قبل عام واحد فقط، انقلبت الحرب التي بدا أن الرئيس بشار الأسد قد حسمها لصالحه.
تمكنت قوة من مقاتلي المعارضة من التقدم من إدلب، المحافظة السورية الواقعة على الحدود مع تركيا، والتوجه نحو دمشق بقيادة رجل يعرف باسم أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام.
اسم "الجولاني" اسم حركي يعكس جذور عائلته في هضبة الجولان المحتلة.
وبعد مرور عام واحد، صار أحمد الشرع رئيساً انتقالياً، فيما يعيش بشار الأسد في منفى مرفه في روسيا.
لا تزال سوريا غارقة في الدمار. ففي كل مدينة وبلدة زرتها خلال الأيام العشرة الماضية، يعيش الناس داخل أبنية هشة، محروقة ومجوفة من الداخل بفعل الحرب.
ورغم تراكم أزمات "سوريا الجديدة"، فإن هذا البلد يبدو اليوم أقل اختناقاً بعد زوال الثقل القاسي الذي فرضته عائلة الأسد لسنوات طويلة.
اكتشف أحمد الشرع أن طريقه في الخارج أسهل بكثير من الداخل. فقد نجح في إقناع السعودية والدول الغربية بأنه يمثل "أفضل فرصة لقيام مستقبل مستقر في سوريا".
وفي مايو/أيار الماضي، رتب ولي العهد السعودي لقاءً قصيراً جمعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وبعد الاجتماع، وصف ترامب الشرع بأنه "شاب جذاب وقوي الشخصية".
أما في الداخل، فالسوريون يعرفون نقاط ضعفه ومشكلات بلادهم أكثر من أي جهة أجنبية. فلا يمتد نفوذ الشرع إلى شمال شرقي سوريا، حيث يفرض الأكراد سيطرتهم، ولا إلى أجزاء من الجنوب، حيث يسعى دروز سوريون، إلى إقامة دولة مستقلة بدعم من حلفائهم الإسرائيليين.
وعلى الساحل، يخشى العلويون تكرار "المجازر" التي تعرضوا لها في مارس/آذار الماضي.
قبل عام، كان حكام دمشق الجدد، مثل غالبية فصائل المعارضة المسلحة في سوريا، ينتمون إلى التيار الإسلامي السني. وكان الشرع، زعيمهم، يحمل تاريخاً طويلاً في القتال ضمن صفوف تنظيم القاعدة في العراق، حيث سجن على يد القوات الأمريكية، ثم أصبح قائداً بارزاً في المجموعة التي تحولت لاحقاً إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
لاحقاً، ومع ترسيخه لقاعدته في سوريا، انقلب على كل من تنظيم الدولة والقاعدة وقاتلهما معاً.
ويقول أشخاص ذهبوا إلى إدلب للقائه إن الشرع طور رؤية أكثر براغماتية، تتلاءم مع حكم بلد يضم طيفاً واسعاً من الطوائف الدينية. يشكل السنة غالبية السكان، وإلى جانب الأكراد والدروز، هناك المسيحيون الذين يجد كثير منهم صعوبة في تجاوز ماضي الشرع "الجهادي".
في الأسبوع الأول من ديسمبر العام الماضي، كان من الصعب تصديق سرعة هجوم هيئة تحرير الشام والزخم الذي حققته. فقد احتاجت ثلاثة أيام فقط للسيطرة على حلب، مركز الثقل في شمال سوريا.
وتبدو هذه السرعة مذهلة إذا قورنت بالسنوات العصيبة بين عامي 2012 و2016، حين خاضت قوات النظام والجماعات المعارضة معارك طاحنة للسيطرة على المدينة، قبل أن يحسمها الأسد بعد أن أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته الجوية والمدفعية، مضيفاً قوة نارية حاسمة إلى تكتيكات النظام القاسية.
وعندما زرت مناطق المعارضة السابقة في شرق حلب بعد أسابيع قليلة من سقوطها بيد النظام، كانت أجزاء واسعة منها قد سويت بالقصف الروسي، وكانت بعض الطرقات مسدودة بركام يرتفع حتى شرفات الطابق الأول.
لكن مع نهاية عام 2024، كانت قوات الحكومة قد تبخرت من أنحاء البلاد. لم يعد المجندون المترددون ولا المقاتلون الموالون للنظام مستعدين للقتال والموت دفاعاً عن نظام فاسد وقاس لا يكافئهم إلا بالفقر والقمع.
بعد أيام قليلة على هروب الأسد مع عائلته إلى روسيا، أجريتُ مقابلة مع الزعيم السوري الجديد في القصر الرئاسي.
يقع القصر على مرتفع يطل على دمشق، وقد صُمّم ليكون تذكيراً دائماً لسكانها بسطوة آل الأسد ورقابتهم الشاملة. وبحلول ذلك الوقت كان الجولاني قد تخلّى عن اسمه القديم كما تخلّى عن بزته العسكرية.
جلس الشرع في قاعات القصر الباردة التي لا تدفئة فيها، مرتدياً سترة أنيقة وسروالاً مكويّاً وحذاءً أسود لامعاً. قال لي إن البلاد منهكة من الحرب، وإنها لا تمثل تهديداً لجيرانها ولا للغرب، مؤكداً أنهم سيحكمون "لصالح جميع السوريين". رسالة كان كثير من السوريين، ومعهم حكومات أجنبية، مستعدين لاستقبالها بترحيب.
غير أن إسرائيل رفضت تلك الرسالة تماماً. وفي الوقت ذاته، وصفه الجهاديون المتشددون بأنه "خائن يبيع دينه وتاريخه".
كنت قد غادرت مسرعاً لتغطية الحرب، دون أن أتوقع انهيار النظام بهذه السرعة. ملابس المقابلات الرسمية بقيت في منزلي في لندن. وبعد المقابلة، اشتكى أحد مساعدي الشرع من عدم ارتدائي بدلة أثناء لقائي "زعيم البلاد".
لكن امتعاضه لم يكن مجرد اعتراض على الملابس، بل كان انعكاساً لحملة طويلة بدأت منذ سنوات، حين بدأ الشرع في بناء نفوذه داخل إدلب.
كانت تلك الحملة تهدف إلى تقديمه كرجل تجاوز جذوره "الجهادية" ليصبح زعيماً جديراً بقيادة سوريا كلها، زعيماً يريد أن ينظر إليه العالم بجدية ويعامله باحترام.
تسلّم الشرع السلطة وسط غموض واسع حول ما يمكن أن يفعله، وما يمكن أن يفعله به خصومه. وكان من بين المخاوف احتمال أن تحاول خلايا تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، ما زالت كامنة في البلاد، اغتياله أو نشر الفوضى عبر هجمات واسعة في دمشق.
عبّر الجهاديون عن غضبهم على وسائل التواصل الاجتماعي تجاه حملة الشرع لنيل القبول في الغرب. فبعد موافقته على الانضمام إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، وصفت شخصيات بارزة الشرع بأنه "مرتد". لدى المتطرفين، قد تكفي هذه الكلمة لتُعد بمثابة فتوى بالقتل.
على أرض الواقع، لم يعد تنظيم الدولة في سوريا قوة مؤثرة. فهجماته خلال هذا العام استهدفت في معظمها القوات الكردية في شمال شرق البلاد.
لكن هذا الوضع بدأ يتغير خلال الأسابيع الأخيرة، مع اقتراب الذكرى السنوية لسقوط نظام الأسد.
خلال مداهمة قوات الأمن لخلايا تابعة لتنظيم الدولة، قتل الجهاديون ثلاثة جنود واثنين من عناصر النظام السابق داخل مناطق تسيطر عليها الحكومة، وفقاً لبيانات جمعها تشارلز ليستر، أحد أبرز المتابعين للشأن السوري، ونشرت في نشرة "سوريا ويكلي".
تواصل قنوات تنظيم الدولة على مواقع التواصل، التي ترصدها بي بي سي، مخاطبة السنّة السوريين بالقول إن الشرع "قد خانهم".
ومن دون أي دليل، تبث تلك القنوات مزاعم تقول إنه عميل للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وأنه يعمل لإسقاط المشروع الجهادي.
كانت مساعي الشرع لنيل رضى الغرب لافتة في نجاحها. فبعد أسبوعين فقط من تولّيه السلطة في سوريا، استقبل وفداً من كبار الدبلوماسيين الأمريكيين. وعلى الفور ألغت الولايات المتحدة المكافأة البالغة 10 ملايين دولار التي كانت قد رصدتها للقبض عليه.
ومنذ ذلك الحين، جرى تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا في عهد الأسد تدريجياً. وتم تعليق أقسى تلك العقوبات، وهي "قانون قيصر"، ومن المحتمل أن يصوّت الكونغرس الأمريكي على إلغائه نهائياً مطلع العام المقبل.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، سُجّل تطور بارز، حين أصبح الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض.
كان استقبال ترامب في المكتب البيضاوي ودياً ومتساهلاً. رش الرئيس الأمريكي الشرع بعطر يحمل علامة "ترامب" التجارية، ثم قدم له قوارير منه ليأخذها إلى منزله لزوجته، وسأله مازحاً عن عدد زوجاته. أجاب الشرع: "واحدة"، وهو يحاول إبعاد سحابة العطر عن وجهه.
ورغم المزاح أمام الكاميرات، ترى السعودية، وكذلك الحكومات الغربية، أن الشرع هو الخيار الأفضل - وربما الوحيد - لضمان استقرار بلد يقع في قلب الشرق الأوسط. فإذا انزلقت سوريا مجدداً نحو حرب أهلية، فلن يكون هناك أي احتمال لاحتواء موجات العنف في المنطقة.
أحد الدبلوماسيين الغربيين الكبار قال لي إن شروط اندلاع حرب أهلية ما زالت قائمة؛ بسبب الندوب العميقة التي خلفها نصف قرن من الديكتاتورية، و14 عاماً من الحرب التي بدأت كانتفاضة ضد حكم آل الأسد القمعي قبل أن تتحول تدريجياً إلى صراع طائفي متصاعد.
أحمد الشرع مسلم سني، ينتمي إلى الطائفة الأكبر في سوريا. ومع ذلك، لا تبسط حكومته سيطرتها على كامل البلاد. فلم يتمكن خلال العام الماضي من إقناع، أو إجبار، الأكراد في الشمال الشرقي والدروز في الجنوب على قبول سلطة دمشق. أما في الساحل، فالتوتر يخيم على الطائفة العلوية.
بنى مؤسس النظام، حافظ الأسد والد بشار، سلطته معتمداً على الأقلية العلوية التي تشكل نحو 10 بالمئة من السكان.
كان مجرد سماع اللكنة العلوية، خصوصاً إذا صدرت عن رجل يرتدي بزة عسكرية، أو الأسوأ، عن شخص يرتدي سترة جلدية ترمز إلى عناصر أجهزة استخبارات النظام، كافياً لزرع الخوف والتوتر لدى كثير من السوريين.
لن تتعافى سوريا إذا استمر القتل على أساس طائفي. ومنع اندلاع موجات أعنف من العنف خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة يمثل التحدي الأهم أمام الحكومة.
قبيل الذكرى السنوية لسقوط نظام الأسد، أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن قلق شديد بشأن بطء وتيرة العدالة. قال متحدث باسم المكتب إن السلطات الانتقالية اتخذت خطوات مشجعة لمعالجة الانتهاكات السابقة، لكنها ليست سوى بداية لما ينبغي القيام به.
أشار المكتب إلى أن بعض السوريين تحركوا بأنفسهم، أحياناً بالتعاون مع قوات الحكومة، مؤكداً أن المئات قُتلوا خلال العام الماضي على يد قوات الأمن والجماعات الموالية لها، وعناصر مرتبطة بالحكومة السابقة، ومجموعات مسلحة محلية، وأفراد مسلحين مجهولين.
وأضاف أن الانتهاكات الأخرى شملت العنف الجنسي، والاعتقالات التعسفية، وتدمير المنازل، والإخلاءات القسرية، والقيود على حرية التعبير وحرية التجمع السلمي.
وأوضح أن المجتمعات العلوية والدروز والمسيحيين والبدو كانت الأكثر تضرراً من موجات العنف، التي غذّتها خطابات كراهية متصاعدة على الإنترنت وخارجه.
يشكل احتمال تكرار أعمال العنف الطائفية التي شهدتها المناطق العلوية في مارس/آذار الماضي خطراً كبيراً لعام 2026. ففي الفراغ الأمني الذي أعقب سقوط نظام الأسد، حاولت الحكومة الجديدة فرض سلطتها على الساحل السوري عبر حملة اعتقالات.
وكشف تحقيق أجرته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن مقاتلين موالين للنظام السابق ردوا باختطاف وقتل وإصابة المئات من قوات الحكومة الانتقالية.
وردت دمشق بقسوة، لكنها فقدت السيطرة على فصائل مسلحة متشددة نفذت سلسلة منهجية من الهجمات الدامية ضد العلويين. وتوصلت الأمم المتحدة إلى أن نحو 1400 شخص، غالبيتهم من المدنيين، قتلوا في المجازر التي تلت ذلك.
وكانت الغالبية من الرجال البالغين، لكن بين الضحايا أيضاً نحو مئة امرأة ومسنين وذوي إعاقة، بالإضافة إلى أطفال.
تعاونت حكومة الشرع مع تحقيقات الأمم المتحدة، وتمكنت بعض قواتها من إنقاذ عدد من العلويين، كما أحالت عدداً من المتورطين الأساسيين في تلك المجازر إلى المحاكمة.
أكدت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا أنها لم تجد أي دليل على أن السلطات أمرت بتنفيذ الهجمات. لكن مصدر القلق حينها، وكذلك بالنسبة للمستقبل، هو عجز حكومة دمشق عن السيطرة على الجماعات المسلحة السنية التي يُفترض أنها انضمت إلى قواتها الأمنية.
وفي يوليو/تموز، شهدت محافظة السويداء في الجنوب أعمال عنف خطيرة بين الدروز والبدو، هزّت سلطة الشرع في الصميم. يُقدَّر أتباع الطائفة الدرزية بنحو 3 بالمئة من سكان سوريا.
وعندما دخلت قوات الحكومة إلى السويداء بزعم استعادة النظام، انتهى الأمر باشتباكات بينها وبين ميليشيات درزية. وتدخلت إسرائيل، التي تضم داخل حدودها مجتمعاً درزياً شديد الولاء للدولة، عبر سلسلة من الغارات الجوية، شملت التدمير شبه الكامل لوزارة الدفاع في دمشق.
احتاج الأمر إلى تدخل أمريكي سريع لفرض وقف لإطلاق النار ومنع انزلاق الأوضاع نحو عنف أشد خطورة. وقد نزح عشرات الآلاف من السوريين من منازلهم، ولا يزالون حتى اليوم بلا عودة.
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الشرع وحكومته الانتقالية يمتلكون ما يكفي من القوة للصمود في وجه أزمة أخرى بالخطورة نفسها. فإسرائيل ما تزال تمثل تهديداً حاضراً ومهيباً بالنسبة للسوريين.
بعد سقوط الأسد، شنت إسرائيل سلسلة واسعة من الغارات الجوية بهدف تدمير ما تبقى من القدرات العسكرية للنظام السابق. وتقدم جيشها خارج مرتفعات الجولان المحتلة للسيطرة على أراض سورية إضافية ما زال يحتفظ بها حتى اليوم. واستغلت إسرائيل الفوضى في سوريا لإضعاف بلد تعتبره عدواً، عبر تدمير أسلحة قالت إن من الممكن أن توجه ضدها.
أما محاولات الولايات المتحدة للتوسط في اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل فقد تعثرت خلال الشهرين الماضيين تقريباً. تريد دمشق العودة إلى اتفاق أنجز برعاية هنري كيسنجر عام 1974، حين كان وزيراً للخارجية الأمريكية. بينما يصر نتنياهو على بقاء إسرائيل في الأراضي التي استولت عليها، ويطالب بأن تنزع سوريا السلاح في منطقة واسعة جنوب دمشق.
خلال الشهر الماضي، كثفت إسرائيل توغلاتها البرية داخل سوريا. وتقدر نشرة "سوريا ويكلي"، التي توثق بيانات العنف، أن عدد هذه التوغلات كان أكثر من ضعف المتوسط الشهري طوال هذا العام.
زرنا قرية بيت جن الحدودية التي تعرضت لغارة نفذها الجيش الإسرائيلي في 28 نوفمبر/تشرين الثاني. وقال الجيش الإسرائيلي إنه كان يعتقل مسلحين سنة يخططون لهجمات.
لكن رجال القرية ردوا بالمقاومة، ما أدى إلى إصابة ستة جنود إسرائيليين، واضطرت القوة المهاجمة إلى الانسحاب بسرعة، تاركة مركبة عسكرية دمرها الجيش لاحقاً بقصف جوي. وأفادت وسائل الإعلام الرسمية بأن الإسرائيليين قتلوا ما لا يقل عن 13 من أبناء القرية وأصابوا عشرات آخرين.
كان ذلك مؤشراً واضحاً على صعوبة التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل. وقد وصفت الحكومة في دمشق الهجوم بأنه "جريمة حرب"، وتصاعدت على إثره الدعوات إلى الرد والانتقام.
في واشنطن، بدا واضحاً أن ترامب شديد القلق من الغارة. كتب على منصة "تروث سوشيال" أنه كان "راضياً جداً" عن جهود الشرع في استقرار سوريا. وحذر من أنه "من المهم للغاية أن تحافظ إسرائيل على حوار قوي وصادق مع سوريا، وألا يحدث ما يعرقل تحول سوريا إلى دولة مزدهرة".
في بيت جن، التقيت خليل أبو ظاهر بينما كان عائداً من المستشفى، وقد وضعت جبيرة على ذراعه بعد جراحة أجريت لإزالة رصاصة. دعاني إلى منزله القريب من المكان الذي تبادلت فيه القوات الإسرائيلية إطلاق النار مع رجال القرية.
قال خليل إنه كان في منزله مع أسرته عندما دخلت القوات الإسرائيلية القرية عند الثالثة والنصف فجراً، وإنهم حاولوا البحث عن مكان آمن. وأضاف: "كنت في بيتي مع أطفالي. انتقلنا من غرفة إلى أخرى. أطلقوا النار على ابنتي. أصيبت إحداهما، وماتت الأخرى فوراً. وعندما حملتها، أصبت برصاصة في يدي".
الفتاة التي قتلت كانت هبة أبو ظاهر، البالغة من العمر 17 عاماً، وقد أصيبت بطلق في بطنها. يقول خليل إنهم لجؤوا إلى زاوية آمنة بجانب جثة هبة لمدة ساعتين قبل أن يتم إنقاذهم ونقلهم إلى المستشفى.
وعندما زرت الأسرة، كانت ابنته الصغرى البالغة تسع سنوات مستلقية على الأريكة فوق بطانية، تتعافى من جراحة لإزالة رصاصة أصابت وركها.
تجلس والدة الفتاتين، أم محمد، مع نساء العائلة، يسيطر عليها قلق شديد بشأن المستقبل.
تقول لي: "نريد راحة البال. نريد أن نعيش في بيوتنا، ونريد عيادة وطاقماً طبياً لأننا لا نملك واحداً هنا."
وتضيف: "نريد طبيباً أيضاً، فلا يوجد طبيب في بيت جن، ولا توجد صيدلية. نريد الأمان".
بعد عام على انتهاء حكم الأسد، حقق حكام سوريا الجدد بعض الإنجازات المهمة. ما زالوا في السلطة، وهو أمر لم يكن مضموناً عند دخولهم دمشق. وأصبح الرئيس ترامب أبرز داعمي أحمد الشرع. ترفع العقوبات تدريجياً. ويظهر الاقتصاد مؤشرات على التعافي، مع توقيع صفقات تجارية تشمل تحديث منشآت النفط والغاز وخصخصة مطاري دمشق وحلب.
لكن هذه الصفقات لم تحدث تغييراً في حياة معظم السوريين بعد. فلا تملك الحكومة صندوقاً لإعادة الإعمار، وتترك عملية البناء للأفراد. ولا تزال التوترات الطائفية بلا حل، وقد تشتعل مجدداً. كما توقف الحوار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين سوريا وإسرائيل.
يصرّ بنيامين نتنياهو على أن تقوم دمشق بنزع السلاح عن مساحة واسعة في جنوب سوريا، ولا يظهر أي مؤشر على أن الجيش الإسرائيلي سيتراجع عن الأراضي التي يسيطر عليها. هذان الشرطان يشكّلان انتهاكاً واضحاً للسيادة السورية، وتزيد غارة بيت جن من صعوبة تقديم دمشق أي تنازلات.
تتركز السلطة في دمشق حول أحمد الشرع نفسه، بمساندة وزير الخارجية أسعد الشيباني وعدد محدود من المقربين الموثوقين. ولا يبدو أن هناك أي جهد حقيقي لإنشاء إطار حكومي خاضع للمساءلة.
سوريا من دون عائلة الأسد تبدو مكاناً أفضل. لكن كلمات أم محمد تختصر مشاعر شريحة واسعة من السوريين:
"المستقبل صعب. لا نملك شيئاً، ولا حتى مدارس. أطفالنا يعيشون في جحيم. لا يوجد أمان لهم. كيف سنعيش؟
"نريد الأمان. نذهب للنوم ونستيقظ خائفين".
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة