آخر الأخبار

إقبال على تعلم العربية في إسبانيا رغم العراقيل وخطاب العنصرية

شارك

مدريد – تحولت الرحلة السياحية التي قامت بها أندريا نورييغا إلى المغرب لتكون دافعا رئيسيا لاتخاذها قرار التخصص في الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إشبيلية ، وساهم في ذلك أيضا تأثرها بالثقافة العربية والإسلامية الحاضرة بقوة، سواء في المغرب أو في إقليم الأندلس جنوبي إسبانيا.

لكن الدراسة الأكاديمية لم تلبّ احتياجات الشابة الإسبانية (28 عاما) من ناحية إتقان مهارات التواصل؛ فاختارت الالتحاق بدورات خاصة لتعليم اللغة العربية لمحاولة استيعاب السرعة التي يتحدث بها الناطقون بالعربية، ولفهم الفروقات بين اللهجات المختلفة، وهي إحدى الصعوبات التي يواجهها من يرغبون بتعلم العربية.

تقول نورييغا للجزيرة نت إن تعلم العربية منحها فهما أعمق لواقع البلدان العربية ومجتمعاتها، وجعلها تنظر لها بمنظور مختلف، إذ سقطت من بالها فكرة أن العالم العربي كيان واحد متشابه، وأدركت حجم التنوع الثقافي واللغوي بين شعوبه. من جهة أخرى، أعجبت بالقيم المشتركة بين العالمين الإسباني والعربي مثل أهمية الأسرة والمجتمع، رغم الاختلافات الثقافية.

مصدر الصورة اللغة العربية تستقطب الاهتمام من مختلف الفئات العمرية في إسبانيا (الجزيرة)

أما بالنسبة لخارا مونتير فقد مرت بتجربة مختلفة، إذ انطلقت في تعلم اللغة العربية بعد أن شاركت في مؤتمر عن السلام في اليمن ودور المرأة فيه، واستمعت إلى مداخلات المشاركات اليمنيات، وكانت تتمنى لو أنها تستطيع مخاطبتهن وفهمهن بشكل مباشر دون الاستعانة بالترجمة.

تقول مونتير (25 عاما) للجزيرة نت إن هناك ارتباطا ملحوظا بين تعلم العربية والمهتمين بالسياسة الدولية في إسبانيا، "كما أظن أن هذا الاهتمام ازداد أيضا في أعقاب الإبادة الجماعية في فلسطين ، رغم ما تحظى به لغات أخرى مثل الإنجليزية أو الفرنسية من ترويج أكبر".

وتضيف "أعتقد أن اللغات تُعدّ بوابة لفهم ثقافة أي بلد، إضافة إلى كونها جسرا يربط بين الناس، وتعلم العربية يعني القدرة على التحدث مع جيراننا، وفي الوقت نفسه فهم جزء من مفردات اللغة الإسبانية".

إقبال شبابي واسع

اختارت كل من أندريا ومونتير تعلم اللغة العربية في مؤسسة "البيت العربي"، وهي الجهة الحكومية التي ينتسب لها ويشارك في أنشطتها أكبر عدد من الطلاب الإسبان الراغبين بتعلم العربية أو التواصل مع العالم العربي، إذ تتميز إسبانيا بتنوع الجهات التي تُعلّم العربية مثل الجامعات والمدارس الرسمية للغات والمراكز الثقافية والجمعيات المحلية.

إعلان

تقول مديرة مركز اللغة العربية في "البيت العربي" سعيدة شرميتي إن هذا العام شهد تسجيل نحو 546 مشاركا في برامج تعلم اللغة، وهو رقم قياسي لم يصلوا إليه منذ أن بدأ البرنامج في عام 2008 لفئة الشباب، ثم توسع عام 2015 ليشمل فئة الأطفال أيضا.

وتؤكد شرميتي للجزيرة نت أن الإقبال على الدروس التي يقدمها المركز يأتي برغبة من الطلاب في تعلم مهارات المحادثة والتواصل مع الناطقين باللغة العربية، وإتقان قواعد الكتابة والتفريق بين اللهجات العربية بدل التعمق في المسارات الأكاديمية التقليدية أو الأدب.

وتوضح مديرة المركز أن فئات المهتمين بتعلم اللغة تتنوع بين الأطفال من جنسيات مختلطة، ومن الطلاب الذين يدرسون مساقات مرتبطة باللغة العربية كالترجمة والعلاقات الدولية ويرغبون في تعميق ممارستهم، وحتى أولئك الذين يرغبون في تحسين فرصهم المستقبلية بالعمل في الدول العربية.

مصدر الصورة مديرة مركز اللغة العربية في البيت العربي سعيدة شرميتي (الجزيرة)

وتلخص شرميتي للجزيرة نت أبرز التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية في إسبانيا، وهي:


* نقص المعلمين المتخصصين الذين يمتلكون مهارات تعليم العربية بوصفها لغة أجنبية.
* قلة المناهج الموحدة وغياب الإطار المرجعي.
* تداول الصورة النمطية عن صعوبة تعلم اللغة.
* ضعف الدعم المؤسسي مقارنة بما تحظى به لغات أخرى.
* الافتقار إلى وجود مواد تعليمية مبتكرة تتماشى مع التطور واحتياجات المتعلمين.

لكن بالمقابل، تؤكد المشرفة على البرنامج أن هناك اهتماما متزايدا تشهده الساحة الإسبانية لتعلم اللغة العربية، نظرا لتوسع العلاقات بين إسبانيا والعالم العربي وتوسع المبادرات الأكاديمية والثقافية وانفتاح الشباب الإسباني ورغبتهم في تعلم لغات غير أوروبية.

تحديات ومسؤوليات

وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 ديسمبر/كانون الأول، احتضنت مؤسسة "البيت العربي" احتفالا لتكريم بعض المشرفين المتميزين من المنتسبين للجمعية الإسبانية لمعلمي اللغة العربية، وهي الوحيدة من نوعها في إسبانيا، وكان من بينهم الدكتور سلفادور بينيا الذي حظي بلقب العضو الفخري لعام 2025.

يقول الدكتور بينيا للجزيرة نت إن هناك اهتماما متزايدا بين متعلمي اللغة العربية، وهو أمر لم يكن موجودا في سنوات القرن الماضي، موضحا أن هناك ما يزيد عن 40 جامعة إسبانية تُعلّم العربية أو علوما مرتبطة بها كالدراسات الأندلسية والترجمة.

ويؤكد الأستاذ الأكاديمي في قسم الترجمة والدراسات الشرقية في جامعة مدريد المستقلة أن ما ينقص هذه الجهود الضخمة هو تسليط الضوء عليها من قبل وسائل الإعلام الإسبانية، التي تتجاهل الإنجازات الأدبية والترجمة، مما يؤثر على مستوى اهتمام العامة الذين يقل اهتمامهم بهذه الأعمال أو يجهلونها، الأمر الذي يؤثر بدوره على مستوى مبيعات دور النشر.

مصدر الصورة الأستاذ الأكاديمي بقسم الترجمة والدراسات الشرقية بجامعة مدريد المستقلة سلفادور بينيا (الجزيرة)

من ناحية أخرى، يقول بينيا "نحن المترجمين الإسبان نشتاق إلى التأييد من المؤسسات العربية"، موضحا أن جميع المكتبات في إسبانيا تعرض أعمالا من عدة دول حول العالم، وقد حصلت على تأييد ودعم من وزارات وسفارات دولها، وهو الأمر الذي لا يتوفر مع البلدان العربية.

إعلان

ويرى بينيا -وهو الذي احتفل أمام الحضور بمرور 50 سنة على بداية تعلمه اللغة العربية- أن تنوع اللهجات يمثل عائقا كبيرا أمام انتشار تعلم اللغة، ويقول "أنا أشعر أني لا أزال مبتدئا في تعلم اللغة، وربما لهذا السبب".

مصدر الصورة إقبال على تعلم اللغة العربية في إسبانيا (مؤسسة البيت العربي)

خطاب معارض

يوضح الباحث والأستاذ الأكاديمي إغناثيو غوتيريث دي تيران أن ارتفاع عدد الشباب الإسبان المهتمين بتعلم اللغة العربية يقتصر على المؤسسات التعليمية المتخصصة، لكنه بالمقابل يقل في الجامعات والمدارس الرسمية لاختلاف أسلوب التعليم والمتطلبات الأكاديمية.

من ناحية أخرى، يرى غوتيريث دي تيران، في حديثه للجزيرة نت، أن تصاعد الخطاب اليميني في إسبانيا المطالب بالتصدي لبرامج تعليم اللغة العربية في أوروبا ساهم في تشويه سمعتها والتأثير على عدد المهتمين بها، ووصل الأمر إلى إلغاء برامج التعليم الرسمية لتعليم العربية في بعض المدارس في بعض الأقاليم الإسبانية.

ويوضح الباحث في جامعة مالقا أن صلاحيات التعليم في إسبانيا سواء في الجامعات أو المدارس تقع على عاتق الحكومات الإقليمية، فهي التي تقرر بدورها اللغات التي يسمح بتدريسها، ويقول "كانت هناك برامج لتعليم اللغة العربية لأبناء الجاليات العربية والأطفال الإسبان، لكنها توقفت، تحديدا في إقليم مورسيا شرقي البلاد وإقليم الأندلس في الجنوب وبعض مناطق مدريد".

ويقول دي تيران للجزيرة نت "المزاج الشعبي العام بات يتأثر بضغوط تُمارس من جهات مرتبطة باليمين المتطرف ، وهذا يؤثر على صورة اللغة العربية لدى المواطنين؛ فهذه القرارات تخلق نوعا من الإشكالية الذهنية وتثير الريبة والشك في نفوسهم، وتدفعهم للتساؤل عن سبب منع تعليم اللغة العربية وعن ارتباطها بالتخلف أو التطرف".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار