آخر الأخبار

الشاعر معز ماجد: اللغة منظومة تاريخية وجمالية تشكل نظرتنا للعالم

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

معز ماجد شاعر تونسي (1973)، يؤمن بضرورة امتلاك الشاعر لثقافة فنية وسينمائية، يهمه الكتابة عما وراء التفاصيل والشعر يحقق له كل ذلك. كتب دواوينه الأولى باللغة الفرنسية، ربما تأثرا بعدد من الشعراء الفرنسيين الذين كان قارئا لهم، وربما الهروب من سطوة الأب الشاعر.

في هذا الحوار تحدث الشاعر معز ماجد عن علاقته بالشعر، والترجمة وديوانه الجديد باللغة العربية "مدائن الماء".


*

اليوم وبعد هذه التجربة الطويلة في الكتابة باللغة الفرنسية، صدر لك هذا العام ديوانك الأول باللغة العربية "مدائن الماء" ما السر وراء هذا الاتجاه؟

هذه مسألة حساسة كثيرا، مما حيرتني وما زالت تحرجني حين أفكر في تجربتي الشعرية ومكانتها من هذه الجغرافيا المتجاورة ومن الجسور الممتدة بين اللغات والثقافات.

أنا ولدت في عائلة لها علاقة وطيدة بالأدب وبالشعر تحديدا، إذ إن والدي المرحوم جعفر ماجد كان أبرز شعراء تونس إبان الاستقلال. وهذا شكل بالنسبة لي إشكالا معقدا إذ إنني عند خطواتي الأولى في تجربة الكتابة وجدت نفسي مصطدما بحضور الأب، فلذلك كان من شبه المستحيل بالنسبة لي أن أتمكن من تكوين شخصية شعرية خاصة بذاتي.

فكان لي خياران، إما أن أهجر الكتابة الشعرية أو أن أجد لنفسي حيزا ينأى بي عن ظل الأب. وأعتقد أن اللغة الفرنسية وفّرت لي هذا الحيز من خلال الكتابة في لغة أخرى بعيدا عن وطأة حضور الأب.

إعلان

وفي الواقع، لم يكن اختيار اللغة الفرنسية كلغة كتابة اختيارا نابعا عن تفكير إستراتيجي، أو تمحيص وتموقع إزاء والدي ومواقفه. ففي سنوات المراهقة، لم أكن متمكنا من كل هذه الجوانب والأبعاد التي يمكن أن يأخذها اختيار اللغة التي سوف تكتب فيها.

كل ما في الأمر هو أنني كنت قارئا نهما لبودلير، ورامبو، وفيرلين، ونيرفال، وغيرهم من الشعراء الفرنسيين في القرن الـ19، فاتجهت كتاباتي الأولى بشكل شبه طبيعي إلى هذه اللغة، رغم أنني قرأت في الفترة نفسها عيون الأدب العربي المتعلق بعصر النهضة (ميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي، وبشارة الخوري، وغيرهم).

في الوقت نفسه، أنا لم أشعر للحظة واحدة في حياتي بأنني يمكن أن أكون شاعرا فرنسيا، ولم أسع قط إلى ذلك.

ولكن هنالك سؤالا محوريا: هل نحن محكومون بأن تكون لنا هوية لغوية موحدة؟ ألا يجوز لمبدع عربي أن ينقض على لغات أخرى وثقافات مستجلبة ليطور ذاته وهويته؟ لماذا حين يكتب سيوران بالفرنسية في حين أنه روماني والكل يجد ذلك طبيعيا؟ وماذا عن صمويل بيكيت الأيرلندي الذي يكتب بالفرنسية؟ وعن ميلان كونديرا؟

وجبران خليل جبران؟ ألم يكن من رواد الحركة الأدبية العربية في حين أنه يكتب بالإنجليزية؟

على العموم، أنا سلكت مشوارا لا بأس به في الكتابة باللغة الفرنسية مما مكنني من تكوين شخصية شعرية خاصة بي، وذلك بفضل تمكني من الثقافتين العربية والفرنسية، وأعتقد أن نجاح مشواري شاعرا في اللغة الفرنسية سهّل عودتي لكتابة الشعر في اللغة العربية من دون أن أكون تحت وطأة ما كتب قبلي في الأدب العربي.

لعل هذا ما يجعل ديواني "مدائن الماء" الذي صدر مؤخرا عن سلسلة "ش" له طابعه الخاص ومذاقه المختلف.

مصدر الصورة المجموعة الشعرية الثامنة للشاعر التونسي معز ماجد "مدائن الماء"، وهي المجموعة الأولى له المكتوبة مباشرة باللغة العربية، بعد أن عرف عن الشاعر كتابته الشعر بالفرنسية (الجزيرة)
*

أنت تقف بين هويتين العربية (أي التونسية) والفرنسية. كيف استطاع نصك الشعري أن يمزج التنشئة الاجتماعية، وأحوال البلاد، والأصدقاء، والمعرفة، والتاريخ وكل الحياة التونسية في نص يقدم للقارئ الفرنسي؟

إعلان

يقول الشاعر والفيلسوف الكاريبي إدوارد غليسان Edouard Glissant: "أنا أكتب في حضرة كل لغات العالم".

هذه الجملة، التي تبدو كأنها صيحة حرب، هي في الواقع طريق للنجاة، إذ إنها تفتح باب الكونية أمام جيل كامل من الكتاب الذين يكتبون بالفرنسية. وهذه اللغة كانت في الأصل لغة شعب مهيمن مستعمر باطش، لكن وقع الاستحواذ عليها من طرف جيل من الأدباء أتوا إليها من خارج مجموعتها الأصلية وظفوها ليقولوا كينونتهم.

هذه الجملة ترن وكأنها صدى لأحد أجمل أبيات الشاعر الهندي العظيم طاغور:

"نحن أجلاف الشرق العراة، سوف نظفر يوما بحرية نهبها إلى الإنسانية جمعاء"

في الحقيقة، أجد نفسي في تناغم مع هذا الطرق لمفهوم اللغة، إذ إنني أنتمي إلى جيل له علاقة مختلفة باللغة الفرنسية مقارنة بالأجيال السابقة من الأدباء التونسيين ومن بينهم والدي. فأنا مثلا لست قاصرا باللغة العربية عكس عدد من الأدباء المغاربة الذين يكتبون بالفرنسية. كما أنني مولود في سنة 1973، وهذا يعني أنني لم أعرف الاستعمار لذلك فإن علاقتي باللغة الفرنسية وثقافتها هي ليست علاقة المضطهد الذي يتشبه بجلاده. وعلاقتي بهذه اللغة وهذه الثقافة هي علاقة متوازنة وندية إلى حد ما.

علاقتي بهذه اللغة وهذه الثقافة هي علاقة متوازنة وندية إلى حد ما، ومن يتجرأ اليوم على القول إن الثقافة الفرنسية مهيمنة خارج حدود بلادها؟ إنها هي نفسها تعاني من هيمنة اللغة الإنجليزية

من يتجرأ اليوم على القول إن الثقافة الفرنسية مهيمنة خارج حدود بلادها؟ إنها هي نفسها تعاني من هيمنة اللغة الإنجليزية التي أمتلكها بدوري وأقرأ فيها "والت وايتمان" و"تس إيليوت" و"إدغار بو" دون حاجة للترجمة. لكن لغة الكتابة لها تأثير مباشر على محتوى ما نكتبه. فنحن لا نكتب الشيء نفسه في لغة أو في أخرى. لأن اللغة تحمل في طياتها منظومة ثقافية، تاريخية، مجتمعية وجمالية. هي تؤثر مباشرة في نظرتنا إلى العالم.

فهي تحتوي على موسيقى خاصة بها، ومفرداتها لها جذور إيتيمولوجية لا يمكن تجاهلها، كما أنها تحتوي على وعي ولاوعي جماعيين يؤثران في الفكر وفي الخيال وفي طريقة التعبير عنهم.

إعلان

وهنالك مثال بسيط عادة ما أستعمله لتوضيح هذه الفكرة: عندما نشرع في كتابة نص ما، في أغلب الأحيان تكون لنا فكرة ضبابية عما نعتزم كتابته ونترك النص يتطور تحت تأثير ما سوف يأتي به السياق. ومن بين العوامل المؤثرة في النص نذكر موسيقى الكلمات مثلا وإيحاءاتها الثقافية. وطبعا يتغير هذان العاملان من لغة لأخرى.

فلنفترض أن الكتابة حملتك للحديث عن مفهوم "الخبز" و"الخمر" على سبيل المثال.

فإن كنت تكتب باللغة الفرنسية، فهذه الكلمات سوف تحيلك وجوبا على رموز دينية متصلة بصورة اليسوع. ولعلها أيضا تحملك إلى طبيعة الجنوب الفرنسي وقراه الساحرة مع خبازيها المبدعين وكذلك إلى حقول العنب بجهة "بوردو" مثلا.. وهنا نصك سوف يذهب في اتجاه معين تحت تأثير كل هذه الصور والمناخات.

فلنفترض الآن أن نفس الفكرة الأولية تأتي إلى نفس الكاتب وأن هذا الأخير يختار كتابة نصه بالعربية.

فإن الإيحاءات الأولى التي قد تخطر بباله سوف تكون لها علاقة بالمحرمات وبالسكر وأبيات أبي نواس وقد يذهب أيضا إلى مفاهيم صوفية فيستحضر أبيات الحلاج أو ابن الفارض.

وبناء على ذلك سوف يكون نصه مختلفا تماما عما كان ليكتبه إن هو كان اختار اللغة الفرنسية للتعبير عما يخالجه. لذلك فإننا لا يمكن أن نكتب الشيء نفسه في لغة أو في أخرى.

مصدر الصورة ديوان "أناشيد الضفة الأخرى" كتب فيه "معز ماجد" تجربة الثورة التونسية (2014) (الجزيرة)

عندما أقدمت دار "فاتا مورغانا" (Fata Morgana) الفرنسية على نشر ديواني أناشيد الضفة الأخرى، قال لي صاحب الدار، الناشر الأيقوني برونو روا (Bruno Roy) حين نشر لي أول مرة:

"ما يجعلني أقدم على نشر نصك هذا هو مفارقة غريبة إذ إنني ذهلت بنقاوة لغتك الفرنسية التي تختلف عن لغة الأدباء المغاربة عموما. فهم حين يكتبون يمكن لناشر متمرس مثلي أن يرى أن لغتهم ليست لغة كاتب فرنسي.. هنالك دائما نكهة مغاربية في لغتهم وهذا ليس سيئا في حد ذاته. لكن لغتك، لو أنني أعطيتها لقارئ فرنسي من دون أن أقول إن صاحبها تونسي، فسوف يعتقد بلا شك أن صاحبها من قلب الحي اللاتيني بباريس.

مقابل ذلك، عندما نغوص في أعماق النص وصوره وإيحاءاته، فإننا نخرج بإيمان راسخ أن صاحب هذا النص لا يمكن أن يكون فرنسيا. فلا يمكن أن يكتب شاعر فرنسي مثل هذا النص إذ إنه من الصعب أن يستحضر مثل هذه العوالم".

في آخر المطاف وبعد كل هذه المعارك لتجديد الشعر العربي في مباهاة للحركات التجديدية في الأدب الغربي، ماذا لو تكون هذه المثاقفة اللغوية للأدباء العرب الذين يكتبون في اللغات الأخرى هي التي سوف تأتي بتجديد جذري للأدب العربي المعاصر؟ ألم يكن جبران -الذي كان يكتب بالإنجليزية- رائد التجديد الشعري العربي في عشرينيات القرن الماضي؟ ماذا لو تأتي القطيعة والتجديد من كتاب عرب يكتبون في لغات أخرى مثل اللبناني أمين معلوف أو الليبي هشام مطر أو غيرهم.

إعلان

وأملي أن كتابتي باللغة الفرنسية لا تكون عاملا يبعدني عن هويتي وثقافتي بل مصدر ثراء للأدب العربي الذي قد يجد في كتابتي عوالم غير مألوفة لديه جراء هذا التلاقح اللغوي. وتكون تجربتي فاشلة بلا شك لو أنني صرت كاتبا فرنسيا يكتب أدبا مألوفا في الثقافة الفرنسية.


*

كيف ترى قصيدة النثر العربية التي تكتب اليوم؟

أنا أعتقد أنه حان الوقت لتجاوز هذا الصراع بين الشعر الموزون والشعر بالنثر. وهو على فكرة صراع يختص به الشعر العربي دون غيره. وكلنا نحب الشعر القديم ونعتز بتراثنا الشعري كما أننا نحفظ منه الكثير، وأنا أعتقد أنه من الظلم اتهام شعراء قصيدة النثر بأنهم معادون للتراث أو أنهم غير قادرين على النظم.

كل ما في الأمر أن المشكلة في الانحياز إلى القصيدة التقليدية والشعر الموزون، هو أنه في عديد من الحالات يختصر الشعر في بعده الإيقاعي، مما يسهم في حصره داخل الظاهرة الصوتية وهذه كارثة وجريمة في حقه.

إن الموارد التي تنهل منها حداثة الشعر اليوم غنية ومتعددة، منها طبعا الفلسفة وعلوم الفيزياء وعلوم الأحياء والعلوم الفلكية وعلم النفس والفنون الجميلة والسينما وغيرها. لذلك أرى أن لقصيدة النثر دورا يمكن لها أن تلعبه أكثر من غيرها في إفراز خطاب جمالي تقدمي يجدد من خلاله الشعر العربي لأنها الأقدر على استيعاب هذه المعارف وتوظيفها جماليا.

وأعتقد أن في تجارب قصيدة النثر العربية ما يعد بآفاق جمالية ملهمة شريطة ألا يقع شعراء قصيدة النثر العربية في فخ الحفر داخل اللغة والانحسار فيها. ومن الضروري أن يجدد الشاعر أفقه الجم ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



إقرأ أيضا