نشرت مؤخراً آلاف الوثائق المتعلقة بالتحقيق في اغتيال الرئيس الأمريكي السابق، جون. إف. كينيدي.
وكما توقع خبراء، فإن هذه الوثائق الأخيرة الصادرة من إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، لا تجيب على كل الأسئلة العالقة حول إحدى نقاط التحول التاريخية في الولايات المتحدة - اغتيال الرئيس الأسبق كينيدي في دالاس عام 1963.
لكن الدفعة الأخيرة من الوثائق التي كشف عن بعضها جزئياً، والبعض الأخر كلياً، تتحدث عن مراقبة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لقاتل جون كينيدي قبل عملية إطلاق النار.
وخلص تحقيق أجرته الحكومة الأمريكية في ستينيات القرن الماضي إلى أن لي هارفي أوزوالد، وهو رحّال وضابط سابق في قوات مشاة البحرية الأمريكية انشق في مرحلة ما إلى جانب الاتحاد السوفييتي آنذاك، وتصرف بمفرده عندما أطلق النار على موكب كينيدي من مبنى قريب.
لكن القضية لا تزال تُثير تساؤلات، إلى جانب نظريات المؤامرة الواسعة بعد أكثر من 60 عاماً، ومن غير المرجح أن يُغيّر نشر الوثائق مؤخراً هذا الوضع.
وإليكم بعض النقاط الرئيسية الواردة في الوثائق.
قال المراسل السابق لصحيفة واشنطن بوست، جيفرسون مورلي، إن "الوثائق ألقت مزيداً من الضوء على المراقبة القوية لوكالة الاستخبارات المركزية لأوزوالد".
وأضاف مورلي وهو محرر في مدونة "حقائق جون كينيدي"، أن أوزوالد "موضوع اهتمام عميق لوكالة الاستخبارات المركزية" قبل وقت طويل من الاغتيال، لكن لم يتضح مدى هذا الاهتمام إلا في السنوات القليلة الماضية.
ونشرت العديد من الوثائق سابقاً، لكن الآن تتوفر نسخ أكثر اكتمالاً، رغم أن متخصصين ما زالوا يبحثون في الأمر، إذ لم تظهر أي قصص مدوية حتى الآن.
ومع ذلك، يصف مورلي الوثائق الأخيرة بأنها "الخبر الأكثر إثارة فيما يتعلق بجون كينيدي منذ التسعينيات"، موضحاً: "لقد أصبحت عدة وثائق مهمة للغاية، متاحة الآن".
وأشاد خبراء بنشر الوثائق باعتباره خطوة نحو الشفافية، ففي الماضي أُتيحت مئات الآلاف من الوثائق، مع حجب أجزاء منها، بينما حُجِب نشر وثائق أخرى بحجة مخاوف الأمن القومي.
وقال فيليب شينون، الذي ألف كتاباً عام 2013 عن الاغتيال، لوكالة أسوشيتد برس، إن الوثائق التي كُشف عنها سابقاً وصفت رحلة قام بها أوزوالد إلى مدينة مكسيكو في سبتمبر/أيلول 1963، قبل أشهر من الاغتيال.
وأوضح أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تراقبه في ذلك الوقت، بحسب ما نقلت وكالة أسوشيتد برس، مضيفاً أن "هناك سبب للاعتقاد بأنه تحدث علانية عن قتل كينيدي في مدينة مكسيكو، وأن الناس سمعوه يقول ذلك".
وفي مذكرة سابقة صدرت في أبريل/نيسان 1975، قللت وكالة الاستخبارات المركزية من أهمية ما كانت تعرفه عن رحلة أوزوالد إلى مدينة مكسيكو، وفق ما أوردت وكالة أسوشييتد برس.
وأوضحت أن وكالة الاستخبارات المركزية سجلت ثلاث مكالمات هاتفية بين أوزوالد وحارس في السفارة السوفيتية، لكن أوزوالد لم يعرف عن نفسه إلا في واحدة منها.
وتسلط عدد من الوثائق الضوء على علاقة كينيدي بوكالة الاستخبارات المركزية قبل وفاته، وعلى تقنيات جمع المعلومات الاستخباراتية، مما يوفر معلومات عن عمليات الحرب الباردة.
وتكشف مذكرة حديثة عن نسخة مكتملة لملاحظة كتبها آرثر شليزنجر، أحد مساعدي كينيدي.
وتنتقد المذكرة، وكالة الاستخبارات المركزية ودورها في تشكيل السياسة الخارجية، وتظهر الوجود الكبير للوكالة في السفارات الأمريكية، حتى في دول حليفة مثل فرنسا.
ويُحذّر شليزنجر في المذكرة، كينيدي من تأثير الوكالة على السياسة الخارجية الأمريكية، ورغم أن المذكرة لا ترتبط مباشرة بالاغتيال، لكنها توضح تفاصيل العلاقة المضطربة بين الرئيس ووكالات الاستخبارات.
وتعارض وكالة الاستخبارات المركزية، نشر معلومات تشغيلية أو تتعلق بالميزانية، بحسب ديفيد باريت، الأستاذ في جامعة فيلانوفا والمختص في شؤون وكالة الاستخبارات المركزية والسلطة الرئاسية.
وقال باريت: "إنه أمر جيد للغاية بالنسبة للحكومة أن تنشر هذه الوثائق حتى لو كانت لا تزال تحتوي على بعض التعديلات".
وتوضح وثيقة أخرى تفاصيل استخدام المسح الفلوري، باستخدام الأشعة السينية للكشف عن الأجزاء الداخلية من الجسم.
وطُورت هذه التقنية للكشف عن أجهزة تنصت مخفية يُحتمل استخدامها للتجسس على مكاتب وكالة الاستخبارات المركزية.
وفي وثيقة أخرى، تصف وكالة الاستخبارات المركزية نظاماً لوضع علامة سرية وتحديد صناديق هواتف عامة يتم التنصت عليها، باستخدام طلاء لا يمكن رؤيته إلا تحت ضوء الأشعة فوق البنفسجية.
ويبرز في المذكرة اسم جيمس ماكورد، الذي ذاع صيته لاحقاً كأحد المشاركين في اقتحام مجمع ووترغيت، وهو ما أشعل شرارة الفضيحة التي أطاحت بالرئيس ريتشارد نيكسون.
وادعت بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الوثائق الأخيرة تكشف عن تفاصيل جديدة بشأن مؤامرات مزعومة منذ فترة طويلة ضد كينيدي، على الرغم من أن بعض هذه التفاصيل كانت معلنة منذ سنوات.
وتتضمن هذه الوثائق منشورات عدة انتشرت على نطاق واسع عن غاري أندرهيل، عميل الاستخبارات العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية.
ويزعم أندرهيل أن مجموعة من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية، كانت وراء عملية الاغتيال، وهي نظرية نشرت علانية في مجلة رامبارتس اليسارية في عام 1967.
وصُنفت وفاة أندرهيل عام 1964، على أنها عملية انتحار، لكن المجلة شككت في ذلك.
وانتشرت صور مذكرة من سبع صفحات تتعلق بأندرهيل، الثلاثاء، لكن الجزء الأكبر منها ليس جديداً، إذ تداولت مواقع على الانترنت قصته منذ فترة طويلة، ونُشرت مذكرة وكالة الاستخبارات المركزية التي ذكرت هذه القصة لأول مرة عام 2017.
وكانت هناك بعض الجمل التي وردت في صفحة واحدة من المذكرة، لم يتم تنقيحها في الإصدار الأخير.
والأهم من ذلك، هو أن النظرية تستند إلى رواية من مصدر غير مباشر، ونُشرت بعد وفاة أندرهيل ولا تتضمن أي أدلة قاطعة.
ومع ذلك، كانت هذه القصة واحدة من بين عدد من النظريات غير المؤكدة المتداولة بعد نشر الوثائق.
ونص قانون صدر عام 1992 على ضرورة الكشف عن جميع الوثائق المتعلقة بالاغتيال خلال 25 عاماً، لكن هذا القانون تضمن أيضاً استثناءات تتعلق بالأمن القومي.
وأدى الضغط من أجل مزيد من الشفافية إلى إصدار المزيد من الوثائق مع مرور الوقت، فأصدر كل من ترامب في ولايته الأولى، وبايدن في عام 2023، دفعات من الوثائق.
وقبيل إصدار الوثائق الجديدة، قال ترامب إنه طلب من موظفيه "عدم حجب أي شيء" منها.
لا يبدو أن هذا صحيح، فالوثائق الجديدة لا تزال تحتوي على بعض التعديلات، ومع ذلك، اتفق خبراء على أن الإصدار الأخير يُعدّ خطوة للأمام نحو الشفافية.
وتحدث مورلي المحرر في مدونة "حقائق جون كينيدي"، عن وثائق أخرى في الأرشيف الوطني لم يفرج عنها بعد، إضافة إلى وثائق تحتفظ بها وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
ورغم إمكانية نشر المزيد من الوثائق، إلا أن التساؤلات بشأن اغتيال جون كينيدي ستظل قائمة بلا شك.
وقال باريت، المؤرخ من فيلانوفا: "كلما وقعت حادثة اغتيال، تُثار نقاشات، وتُطرح نظريات مؤامرة إلى حد ما. ولن يتغير هذا الوضع بفضل هذه الوثائق أو غيرها".