يشهد العالم المالي تحولات متسارعة مع انتشار أنظمة المدفوعات الفورية، وهي أنظمة تسوية تسمح بتحويل الأموال بين الحسابات البنكية في الوقت الحقيقي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
ورغم أن هذه الخطوة تمثل ثورة في البنية التحتية المالية، إلا أن البنوك حول العالم ما زالت تتعامل معها بحذر، نظرًا لضعف توقعات الربحية المباشرة.
وبحسب تحليل نشرته مجلة فوربس، فإن القيمة الإستراتيجية تكمن في الخدمات والمنتجات التي تُبنى فوق هذه الأنظمة، وليس في سرعة التحويل بحد ذاتها.
وبدأت التجربة مع إطلاق "فِد ناو" عام 2023 في أميركا، وهو نظام مدفوعات فورية أطلقه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لتسوية المعاملات باللحظة.
وفي أوروبا يعمل نظام "تيبس" منذ عام 2018 بإشراف البنك المركزي الأوروبي، أما الهند، فقد أحدثت ثورة عبر نظام "يو بي آي" الذي يسمح بربط البنوك والتطبيقات في منصة دفع فورية واحدة.
وفي البرازيل، يزداد الاعتماد على نظام ونظام "بيكس" الذي أطلقه البنك المركزي عام 2020 ليصبح الوسيلة الأكثر شيوعًا للدفع الرقمي.
ورغم اختلاف السياقات، تشترك هذه الأنظمة في كونها تحولات بنيوية تُلزم البنوك بإعادة التفكير في إستراتيجياتها.
وبحسب أرقام أوردتها فوربس استنادًا إلى مؤسسة "كورنسْتون أدفايزرز" وهي شركة استشارات مالية أميركية، فإن أكثر من 80% من المؤسسات المالية عالميا تعمل بوضعية "استقبال فقط"، أي قادرة على استلام مدفوعات فورية لكنها لا توفر خدمة الإرسال بعد.
والأهم أن 11% فقط من البنوك تعتقد أنها ستتمكن من تحقيق أرباح من المدفوعات الفورية بين الشركات، بينما 6% فقط تتوقع تحقيق إيرادات من المدفوعات للأفراد، وهو ما يشير إلى فجوة بين الإمكانات التقنية والواقع التجاري.
وتؤكد فوربس أن التحدي ليس في بناء "سكة حديد جديدة" للدفع، بل في إعادة تصور المنتجات المالية، فالمطلوب من البنوك هو "تسويق المدفوعات الفورية كحلول مضمنة في سير العمل"، مثل تحسين الرواتب أو إدارة السيولة أو معالجة الفواتير.
فالشركات الصغيرة والمتوسطة مثلا لا تبحث فقط عن تحويل أسرع، بل عن حلول لأزمات مزمنة، مثل التأخر في السداد، وصعوبة التسويات اليدوية، وتكاليف المعاملات عبر البطاقات.
وتُبرز "فوربس" أن المدفوعات الفورية تحقق طفرة عبر "كيو آر كودز" التي تدمج بيانات الدفع والتسوية في رمز واحد، ما يسمح بتحصيل أسرع وتقليل الأخطاء.
وفي البرازيل مثلا، أدى اعتماد "بيكس" إلى تسريع دورة التحصيل بشكل ملحوظ، فيما ساعد اتحاد ائتماني في كاليفورنيا شركة مرافق على خفض تكاليفها بنسبة 40%.
كما أحدثت هذه الأنظمة تحولًا في الرواتب، إذ بات العاملون في قطاعات مثل العمل الحر أو الرعاية الصحية يطالبون بأجور فورية.
وأتاح أحد البنوك الأميركية لعمال الطوارئ تلقي مستحقاتهم فورًا برسوم صغيرة، بينما بدأت شركات آسيوية بدمج هذه الخدمات لرفع رضا موظفيها وخفض الاستقالات.
ورغم انتشار الدفع الرقمي للأفراد، فإن نحو 40% من المدفوعات بين الشركات ما تزال عبر الشيكات، وهنا تبرز فرصة للبنوك لتقديم خدمات دفع فوري مزودة بأدوات مثل مطابقة الفواتير والموافقات التلقائية، مثال ذلك ابتكار بنوك أميركية خدمة "الدفع الفوري" والتي سمحت للمصانع بالدفع لمورديها في الوقت الفعلي مقابل 5 دولارات للمعاملة.
وتشمل التطبيقات الأخرى إدارة الخزينة، حيث تمكن الأنظمة الحديثة البلديات والشركات من تحويل الأموال في عطلات نهاية الأسبوع، كما في تجربة بنك بكاليفورنيا، أو تسوية معاملات عابرة للحدود في ثوانٍ كما في أوروبا، هذه المرونة تفتح الباب أمام منتجات مثل "القروض الآنية" أو "السيولة عند الطلب".