آخر الأخبار

ثلاثية الكرامة: الاعتراف، الاعتذار، التعويض

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

ثلاثية الكرامة: الاعتراف، الاعتذار، التعويض

الجزائرالٱن _ صادق البرلمان الجزائري مساء أمس الأربعاء بالإجماع على قانون تجريم الاستعمار الفرنسي.

القرار ليس مفاجئاً، لكنه ضروري. والسؤال الحقيقي ليس لماذا الآن، بل لماذا تأخر كل هذا الوقت؟

الإجابة بسيطة وقاسية في آن: لأن فرنسا لم تعترف يوماً بما فعلته في الجزائر.

لم تعتذر، لم تعوض، بل واصلت المراوغة والتبرير.

بينما اعترفت ألمانيا بجرائمها النازية ودفعت التعويضات وعلّمت أجيالها مسؤولية التاريخ، اختارت فرنسا طريقاً آخر: التجميل والإنكار وأحياناً الاستفزاز.

حين يصدر البرلمان الفرنسي عام 2005 قانوناً يمجد “الدور الإيجابي” للاستعمار، وحين يرفض الرئيس الفرنسي الاعتذار عن المجازر رغم الاعتراف بها، وحين تظل رفات المقاومين الجزائريين معروضة في متاحف باريس، وحين يبقى الأرشيف الوطني الجزائري محتجزاً في فرنسا.

فهذا ليس تجاهلاً للتاريخ بل استمرار له بوسائل أخرى.

القانون الجزائري جاء ليقول كلمة واضحة: كفى. الجزائر لن تنتظر اعترافاً فرنسياً قد لا يأتي أبداً. ستكتب تاريخها بنفسها، وستحمي ذاكرتها بنفسها، وستفرض روايتها على أرضها وفي مؤسساتها.

هذا ليس عداءً لفرنسا، بل استقلالاً حقيقياً متأخراً عن استقلال عام 1962.

لكن القانون ليس موجهاً لفرنسا وحدها. إنه موجه أيضاً للداخل الجزائري. للأجيال الجديدة التي لم تعش الاستعمار ولم تشهد حرب التحرير، لكنها ترى اليوم محاولات مستمرة لتزييف التاريخ.

على وسائل التواصل الاجتماعي، في بعض المنابر الإعلامية، بل وحتى في بعض الأصوات الداخلية، هناك من يحاول تلميع صورة الاستعمار، أو التشكيك في حجم الجريمة، أو الحديث عن “منافع” الاحتلال. القانون يضع حداً قانونياً لهذا الانحراف. يحمي الذاكرة الوطنية من العبث.

البعض سيقول إن هذا قمع لحرية التعبير. لكن هذا خلط متعمد بين حرية الرأي والترويج للجريمة. لا أحد يملك حرية إنكار جريمة موثقة أو تمجيد نظام قتل ملايين البشر.

تماماً كما لا يملك أحد في أوروبا حرية إنكار الهولوكوست، لا يملك أحد في الجزائر حرية تبييض الاستعمار.

القانون يطالب بثلاثة أمور واضحة: الاعتراف والاعتذار والتعويض.

وهذه ليست مطالب عاطفية، بل حقوق قانونية. الاعتراف بالجريمة خطوة أولى نحو أي علاقة طبيعية مع فرنسا.

الاعتذار الرسمي استعادة للكرامة الوطنية. والتعويض، سواء بإعادة الأرشيف أو الجماجم أو التعويضات المالية، واجب تجاه دولة نُهبت ثرواتها ودُمرت بنيتها لأكثر من قرن.

هذا القانون ليس ترفاً سياسياً أو مناورة دبلوماسية. إنه ضرورة وطنية ونفسية واستراتيجية. الجزائر لن تستطيع المضي قدماً بثقة دون أن تحسم علاقتها مع ماضيها.

ولن تستطيع بناء علاقة متوازنة مع فرنسا دون أن تفرض احترام تاريخها وذاكرتها أولاً.

القانون يقول إن الجزائر لن تساوم على كرامتها، لن تنتظر الإذن من أحد لتروي قصتها، ولن تقبل أن تُفرض عليها رواية الجلاد.

هذا ما يجعله ضرورياً. وهذا ما يجعله، رغم تأخره، قراراً شجاعاً يستحق الإشادة.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا