آخر الأخبار

ماذا نعرف عن الفاشر التي أعلن "الدعم السريع" السيطرة على آخِر مقر للجيش فيها؟

شارك
مصدر الصورة

أعلنت قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان، أنها سيطرت على مقر الفرقة السادسة التابعة للجيش في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وهو المقر الرئيسي للجيش في هذه المدينة، وذلك بعد معارك عنيفة وحصارٍ امتد لأكثر من عام.

وقالت قوات الدعم السريع في بيان إنها كبّدت ما وصفته بـ "العدو" خسائر كبيرة في الأرواح، ودمرت كميات من العتاد الحربي واستولت عليها.

ولم يصدر الجيش تعليقاً رسمياً على الفور، بشأن الأوضاع في الفاشر، غير أن مصادر عسكرية موالية له أبلغت بي بي سي، بأن قواته انسحبت من مقر الفرقة، وتموضعت في أماكن أخرى داخل المدينة.

فماذا نعرف عن مدينة الفاشر؟

موقع استراتيجي

تقع مدينة الفاشر في المناطق الشمالية من إقليم دارفور، وتبعد أكثر من 800 كيلومتر إلى الغرب من العاصمة الخرطوم، ونحو 195 كيلومتراً عن مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور.

وتحتل الفاشر موقعاً استراتيجياً في شمال دارفور، إذ تُمثل الآن المدينة الكبيرة الوحيدة التي يمكن الوصول إليها من مدن شمال السودان، مثل مدينة الدبة، باتجاه إقليم دارفور، نظراً لقربها الجغرافي من تلك المناطق.

ولهذا تمثل الفاشر المدخل الرئيس لقوافل المساعدات الإنسانية القادمة من ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، وهو الميناء الذي يستقبل حالياً المساعدات الخارجية، قبل نقلها إلى مختلف أنحاء إقليم دارفور.

بجانب ذلك، تحد تشاد مدينة الفاشر من الغرب، بينما تحدها ليبيا من الشمال، ما يكسبها موقعاً استراتيجياً ذا أهمية عسكرية للطرف المسيطر عليها، خاصة في ظل وجود فصائل مسلحة وقوات سودانية داخل حدود الدولتين الجارتين، وفقاً لتقارير إعلامية ومنظمات تُعنى بأمن المنطقة، مثل "مجموعة الأزمات الدولية".

تسكن مدينة الفاشر، مجموعات قبلية وإثنية متنوعة، من مختلف أنحاء السودان، غير أن غالبية السكان تنحدر من المكونات، التي خرجت منها الفصائل المسلحة، مثل الزغاوة والفور والمساليت. ويقيم كثير من أبناء هذه المجموعات، في معسكرات النزوح المنتشرة داخل مدينة الفاشر. أما القبائل ذات الأصول العربية، فوجودها أقل نسبياً، ويتركز غالبية أبنائها في ولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في الوقت الراهن.

يمتهن سكان الفاشر الزراعة والرعي، إذ يزرعون المحاصيل المختلفة ويربّون الإبل، ما يجعل المدينة من بين أكبر الأسواق السودانية، لتصدير الإبل إلى خارج البلاد، خاصة إلى مصر.

ظلت المدينة تحت حصار قوات الدعم السريع، منذ اندلاع القتال بين الجيش وهذه القوات، قبل أكثر من عام، وشهدت معارك عنيفة، أودت بحياة المئات.

كما شهدت الفاشر فترات من الهدوء النسبي، عقب دعوات تهدئة قادها والي ولاية شمال دارفور السابق نمر عبد الرحمن، وعدد من قيادات العشائر.

وسبق أن أُبْرِمَت اتفاقية تقضي بأن تتولى قوة مشتركة – مؤلفة من عدة فصائل مسلحة – حماية المدنيين في المدينة، على أن تتمركز قوات الدعم السريع والجيش، في مناطق منفصلة لتفادي حدوث احتكاك مباشر بينهما.

لكن الوضع تغيّر، بعد إعلان حركة تحرير السودان بقيادة مِني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم – وهما من بين أكبر الفصائل المسلحة – دعمهما للجيش، وتخليهما عن موقف الحياد، الذي كانت الحركتان تلتزمان به منذ اندلاع الحرب في البلاد، في منتصف إبريل/نيسان 2023.

وأدى ذلك إلى انسحاب فصائل أخرى من القوة المشتركة، التي كانت تشارك فيها الحركتان، مما أفقد هذه القوة فعاليتها ودورها، في حماية المدنيين، بعد تفاقم الخلافات بداخلها.

مصدر الصورة

مخيمات نازحين

تحتضن الفاشر عدداً كبيراً من مخيمات النازحين. وقد أُنشئ بعض هذه المخيمات منذ أكثر من عقدين عقب الحرب الأهلية، التي كان قد شهدها إقليم دارفور، في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، بينما أُقيمت معسكرات جديدة، بعد اندلاع الحرب الحالية، وتضم نازحين من ولايات دارفور الأخرى، التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع، بعد معارك ضارية مع الجيش.

ومن أكبر تلك المخيمات، معسكرا نيفاشا وزمزم. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف مليون شخص، كانوا يعيشون في هذين المخيمين، قبل اندلاع المعارك الحالية.

وتسود مخاوف جدية من إمكانية تفاقم الأوضاع الإنسانية، وترديها إلى مستوى كارثي، في ظل وجود مئات الآلاف من السكان العالقين داخل المدينة ، مع ظهور مؤشرات على تحول النزاع، من مجرد قتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلى حرب ذات طابع قبلي وإثني.

وتحدث عدد من المواطنين في المدينة لبرنامج "للسودان سلام" عبر بي بي سي عن الظروف الصعبة التي تواجههم. وقال أحد المواطنين "نعيش ظروف قاسية جداً نحن وأطفالنا، المال موجود لكن لا يوجد مواد غذائية لنشتريها، وأسعار الغذاء إن توفرت مرتفعة، حتى الدواء والمواد الطبية اللازمة لعلاج الجرحى غير متوفرة".

وقالت مواطنة أخرى إن "الحال صعب خاصة على الأطفال بسبب عدم سهولة توفير الغذاء، قد نجد وجبة في يوم وفي اليوم التالي لا تتوفر".

أحد المواطنين يعيش حالياً في مركز إيواء للنازحين، ويشرح "نعاني بشدة بسبب عدم توفر الغذاء وهناك أيضاً أطفال ونساء وكبار في السن".

وقال المتحدث باسم شبكة أطباء السودان محمد فيصل حسن لـ بي بي سي إن "الأوضاع في الفاشر تتجه للأسوأ للأسف، وهذه نتيجة حتمية للحصار الخانق الذي تطبقه قوات الدعم السريع على المدينة، ومن المتوقع أن تزداد حالات سوء التغذية بين الأطفال".

ويقدر أنه في شهر سبتمبر/أيلول الماضي وحده، توفي 23 مواطناً بسبب سوء التغذية، منهم خمسة نساء حوامل والبقية أطفال. أما في شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي يقول حسن "نفقد يومياً 3 أطفال بسبب سوء التغذية ونتوقع ارتفاعاً في هذه الأرقام.

وفي دلالة على سوء الأوضاع الغذاءية، يقول حسن إنه في بداية الحرب اعتمد المواطنون على الأعلاف الحيوانية كمصدر رئيسي للغذاء، لكن حتى هذا المصر لم يعد متوفراً اليوم وأصبح "رفاهية"، وفق وصفه.

وأما الواقع الصحي فليس بأحسن من الواقع الغذائي، كما يلفت حسن. الذي قال إن النظام الصحي في الفاشر "شبه منهار. وتشير التقديرات إلى أن 80 في المئة من النظام الصحي خارج التغطية". وطالب حسن بمحاولة تدارك الأزمة، عبر جسور جوية لإيصال الغذاء "عبر الإسقاط الجوي، كخطة طارئة مبدئية".

مواقع أثرية وتاريخية

لطالما شكلت الفاشر على مدى عقود عاصمةً لإقليم دارفور، الذي تعادل مساحته مساحة دولة مثل فرنسا.

وصارت المدينة مركزاً تجارياً مهماً في المنطقة، لاحتوائها على أكبر الأسواق التجارية فيها، ووقوعها في بقعة تتوسط ولايات دارفور، وشمال كردفان، والعاصمة الخرطوم والولاية الشمالية.

وفي عام 2008، اختارت البعثة المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي المعروفة باسم "يوناميد"، الفاشر مقراً رئيسياً لها، ما عزّز مكانتها وأسهم في نموها العمراني وتطوير بنيتها التحتية.

تضم المدينة قصر ومتحف السلطان علي دينار، آخر سلاطين دارفور، قبل أن تُضم هذه المنطقة إلى السودان بشكله الحالي عام 1916، إثر معارك بين قوات السلطان والإنجليز.

ويحتوي المتحف على مقتنيات أثرية تعكس حضارة أهل دارفور عبر مختلف الحقب الزمنية.

وقد أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، القصر والمتحف ضمن قائمتها للتراث الإنساني عام 2023، بعد أن اعتبرتهما عاملين مهمين لدعم السلام والتنمية في المنطقة.

ووردت أنباء عن تعرض المتحف للقصف نتيجة المعارك الدائرة في المدينة، وسط اتهامات لقوات الدعم السريع بالمسؤولية عن ذلك القصف. وتنفي هذه القوات على الدوام، استهدافها لمنشآت مدنية، وتقول إنها تخوض معاركها ضد قوات الجيش ومقاره والمنشآت التابعة له فحسب.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا