تقف صناعة السيارات الأوروبية عند مفترق حاسم بين حماية إرث صناعي ضخم وتسريع التحول نحو مستقبل خالٍ من الانبعاثات.
ففي ظل منافسة متصاعدة من شركات أميركية وصينية، واستثمارات متعثرة في المركبات الكهربائية، يتحرك الاتحاد الأوروبي لإعادة النظر في قواعد بيئية كانت تُعدّ من الأكثر طموحا عالميا.
وبحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ، فإن هذا التحول لا يعكس فقط اعتبارات مناخية، بل يكشف عن مأزق اقتصادي وسياسي عميق يهدد تنافسية أحد أهم قطاعات القارة.
وتشير بلومبيرغ إلى أن الاتحاد الأوروبي يستعد لتخفيف القواعد التي كانت ستؤدي فعليا إلى حظر بيع سيارات محركات الاحتراق الداخلي اعتبارا من عام 2035.
ووفقا لمصادر مطلعة على المناقشات، يجري بحث ثغرات تنظيمية قد تفتح المجال أمام تمديد يصل إلى 5 سنوات، مع تداول خيارات أخرى تشمل إعادة النظر في الحظر نفسه.
وتوضح الوكالة أن هذا التراجع جاء نتيجة ضغط مكثف من شركات سيارات كبرى، إلى جانب دول منتجة للسيارات، وفي مقدمتها ألمانيا، سعيا لتفادي غرامات محتملة قد تتجاوز مليار يورو، والحد من مخاطر فقدان الوظائف وتصاعد التوترات السياسية الداخلية.
بيد أن الوكالة تحذر من أن المرونة الزائدة قد تُبطئ وتيرة التطوير وتُعمّق الفجوة التكنولوجية مع منافسين مثل شركات السيارات الكهربائية الأميركية ونظرائها الصينيين، وهو ما قد يحوّل أوروبا إلى ملاذ لتقنيات قديمة بدل أن تكون مركزا للابتكار.
ويرى خبراء نقلت عنهم بلومبيرغ أن التحدي لا يكمن فقط في موعد الحظر، بل في قدرة الصناعة على اللحاق بتسارع الابتكار في البطاريات والبرمجيات وسلاسل التوريد العالمية.
لكن الوكالة تشير في المقابل إلى أن الحيز المالي محدود، وأن تقديم حوافز أوسع لشراء المركبات الكهربائية أو تشغيلها يصطدم بضغوط مالية متزايدة في السنوات المقبلة.
وتزداد حساسية الملف مع صعود تيارات شعبوية تشكك في كلفة السياسات الخضراء، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي مؤخرا إلى تأجيل تطبيق تسعير الكربون على الوقود، خشية ردود فعل اجتماعية قد تعمّق الانقسام السياسي.
فقد جرى بالفعل تقليص أو إبطاء عدد من مشاريع مصانع البطاريات، بينما يتعرض الموردون، الذين يشغّلون النسبة الأكبر من اليد العاملة في القطاع، لضغوط متزايدة مع تراجع طلبات محركات الاحتراق بوتيرة أسرع من نمو الطلب على البدائل الكهربائية.
وتخلص الوكالة إلى أن الأشهر المقبلة ستشكل اختبارا حاسما لقدرة صناع القرار على إيجاد توازن بين حماية التنافسية الصناعية وعدم تقويض الأهداف المناخية، محذّرة من أن إطالة المهلة قد تعني تأجيل الألم بدل معالجته، في وقت يواصل فيه المنافسون التقدم بخطى أسرع.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة