني من قيود الإستراتيجية.
ويوضح أن المعاهدة تفتقر، على سبيل المثال، إلى بند الدفاع المشترك (على غرار المادة 5 من حلف الناتو )، مما يدل على رغبة موسكو في تجنب الانجرار التلقائي إلى الصراعات الإقليمية الإيرانية، لا سيما مع إسرائيل.
لكنها، في المقابل، تقدم خريطة طريق لعلاقة مستقلة بصرف النظر عن الضغوط الغربية، تشمل قطاعات حساسة، مثل التعاون العسكري والأمني والتبادل التكنولوجي.
ويشير المتحدث إلى أن الشراكة توسعت لتشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية وإجراء مناورات عسكرية مشتركة منتظمة، ولكن على الرغم من عمق العلاقات العسكرية، لم تُرسل إيران قوات إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا، على عكس كوريا الشمالية.
وحسب رأيه، بغض النظر عن أي مستوى يمكن أن تتطور إليه العلاقات الروسية الإيرانية، فإن موسكو تصر على التمسك بمبدأ التوازن في علاقاتها مع إيران وإسرائيل ودول المنطقة ككل.
ويتابع أنه بسبب ذلك، لا يزال انعدام الثقة التاريخي عاملا حاضرا ومؤثرا في العلاقات بين البلدين، إذ يتوخى بعض الإصلاحيين الإيرانيين الحذر من الاعتماد المفرط على روسيا، بينما تنظر شريحة واسعة من الخبراء الروس إلى إيران على أنها لاعب ثانوي في إستراتيجية الكرملين الأوسع نطاقا التي تشمل الغرب.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة