فاز الروائي المجري لازلو كراسناهوركاي (71 عامًا) بجائزة نوبل للأدب لعام 2025، وفق ما أعلنت الأكاديمية السويدية في استوكهولم يوم الخميس، تقديرًا لما وصفته بـ"نتاجٍ مذهلٍ ورؤيوي يعيد التأكيد على قوة الفن في وسط رعبٍ أقرب إلى نهاية العالم".
وقالت لجنة نوبل في بيانها إن أعمال كراسناهوركاي "تكشف عن شاعرية الخراب الإنساني، وعن قدرة الأدب على خلق الجمال في قلب الفوضى والدمار".
ولد كراسناهوركاي في عام 1954 بمدينة جيولا جنوب المجر، ودرس القانون والأدب الهنغاري في "جامعة سيغيد"، قبل أن يتفرغ للكتابة في بداية الثمانينيات.
فيما ظهر نجمه أول مرة عام 1985 بروايته الأشهر "نهاية رجل بلا مصير"، التي رسّخت مكانته كأحد أبرز الأصوات الأدبية في أوروبا الشرقية بعد الحرب الباردة.
ومنذ ذلك الحين، طوّر كراسناهوركاي أسلوبًا سرديًا فريدًا يجمع بين النفَس الطويل للجملة الواحدة والتأمل الفلسفي المكثف، حتى لقّبه النقاد بـ"كاتب الجمل التي لا تنتهي"، إذ تمتد بعض جمله على صفحات كاملة من دون فواصل تقريبًا، في محاكاة فنية للانهيار التدريجي للعالم.
ومن أشهر أعماله: "رقصة الشيطان" (1985)، "المصير الشاحب" (1989)، "الطريق إلى الشيطان" (1993)، و"الحرب والسلام في برلين" (2003)، "برلين حميدة النوايا"(2013)، و"بارون في الأشجار الحديدية" (2016).
وغالبا ما تدور عوالم كراسناهوركاي في أجواء رمادية خانقة، حيث تختلط النبوءة السياسية بالهذيان الوجودي، ويتقاطع الجد مع العبث. وفي رواياته، ينهار النظام الاجتماعي كما ينهار الإيمان، ويغدو الإنسان كائنًا تائهًا على حافة الكارثة، يبحث عن معنى في عالم فقد توازنه.
هذا ونال كراسناهوركاي جائزة بوكر الدولية عام 2015، كما تُرجمت أعماله إلى أكثر من ثلاثين لغة، وحظيت بدراسات نقدية واسعة في الجامعات الغربية.
بينما وصفه الناقد البريطاني جيمس وود بأنه "آخر الأدباء الفلاسفة في أوروبا"، فيما يرى آخرون فيه "دانتي القرن الحادي والعشرين"، الذي يعيد كتابة جحيم الإنسانية الحديثة بلغة تجمع الشعر بالفلسفة.
أما لغته المزدحمة والمتوترة، والمليئة بالهواجس الدينية والسياسية، فجعلته مرجعًا لجيل كامل من الكتّاب الأوروبيين، مثل الروائي النرويجي كارل أوفه كناوسغارد والأميركية ليديا ديفيس، اللذين اعتبرا أعماله "مدرسة في توسيع حدود الرواية".
ورأى مراقبون أن منح الجائزة هذا العام لكراسناهوركاي يحمل بعدًا رمزيًا يتجاوز الأدب إلى السياسة، إذ يمثل اعترافًا بصوت أدبي خرج من خلف "الستار الحديدي" ليعيد تعريف معنى الكتابة في أوروبا ما بعد الأيديولوجيا.
بينما قال الناقد السويدي بير أندرسون، عضو الأكاديمية سابقًا: "اختيار كراسناهوركاي هو تكريم لجيل الكتّاب الذين واجهوا انهيار اليقين، وكتبوا من رماد المدن والأنظمة، لا عن أملٍ زائف بل عن مقاومة عبر الفن نفسه".
وبعد سقوط الشيوعية، عاش كراسناهوركاي فترات طويلة في ألمانيا واليابان، متنقلاً بين الثقافات واللغات، وهو ما انعكس على أعماله التي أصبحت أكثر تأملًا في مصير الحضارة الحديثة.
وقد استقبل الوسط الأدبي المجري الجائزة باحتفاء كبير، إذ كتب أحد النقاد في صحيفة نيمزيت: "أخيرًا، حصلت المجر على نوبل أدبية جديدة، لكنها ليست احتفالًا بالوطنية، بل بالروح الإنسانية التي قاومت الخراب بلغة لا تشبه إلا نفسها".
يشار إلى أنه بهذا التتويج، ينضم لازلو كراسناهوركاي إلى قائمة كتّاب نوبل الذين حولوا القلق الإنساني إلى فن خالد، من ألبير كامو إلى جوزيه ساراماغو. لكن، وكما كتب في روايته "الطريق إلى الشيطان": "لا أحد يربح في النهاية... إلا الكلمات التي تبقى بعدنا".