شهد عام 2025 صعودا كبيرا لأسعار العملات المشفرة، ثم انخفاضا حاد في قيمتها بنهاية العام، الأمر الذي تسبب في هزات كبيرة للشركات التي استثمرت فيها، وأثار المخاوف من فقاعة بهذا القطاع، وتحول المستثمرين عنه إلى بدائل أخرى مستقرة مثل الذهب والفضة والأسهم.
وبلغت عملة بيتكوين، أكثر العملات المشفرة تداولا، مستوى قياسيا في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي متجاوزة 126 ألف دولار.
وتلقت العملات المشفرة دعما كبيرا في مطلع عام 2025 بعودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث وعد بأن تكون الولايات المتحدة "عاصمة العملات المشفرة في العالم"، وأطلق عملته الخاصة "ترامب"، ثم عملة أخرى باسم زوجته "ميلانيا".
والنتيجة أن ارتفع الطلب على هذا النوع من العملات المشفرة لتصل قيمتها الإجمالية إلى 12 مليار دولار، قبل أن تتراجع قيمة عملتي ترامب وزوجته 86% و99% تواليا، وفق التايمز البريطانية.
وعلى وقع هذا الصعود، بدأت شركات بشراء كميات كبيرة من بيتكوين، إمّا لتنويع احتياطاتها النقدية، أو للتحوّط من التضخم، أو لجذب مستثمرين يبحثون عن أرباح سريعة.
وكانت بعض هذه الشركات تنشط أصلا في هذا المجال، مثل منصّات التداول أو شركات "التعدين" التي تنتج بيتكوين، لكن شركات أخرى، لا علاقة مباشرة لها بالقطاع، دخلت أيضا على خط الشراء، ما ساهم في تعزيز الطلب ورفع السعر.
وراهنت بعض الشركات على استمرار ارتفاع سعر بيتكوين، فلجأت إلى إصدار ما يُعرف بـ" السندات القابلة للتحويل"، أي الاقتراض بفوائد منخفضة مع منح المُقرضين خيار تحويل الدين إلى أسهم.
لكن عند تراجع سعر السهم، مع هبوط قيمة بيتكوين، يفضّل المستثمرون استعادة أموالهم نقدا بدل الأسهم. وفي هذه الحالة، تصبح قدرة الشركة على الاستمرار مرتبطة بقدرتها على تأمين سيولة كافية لسداد ديونها.
وبدأت مؤشرات الضعف تظهر في الخريف، إذ تراجع سعر بيتكوين تدريجا قبل أن يهبط دون 90 ألف دولار في نوفمبر/تشرين الثاني، أي إلى مستوى أدنى من مطلع العام، ما زعزع الثقة في نموذج هذه الشركات.
ويتم تداول البيتكوين حاليا عند نطاق 87 ألفا إلى 88 ألف دولار، وتصل قيمتها السوقية 1.75 تريليون دولار .
ولوحظ تراجع كبير في أسعار العملات المشفرة بنهاية عام 2025 جاء في الوقت الذي حقق فيه كل من الذهب والفضة قفزات ملحوظة، مع توقعات من خبراء ومحللين بمواصلة الصعود عام 2026.
كما صعدت مؤشرات البورصة الأميركية خلال العام الجاري، إذ ذكرت فايننشال تايمز أن مؤشر "ستاندر آن بورز-500" ل بورصة وول ستريت ارتفع بنسبة 18% خلال عام 2025، مدفوعا باستثمار مئات المليارات في قطاع الذكاء الاصطناعي.
ويقول إريك بنوا، المتخصص في شؤون التكنولوجيا في مؤسسة "ناتيكسيس" لوكالة الصحافة الفرنسية إن "السؤال الذي طرحه السوق بسرعة هو "هل ستواجه هذه الشركات صعوبات؟ هل ستفلس؟".
من جهتها، ترى كارول ألكسندر، أستاذة الاقتصاد في جامعة ساسكس البريطانية، أن الفقاعة المرتبطة بهذا النوع من الشركات "تنفجر ببطء".
وأضافت، في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية، أن غياب الوضوح التنظيمي والمخاطر المرتبطة ب الأمن السيبراني أو بالاحتيال الداخلي يزيدان من حذر المستثمرين.
وتُعدّ شركة البرمجيات "إستراتيجي"، أكبر شركة من حيث حيازة بيتكوين، إذ تمتلك أكثر من 671 ألف عملة، أي نحو 3% من إجمالي المعروض.
غير أن سهم الشركة خسر أكثر من نصف قيمته خلال 6 أشهر، في حين تراجعت قيمتها السوقية لفترة وجيزة إلى ما دون قيمة ما تملكه من بيتكوين. ويرجع ذلك إلى اعتمادها الكبير على السندات القابلة للتحويل، ما يعرّضها لمخاطر ديون مرتفعة.
ولطمأنة الأسواق، جمعت شركة "إستراتيجي" نحو 1.44 مليار دولار عبر بيع حصص من عملاتها المشفرة.
وبعدما وجدت نفسها في وضع مماثل، باعت شركة "سيكوانس" المتخصصة في أشباه الموصلات، 970 عملة بيتكوين لتأمين سيولة خُصّصت لسداد جزء من ديونها.
وترى كارول ألكسندر أن "خطر العدوى في أسواق العملات المشفّرة يكون عندها كبيرا"، لكنها تستبعد أن يكون له "تأثير كبير على الأسواق التقليدية". إذ إنه في حال اضطرت شركات متعثّرة إلى بيع كميات كبيرة من بيتكوين دفعة واحدة، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط على الأسعار، ما يفاقم الأزمة.
في المقابل، يقول ديلان لوكلير المسؤول عن بيتكوين لدى شركة "ميتابلانت" اليابانية للوكالة "نعتبر هذه التقلبات" بمثابة "الثمن الذي يجب دفعه مقابل إمكانات صعود على المدى الطويل".
وكانت الشركة متخصّصة في قطاع الفنادق قبل أن تتجه إلى الاستثمار في بيتكوين، التي تُقدّر قيمة ما تملكه منها حاليا بنحو 2.7 مليار دولار.
يرى إريك بنوا أن هذه الشركات ستضطر إلى إيجاد طرق جديدة للاستفادة من احتياطاتها من بيتكوين، مثل تطوير منتجات مالية، بدلا من الاكتفاء بالمراهنة على ارتفاع السعر.
وقال "لن تنجو جميعها"، لكن "هذا النموذج سيستمر"، متوقعا حصول عمليات اندماج في القطاع.
وفي هذا السياق، تتواصل المبادرات، إذ أطلق رائد الأعمال الفرنسي إريك لارشُفيك أواخر نوفمبر/تشرين الثاني شركة "ذي بيتكوين سوسايتي" المتخصّصة في إدارة الأصول بالعملات المشفّرة.
ويؤكد لارشُفيك، الذي شارك أيضا في تأسيس شركة "ليدجر" المتخصصة بمحافظ العملات المشفّرة، أن تراجع الأسعار قد يشكّل "فرصة جيدة لأنه يتيح شراء بيتكوين بسعر أقل".
وتأثر قطاع العملات المشفرة بعمليات فساد واحتيال أثارت مخاف المستثمرين، خاصة مع وجود بدائل أخرى آمنة للمستثمرين مثل الذهب والفضة والأسهم.
وكانت منصة تداول العملات الرقمية "بايبت" أعلنت في مايو/أيار الماضي أن قراصنة إلكترونيين سرقوا ما قيمته 1.5 مليار دولار من العملات الرقمية، في ما يبدو أنها أكبر عملية سرقة من نوعها في عالم العملات الرقمية.
وفي لندن، أدينت الصينية زيمين تشيان في سبتمبر/أيلول الماضي بعملية احتيال استهدفت 128 ألف ضحية، وتمكنت معها من الحصول على ما قيمته أكثر من 5 مليارات جنيه إسترليني من ضحاياها.
ونقلت صحيفة تايمز عن مايك ماكغلون، المختص بالتحليل الإستراتيجي لأسواق السلع، أن سعر بيتكون قد ينهار إلى حوالي 10 آلاف دولار في عام 2026، مشيرا إلى أننا ربما وصلنا بالفعل إلى "ذروة بيتكوين".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة