آخر الأخبار

ما أهداف عُمان من إطلاق أول صندوق لتحوّل الطاقة؟

شارك

في خطوة نوعية تعكس التزام سلطنة عُمان المتزايد بالتوجه العالمي نحو الاستدامة وتحقيق الحياد الكربوني، أعلن جهاز الاستثمار العُماني، بالشراكة مع صندوق "عُمان المستقبل" وشركة "تمبل ووتر" الصينية، عن إطلاق أول صندوق استثماري متخصص في تحوّل الطاقة في البلاد، برأسمال مبدئي يبلغ 77 مليون ريال عُماني (نحو 200 مليون دولار أميركي).

ويأتي إطلاق هذا الصندوق في إطار رؤية شاملة تهدف إلى إعادة تشكيل بنية قطاع الطاقة العُماني، وتوسيع آفاق التنويع الاقتصادي ضمن رؤية "عُمان 2040".

ويمثل هذا الصندوق نقلة إستراتيجية في مشهد الطاقة الوطني، إذ يندرج ضمن الجهود الحكومية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل بعيدا عن الاعتماد التقليدي على قطاعي النفط والغاز، ويعكس في الوقت نفسه التزام السلطنة بهدفها المعلن بتحقيق الحياد الصفري بحلول عام 2050، في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على الاقتصادات المعتمدة على الوقود الأحفوري ، والتزامات اتفاقيات المناخ العالمية.

شراكة متعددة الأبعاد

ويأتي الصندوق الجديد كثمرة شراكة بين صندوق "عُمان المستقبل"، الذي أُسس مطلع عام 2024 برأسمال يبلغ ملياري ريال عُماني، وشركة "تمبل ووتر" الصينية المتخصصة في إدارة الأصول البديلة، في مساهمة متساوية بنسبة 50% لكل طرف.

مصدر الصورة الصندوق يعد إضافة جديدة في مسار تنويع مصادر الدخل الوطني (وكالة الأنباء العمانية)

وتُعد "تمبل ووتر" من أبرز الشركات الدولية التي تمتلك خبرات واسعة في استثمار رؤوس الأموال في مجالات التكنولوجيا النظيفة والحلول المستدامة، ما يعزز قدرة الصندوق على جذب شبكة عالمية من المستثمرين والشركاء الفنيين.

ويهدف رأسمال الصندوق الأولي إلى تحفيز تدفقات استثمارية إضافية واستقطاب فرص استثمارية نوعية قابلة للتوسع، مع التركيز على أن تكون جميع المشاريع الممولة ضمن حدود السلطنة، بما ينسجم مع طموحها لتصبح مركزا إقليميا لحلول الطاقة المتجددة.

إعلان

وفي تصريح له خلال مراسم الإطلاق، أكد عبد السلام بن محمد المرشدي، رئيس جهاز الاستثمار العُماني، أن هذه الشراكة تمثل خطوة إستراتيجية مهمة تدعم موقع السلطنة كمركز إقليمي وعالمي لحلول الطاقة النظيفة. وأوضح أن الصندوق يجسّد التزام الجهاز بجذب التكنولوجيا والخبرات الدولية إلى السوق العُمانية، وتمكين هذه الاستثمارات من تحقيق عوائد مزدوجة على المستويين الاقتصادي والبيئي.

تنويع الاقتصاد من بوابة الطاقة

وتراهن سلطنة عُمان على هذا الصندوق ليشكّل ركيزة جديدة في مسارها الإستراتيجي لتنويع مصادر الدخل الوطني، والتحرر التدريجي من الاعتماد على عائدات النفط والغاز. وتخطط السلطنة لأن تصبح مركزا إقليميا لحلول الطاقة المتجددة، إذ سيتركز نشاط الصندوق على استثمارات نوعية في قطاعات واعدة تشمل:


* الوقود الأخضر (الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء)
* مراكز البيانات منخفضة الانبعاثات
* تخزين الطاقة وتكنولوجيا البطاريات
* التنقل الذكي والنقل المستدام
* مشاريع الطاقة المتجددة
* تقنيات كفاءة الطاقة والابتكار الصناعي

وتتزامن هذه الخطوة مع إعلان وزارة الطاقة والمعادن عن هدف تأمين 30% من احتياجات السلطنة من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030، إضافة إلى خطة طموحة لإنتاج 1.25 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويا بحلول نهاية العقد الجاري.

مصدر الصورة ملهم بن بشير الجرف نائب رئيس "جهاز الاستثمار العماني" للاستثمار (وكالة الأنباء العمانية)

من جانبه، أوضح ملهم بن بشير الجرف، نائب رئيس "جهاز الاستثمار العماني" للاستثمار، أن إعلان الصندوق يتماشى مع تسارع الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة تحديات تغيّر المناخ، وتوسيع نطاق الاستثمار في الطاقة النظيفة. وبيّن أن السلطنة تسعى إلى أن تصبح من الدول الرائدة عالميا في إنتاج وتصدير الوقود الأخضر، وتهيئة بيئة استثمارية محفزة، مضيفا أن الصندوق سيسهم في نقل أفضل الممارسات العالمية وتطوير منظومة الابتكار، بما يضمن تحقيق عوائد مستدامة للاقتصاد والبيئة معا.

أما كليف زانغ، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "تمبل ووتر"، فقد شدد على أهمية الاستقرار التنظيمي في سلطنة عُمان، معتبرا أنه يشكل أرضية مثالية لنمو الاستثمارات المناخية. وأشار إلى أن الشراكة مع صندوق "عُمان المستقبل" توفر نموذجا متكاملا للتعاون الإستراتيجي بين القطاعين العام والخاص في دعم التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.

امتداد لمبادرات صندوق "عُمان المستقبل"

ويُعد هذا الصندوق الجديد امتدادا طبيعيا لمبادرات صندوق "عُمان المستقبل"، الذي أُنشئ لدعم القطاعات الإستراتيجية المتماشية مع خطط النمو الوطني. وخصص الصندوق 90% من رأسماله للمشروعات المحلية الكبرى، بينما يوجه 10% منه لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الناشئة.

وخلال الأشهر الماضية، أطلق الصندوق سلسلة مبادرات شملت قطاعات الصناعات التحويلية، والذكاء الاصطناعي ، والرعاية الصحية. ويُعد دخول قطاع تحوّل الطاقة ضمن أولوياته في هذه المرحلة مؤشرا واضحا على انتقال عُمان إلى مرحلة أكثر طموحا في سعيها نحو اقتصاد أخضر متكامل.

آفاق واعدة

وفي إطار إستراتيجيتها الأشمل للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، أطلقت سلطنة عُمان خلال السنوات الماضية عددا من المبادرات الرائدة لتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، من أبرزها تأسيس شركة "هايدروم" عام 2022 كمؤسسة وطنية مكلفة بتخطيط وتنفيذ إستراتيجية الهيدروجين الأخضر، وقيادة جولات الاستثمار الدولية.

إعلان

وقد تمكنت "هايدروم" خلال عام 2023 من جذب تحالفات دولية مرموقة للاستثمار في مشاريع عملاقة داخل السلطنة. وتسعى الشركة إلى تخصيص أكثر من 50 ألف كيلومتر مربع من الأراضي لمشاريع الهيدروجين، ما يضع عُمان في مقدمة الدول عالميا من حيث المساحات المتاحة لهذا النوع من المشاريع.

ووفق تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة بعنوان "الهيدروجين المتجدد من عُمان"، يُتوقع أن يتجاوز حجم الاستثمارات في هذا القطاع 140 مليار دولار بحلول عام 2050، في حين يُتوقع أن يبلغ حجم الإنتاج السنوي 3.75 ملايين طن، ما يعادل نحو 8% من حجم السوق العالمية المستهدفة للهيدروجين المتجدد.

مصدر الصورة كليف زانغ رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة تمبل ووتر (وكالة الأنباء العمانية)

وتعمل السلطنة حاليا على تطوير بنية تحتية متكاملة لدعم إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، تشمل:


* إنشاء خطوط أنابيب لنقل الهيدروجين من مواقع الإنتاج إلى موانئ التصدير.
* بناء محطات تسييل وتخزين متقدمة.
* تطوير منشآت تصدير رئيسية مثل ميناء الدقم، الذي يتمتع بموقع إستراتيجي يربط بين الأسواق الآسيوية والأوروبية.

وإضافة إلى إطلاق الصندوق الاستثماري وتأسيس "هايدروم"، أعلنت السلطنة عن سلسلة مبادرات داعمة أخرى، من أبرزها:


* توقيع اتفاقيات امتياز مع شركات دولية لتنفيذ مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر.
* تطوير منصة رقمية وطنية تحمل اسم "غد"، تُعنى بتنظيم عمليات الإنتاج والتصدير، وتوفر نافذة موحدة للمستثمرين المحليين والدوليين.

كما تطمح السلطنة إلى تحويل المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم إلى مركز عالمي لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، من خلال تطوير منظومة صناعية متكاملة تضم:


* تصنيع المعدات والتقنيات الخاصة بمشاريع الهيدروجين.
* إنتاج مشتقات الهيدروجين مثل الأمونيا والميثانول الأخضرين.
* إنشاء مراكز أبحاث وتطوير لتعزيز الابتكار وتوطين المعرفة الصناعية.

وترى الحكومة العُمانية أن هذه المشاريع لا تقتصر على تحقيق عوائد مالية أو بيئية فقط، بل تمثل أيضا فرصة إستراتيجية لتوفير آلاف الوظائف للمواطنين، وتعزيز سلاسل التوريد الصناعية والتقنية، وترسيخ موقع السلطنة كمركز إقليمي رائد في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار