استنفد الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو كل طرق الطعن الممكنة في الحكم الصادر بحبسه 27 عاما بتهمة محاولة الانقلاب، وفق وثيقة نشرتها المحكمة العليا pic.twitter.com/PcL4tkaOkl
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 25, 2025
برازيليا – يترقب الرأي العام في البرازيل تداعيات الحكم الصادر ضد الرئيس السابق جايير بولسونارو على كل من اليمين وأنصار بولسونارو والحكومة الحالية، بعد محاكمة أثارت جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية والقانونية في البلاد.
وبدأ بولسونارو تنفيذ عقوبة السجن لمدة 27 عاما بعدما ثبّتت المحكمة العليا إدانته بتهمة التخطيط لانقلاب في الثامن من يناير/كانون الثاني 2023. وأصدر القاضي ألكسندري دي مورايس قرارا يقضي بالبدء في تنفيذ العقوبة بمجمّع الشرطة الفدرالية في برازيليا، حيث كان قيد الاحتجاز منذ السبت الماضي.
ويأتي القرار بعدما أظهرت وثيقة نشرتها المحكمة العليا أمس الأول أن إدانة بولسونارو أصبحت نهائية، ولم يعد بالإمكان تقديم أي طعن جديد.
في تصريح للجزيرة نت، قال الأمين العام لحزب العمال الاشتراكي الموحد في البرازيل جوزيه ماريا دي ألميدا "لقد أثبت عمل المحكمة الفدرالية العليا والشرطة الفدرالية في هذه القضية ما هو واضح: الجريمة الخطيرة التي ارتكبها بولسونارو وأعوانه ضد الدستور الفدرالي، واتُخذ القرار بإيداعهم السجن".
وأضاف "مع التأكيد أن ذلك لا يعني بالضرورة تأييد عمل هذه المؤسسات التي غالبا ما تعمل بمعايير سياسية تخدم مصالح الطبقة المهيمنة، كما ظهر في انحيازها في عدة قضايا أخرى، أو في إقرار المحكمة العليا لكل سياسات انتهاك حقوق العمال والطبقات المفقرة والمهمشة الجارية حاليا في البلاد".
وصرح الباحث والخبير القانوني سيرجيو أوغوستو بينتو أوليفيرا للجزيرة نت بأنه بناء على الكم الكبير من الأدلة، سواء من خلال مصادرة الهواتف المحمولة والوثائق والبثوث المباشرة والشهادات وغيرها، تمكّن الادعاء من تقديم الدعوى الجزائية المسجلة برقم 2668 أمام المحكمة الفدرالية العليا.
وأوضح أن الدعوى تتعلق بتنظيم إجرامي مسلح يعتدي على النظام الديمقراطي وسيادة القانون، مستخدما بنية الدولة بشكل ثابت ومستمر بهدف البقاء غير المشروع في السلطة بغض النظر عن نتائج الانتخابات، ثم منع تنصيب الحكومة المنتخبة شرعيا أو إسقاطها عبر إعلان حالة الطوارئ.
وبحسب أوليفيرا، فقد قامت الشرطة الفدرالية بدورها، وأصدرت المحكمة قراراتها ضمن نطاق صلاحياتها واستنادا إلى القوانين البرازيلية، مع احترام حق الدفاع وتقديم الأدلة.
وبعد صدور الحكم بالإدانة، قدّم المتهمون -ومن بينهم بولسونارو- طعونا داخلية. وقد رُفضت تلك الطعون، والآن تم تثبيت الحكم (اكتساب القرار للقطعية)، مما أتاح تنفيذ العقوبات فورا بحق المجموعة الأساسية المشاركة في محاولة الانقلاب، وقد بدأ تنفيذ الحكم بالفعل.
من جانبها، قالت المحامية العضو في منظمة العفو السياسي نيسيا بوسكو للجزيرة نت "حتى الآن كان الأثر على أنصار بولسونارو محدودا جدا، إذ لم تتجاوز ردودهم نشاطات وتحركات بسيطة لا تستحق الذكر. لا يبدو أنهم قادرون على تنظيم تعبئة كبيرة بمفردهم. اليمين يسعى إلى الانفصال عنه، لكن مع الحرص على عدم خسارة دعم البولسوناريين".
وترى بوسكو أن النواة الأكثر ولاء تميل إلى اعتبار المحاكمة اضطهادا سياسيا، وقد تحاول الرد بشكل أو بآخر.
مع ذلك -تضيف- فإن محاولة كسر السوار الإلكتروني الذي وضعته الشرطة الفدرالية في كاحل بولسونارو لتسهيل عملية تتبعه، وهروب بعض أنصاره، وسلوكه أمام الشرطة الفدرالية، ومحاولة محامي الدفاع تصويره كشخص مريض، قوبلت برفض شريحة واسعة من الشعب وحتى من بعض المؤيدين له.
وتتابع المحامية "فبولسونارو كان دائما يقدم نفسه كرجل قوي وصلب، وهذا يسرّع من تآكل صورته الشخصية ويزيد من عزلة موقفه السياسي".
ووفق دي ألميدا، فإن طبيعة البولسونارية، وكذلك طبيعة عائلة بولسونارو، تمثل عقبة إضافية أمام إعادة تنظيم هذا التيار وتوحيده لمواجهة الرئيس الحالي لولا دا سيلفا في الانتخابات المقبلة.
وتابع "لكن لا يزال أمامنا وقت طويل حتى العام القادم، ويجب أن نرى كيف ستتطور الأمور. فالتيار البولسوناري ما زال يتمتع بثقل انتخابي مهم. وإذا تمكنت أحزاب ويمين الوسط من التوصل إلى اتفاق حول مرشح واحد بدعم من عائلة بولسونارو، فسيكون ذلك المرشح قويا جدا في السباق الانتخابي القادم".
وبرأي دي ألميدا، فإن وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحكم بالولايات المتحدة، و"سياساته العدوانية في دعم التيارات اليمينية المتطرفة حول العالم"، لا يمكن أن يُستبعد تأثيره على واقع أميركا اللاتينية. و"مع ذلك، يجب النظر إلى هذا التأثير بقدر من التحفظ خاصة في حالة البرازيل. فالمحاولة التي قام بها ترامب لتعزيز ودعم بولسونارو كانت بمثابة رصاصة ارتدت عليه، نتيجة مجموعة من العوامل، وهو ما يوضح حدود هذه التدخلات".
الرئيس الأمريكي دونالد #ترامب يتفاجأ بخبر اعتقال الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو#فيديو pic.twitter.com/OJDznn944C
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 23, 2025
وحسب المحامية بوسكو، تعزز محاكمة بولسونارو وأعوانه الانطباع بأن المؤسسات تواجه الهجمات المناهضة للديمقراطية في 2022 و2023، مما يقلل من مساحة الخطاب الانقلابي. كما تثير نقاشا عاما واسعا يؤثر مباشرة على المجتمع، خصوصا في الأوساط الأكثر استقطابا، دون أن يغيّر المشهد السياسي العام.
أما اقتصاديا، فإن التأثير غير مباشر وفقا لها، على اعتبار أن الإدانة تمنح الحكومة شعورا أكبر بالاستقرار المؤسسي، وهو ما يلقى ترحيبا من الأسواق. في المقابل، يبقى اليمين قويا سياسيا مع تغييرات في القيادة، مما يعني أن الساحة الاقتصادية ستظل محل تنافس بين مشاريع مختلفة. وعلى المدى المتوسط، ستتواصل الصراعات السياسية خاصة مع إعادة تنظيم اليمين، والتأثير على الأجندة الاقتصادية للبلاد.
من ناحيته، يعتقد الخبير القانوني أوليفيرا أن الحكم ضد المجموعة المركزية في المخطط الانقلابي كان متوقعا من الأسواق المالية، لذلك لم يترك آثارا مباشرة على حركة السوق.
ومن المرجّح -يتابع- أن تعمل الحكومة الفدرالية، في سبيل الحفاظ على توازنها الداخلي في مواجهة اليمين المتطرف، على تسريع الإصلاح الإداري الذي يقلص حقوق الموظفين العموميين، والإبقاء على إصلاح قانون العمل لعام 2017، الذي انتقص من حقوق الطبقة العاملة. أي أنها ستتصرف عمليا كذراع لخدمة المصالح الاقتصادية الكبرى.
أما دي ألميدا فيرى أن "اليمين المتطرف أراد تنفيذ الانقلاب للبقاء في الحكم، ولتعميق حالة البربرية التي ألقى بها النظام الرأسمالي العمال والطبقات المفقرة، ليس فقط في بلادنا، بل في العالم كله. لكن محاولة الانقلاب هُزمت. وليس هذا اليمين هو من يقود السياسة الاقتصادية في بلادنا اليوم، بل الحكومة بقيادة حزب العمال بزعامة لولا دا سيلفا".
وختم "هذه السياسة التي يطبقها الحزب، وهي نيوليبرالية، هي التي أبقت على استغلال العمال والطبقات المفقرة، بل وعمّقته كلما تفاقمت أزمة النظام الرأسمالي، مما ألحق أضرارا متزايدة بمصالح البلاد".
المصدر:
الجزيرة