لفحص هويات المصلين.. كاميرا مراقبة توثق اقتحام جندي إسرائيلي لمسجد الهجرة في بيت حنينا شمال غربي القدس pic.twitter.com/rpcXc7bJlT
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 14, 2025
لم يكن اقتحام شرطي إسرائيلي بحذائه العسكري مسجد الهجرة في بلدة بيت حنينا بالقدس حدثا مفاجئا للمقدسيين، لكن ما أثار غضبهم هو إصرار هذا الشرطي على إجبار شاب على قطع صلاته لكي يُبرز له بطاقة الهوية، ليتأكد أنه ليس عاملا فلسطينيا وصل من الضفة الغربية بشكل "غير قانوني" وهرب إلى المسجد للاختباء فيه.
وقبل أن يغادر الشرطي المسجد حرص على تحرير مخالفة بقيمة 5 آلاف شيكل (نحو 1500 دولار أميركي) بحق المؤذن بادعاء ارتفاع صوت الأذان.
هذه الحادثة فتحت مجددا ملف استهداف المساجد وانتهاك حرماتها في فلسطين بشكل عام وفي القدس بشكل خاص، وعلى رأس هذه المساجد المسجد الأقصى المبارك الذي تُستباح مصلياته وساحاته ومعالمه بشكل يومي، وتعمّد الاحتلال مرارا إسكات صوت الأذان فيه من خلال قطع الأسلاك الكهربائية لمكبرات الصوت في مآذنه.
وبالعودة إلى الوراء، فإن أحزابا إسرائيلية عدة حاولت المسّ بحرمة المساجد وخاصة شعيرة رفع الأذان منذ عام 2011، وأدخلت إلى أروقة الكنيست مشاريع قوانين حمل أولها اسم "قانون المؤذن"، واعتبِر أول محاولة لفرض تغيير على الأذان منذ إعلان قيام إسرائيل عام 1948، ونصّ على حظر استخدام مكبرات الصوت في "أي مكان عبادة"، لكنه موجه في الأساس إلى مساجد المسلمين.
وكان عام 2016 المحوري في سياق استهداف المساجد، خاصة بعدما اشتكى كثير من المستوطنين من انزعاجهم من صوت الأذان الذي ادّعوا أنه يسبب "الذعر" لأطفالهم وخاصة في أوقات الفجر.
وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه أقرّت اللجنة الوزارية الخاصة بالتشريعات مشروع قانون يمنع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت في مساجد القدس والمناطق القريبة من المستوطنات في الداخل الفلسطيني، وذلك تمهيدا لعرضه على الكنيست لمناقشته والمصادقة عليه في 3 قراءات حتى يصبح قانونا واجب النفاذ.
وفي 8 مارس/آذار من عام 2017 صوّت الكنيست بالقراءة الأولى على مشروع القانون الذي أيده 55 عضوا وعارضه 48، ونص حينئذ على حظر استخدام مكبرات الصوت بين الساعة 11 ليلا و7 صباحا، وفرض غرامات مالية على المخالفين، لكن نتيجة اعتراضات وتخوفات عدة جُمِّد المشروع في اللجنة ولم يُقدَّم للقراءتين الثانية والثالثة.
لم يتحول مشروع قانون حظر استخدام مكبرات الصوت خلال رفع الأذان إلى قانون نافذ، لكن جهات عدة لاحقت وما زالت تلاحق صوت الأذان في القدس بدعوى تطبيق قانون منع الضوضاء.
ونشط رئيس بلدية الاحتلال السابق نير بركات في محاربة الأذان في أحياء العاصمة المحتلة، ودعا خلال ولايته إلى تطبيق قانون منع الضوضاء على المساجد القريبة من المستوطنات في شرقي المدينة، بادعاء أن مكبرات الصوت تُسبب إزعاجا لسكان المستوطنات.
وطلبت البلدية من الشرطة التعاون حينها وإصدار غرامات بحق المؤذنين في حال عدم الامتثال، وأكمل رئيس البلدية الحالي موشيه ليون الطريق الذي بدأه سلفه إذ عمل عام 2019 (خلال ولايته الأولى) على خطة باستبدال سماعات المساجد القديمة بأخرى جديدة أصغر حجما، وحث المستوطنون الشرطة على التحكم بمستوى الصوت فيها.
وفي عام 2023 خصصت البلدية ميزانية قدرها 241 ألف دولار أميركي لتغيير أنظمة الصوت في مساجد القدس إلى أنظمة رقمية لتوحيد صوت الأذان على أن يودع جهاز التحكم لدى أحد مسؤولي الحي.
لكن شكاوى المستوطنين لم تتوقف، ويقف نائب رئيس بلدية الاحتلال أرييه كينغ إلى جانب المستوطنين في التحريض على صوت الأذان ومحاولة إسكات مآذن المدينة، ونشط في تنظيم جولات ميدانية ونشر صور تضم مآذن المساجد التي حددها باللون الأحمر مطالبا بإسكاتها من أجل راحة المستوطنين.
ردا على محاولات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير منع الأذان، قال الشيخ عكرمة صبري في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر: كما فشل نتنياهو في محاولاته السابقة سيفشل بن غفير أيضًا.
وأضاف: على المسلمين أن يتمسكوا بحقهم، فالمؤذن عليه أن يرفع الأذان، ولو اعتُقل يأتي مؤذن آخر، ولو… pic.twitter.com/NQp7i17rP1
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) December 5, 2024
لم تقتصر الملاحقة على صوت الأذان منذ اندلاع الحرب الأخير على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023 بل امتدت لتشمل خطباء وأئمة مساجد من أحياء القدس المختلفة بسبب حديثهم عن غزة أو الدعاء لها خلال الخطب، وما زال يقبع في سجون الاحتلال خطيبان مقدسيان بتهمة "التحريض"، وهما عصام عميرة من بلدة صور باهر ، وجمال مصطفى من العيساوية ، ويقضي كلاهما حكما بالسجن الفعلي لمدة 3 أعوام.
وفي الأقصى صعّدت سلطات الاحتلال استهداف الخطباء، وأوقفت الشرطة العديد منهم لساعات قبل أن تسلمهم أوامر بالإبعاد عن هذا المقدس، لأنهم أتوا على ذكر غزة وأهلها في خطبهم أو دعائهم.
المحامي المتخصص في قضايا القدس خالد زبارقة قال -للجزيرة نت- إن الأذان يعتبر أحد مركبات الهوية الدينية والوطنية، والسلطات الإسرائيلية تريد أن تمحو كل ما يذكرها بالهوية الأصيلة للبلاد.
وأشار إلى أن سلوك الشرطة في التعامل مع المساجد وأئمتها هو فرض لأجندة جديدة وتغيير للوضع القائم الساري منذ قبل مجيء الاحتلال، وهذا يدل على أن إسرائيل تنفذ سياسات تصادمية مع الهوية الدينية الإسلامية، وتشن حربا دينية تقودها مجموعات تنضوي تحت مظلة الحكومة الإسرائيلية وأصبحت هذه المجموعات تملك قوى الشرطة والأمن وتمرر من خلال سلطتها هذه الأجندة على المساجد.
وفي تعليقه على المخالفات التي تفرضها الشرطة على المؤذنين، أكد زبارقة -في حديثه للجزيرة نت- أن هذه المخالفات غير قانونية إذا ما نُظر إليها بالمعنى القانوني البحت "لكن بما أننا في هذه الأيام أمام حالة من الاستباحة ومن الفوضى القانونية والتشريعية والانفلات من كل القيود الأخلاقية والقانونية، فيمكن القول إننا أمام مرحلة جديدة ستكون طبيعتها تصعيدية خاصة على المساجد".
وفي ختام حديثه للجزيرة نت، حذر زبارقة من المساس بالمشاعر الدينية للمسلمين من خلال كتم صوت الأذان ووصفه بالضوضاء، كما حذر من خطورة اقتحام المساجد تحت أي ذريعة لأن هذه الذرائع مفضوحة، ولا يحق تحت أي مسمى أن يجبر شاب على ترك صلاته من أجل فحص هويته الشخصية، مضيفا أن لهذا المساس الخطير بمشاعر المسلمين تبعات.