● الخطاب الديني في وسائل التواصل الاجتماعي: رؤية استراتيجية لضبط التأثير وحماية المرجعية
الجزائر الآن -أكد وزير الشؤون الدينية والأوقاف، الدكتور يوسف بلمهدي، أن الملتقى الوطني «الخطاب الديني في وسائل التواصل الاجتماعي»، الذي نظمته دائرته الوزارية يومي 15 و16 ديسمبر تحت شعار «الكلمة مسؤولية والتأثير رسالة».
قدشكّل محطة علمية وتقييمية مفصلية في مسار مقاربة الخطاب الديني في الفضاء الرقمي، باعتباره أحد أكثر المجالات حساسية وتأثيرًا في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها عالم الاتصال. ومبرزا بأن هذه التحولات تفرض مسؤوليات مضاعفة على الأئمة والدعاة وصنّاع المحتوى، ليس فقط من حيث مضمون الخطاب، بل من حيث انعكاساته على الوعي الجماعي والاستقرار الفكري للمجتمع.
● بلمهدي: تحصين المرجعية الدينية في زمن التأثير الرقمي
كشف الدكتور يوسف بلمهدي إلى أن اعتماد شعار «الكلمة مسؤولية والتأثير رسالة» لم يكن خيارًا شكليًا، بل ترجمة لرؤية استراتيجية واضحة تنتهجها الدولة الجزائرية في مقاربة الخطاب الديني داخل الفضاء الرقمي، قائمة على الوعي العميق بثقل الكلمة وتأثيرها المباشر في تشكيل الوعي العام وتوجيهه.
ومبرزا بأن الكلمة، بقدر ما يمكن أن تكون أداة بناء وإصلاح، قد تتحول، في حال غياب الضبط والتأطير، إلى مصدر تشويش وتهديد للقيم الدينية ووحدة المرجعية.
● تحصين الخطاب الديني… خيار استراتيجي لحماية الوعي ووحدة المرجعية
وحذّر الوزير من التداعيات الخطيرة لأي انزلاق نحو خطاب ديني منفلت، يُمارس خارج الضوابط العلمية والأطر المؤسساتية، لما يحمله من مخاطر حقيقية على صورة الدين ومقاصده السامية، وعلى تماسك المرجعية الدينية الوطنية. وأبرز أن الفضاء الرقمي لم يعد يحتمل اجتهادات فردية معزولة عن السياق العام للدولة والمجتمع، ولا قراءات مرتجلة تُنتج الارتباك بدل الهداية.
وأكد في هذا الإطار أن الخطاب الديني عبر وسائل التواصل الاجتماعي بات ملفًا ذا أبعاد استراتيجية وسيادية، يرتبط مباشرة بالأمن الفكري والسلم المجتمعي، ويُدرج ضمن مسؤوليات الدولة في حماية الوعي العام.
وهو ما يفرض، بحسبه، التزامًا صارمًا بالمرجعية الدينية الوطنية، وانفتاحًا واعيًا ومدروسًا على تحولات العصر، بما يضمن التوازن بين ثوابت الأصالة ومتطلبات التجديد، ويحفظ للدين مكانته الجامعة، ويعزّز دوره التوحيدي في بناء مجتمع متماسك ومحصّن من الانحرافات الفكرية.
● من التأطير إلى التأثير: استراتيجية الدولة لضبط الخطاب الديني الرقمي وحماية المجتمع
شدّد الوزير على أن قطاع الشؤون الدينية يولي أهمية قصوى لتأطير الخطاب الديني في الفضاء الافتراضي، باعتباره أحد رهانات المرحلة، من خلال تكريس التكوين المستمر للأئمة، ومرافقة المؤثرين في المجال الديني، وتعزيز الدور المحوري للمجالس العلمية في ضبط المرجعية وتوحيد الخطاب. وأوضح أن هذا التوجه يندرج ضمن رؤية وقائية تهدف إلى تحصين المجتمع من مظاهر الغلو والتطرف، ومواجهة كل أشكال التشويش الفكري التي قد تهدد السلم المجتمعي.
ودأعيا إلى الانتقال من منطق التحفّظ إلى منطق الاستثمار الإيجابي في وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها فضاءً واسع التأثير يمكن توظيفه في الدعوة والتوجيه وبناء الوعي، خاصة لدى فئة الشباب، عبر خطاب ديني معتدل ومسؤول، يجمع ولا يفرّق، ويبني ولا يهدم، ويستجيب لانشغالات الواقع دون الإخلال بالثوابت.
كما نوّه بمخرجات الورشات الخمس، معتبرًا إياها أرضية عملية لسياسة قطاعية متكاملة، مؤكّدًا التزام الوزارة بدراسة التوصيات والعمل على تجسيدها ميدانيًا بالتنسيق مع مختلف الشركاء، وجعل هذا الملتقى منطلقًا لمسار دائم من التكوين والتقويم والتطوير، خدمةً للدين والوطن، وترسيخًا لخطاب ديني رقمي مسؤول، مؤثر، ومواكب لتحديات المرحلة.
● الخطاب الديني في الفضاء الرقمي: مقاربة دولة لتحصين المرجعية وحماية الوعي
دعا المشاركون في الملتقى الوطني «الخطاب الديني في وسائل التواصل الاجتماعي»، الذي نظمته وزارة الشؤون الدينية والأوقاف يومي 15 و16 ديسمبر تحت شعار «الكلمة مسؤولية والتأثير رسالة»، إلى تبنّي مقاربة شاملة ومتكاملة لضبط الخطاب الديني في الفضاء الرقمي.
بما يضمن تحصين المجتمع وصون المرجعية الدينية الوطنية. وقد عكست مخرجات الملتقى، من خلال خمس ورشات متخصصة، توجّهًا استراتيجيًا واضحًا للدولة في التعامل مع التحولات العميقة التي يشهدها مجال الاتصال، وما تفرضه من رهانات فكرية ومؤسساتية مرتبطة بالأمن الفكري ووحدة الخطاب.
● المرجعية أولًا: ضبط المصطلح وإنهاء الارتجال
أكدت الورشة الأولى أن ضبط المصطلحات الشرعية والفكرية يشكّل المدخل الأساسي لأي خطاب ديني رقمي مسؤول، لما لذلك من أثر مباشر في تفادي اللبس وسوء الفهم.
ودعت إلى تفعيل الدور التأطيري للمجالس العلمية المحلية لمرافقة صناع المحتوى وضمان وحدة المرجعية، محذّرة من مخاطر الارتجال والانفلات الخطابي.
كما شددت على التحضير المسبق، والالتزام بمنهج الوسطية والاعتدال، واحترام المعايير الفنية والتقنية للإعلام الرقمي، إلى جانب التثبت من المصادر ومعالجة قضايا المجتمع بوعي ومسؤولية، في إطار قانوني وأخلاقي واضح يحفظ هيبة الخطاب الديني ومصداقيته.
● الأمن الرقمي… حماية للداعية وصون للرسالة
ركّزت الورشة الثانية على البعد الأمني والقانوني للنشاط الدعوي الرقمي، معتبرة أن تعزيز الوعي الرقمي لدى الأئمة والمؤثرين بات ضرورة ملحّة في ظل تنامي مخاطر الاختراق وسوء استغلال المعطيات الشخصية.
ودعت إلى اعتماد ممارسات رقمية آمنة، وتحصين الفاعلين في المجال الديني بحماية قانونية وجزائية فعالة ضد جرائم السبّ والقذف والتشهير والابتزاز الإلكتروني، مع تمكينهم من آليات التبليغ والمتابعة القضائية. كما شددت على أهمية توثيق الصفحات الرسمية باعتبارها أداة لحماية المصداقية ومحاربة الانتحال.
● من الأخلاق إلى التأثير: جودة المحتوى رهان المرحلة
اعتبرت الورشة الثالثة أن أخلاقيات الخطاب تمثل جوهر التأثير الحقيقي، داعية إلى الالتزام بالضوابط التعبدية والأخلاقية وابتغاء المقاصد الشرعية، مع تعزيز البعد الروحي والإيماني في المحتوى المنشور.
وأوصت بإعداد برنامج تكويني قطاعي شامل يواكب التطورات الرقمية، ويُمكّن الأئمة من أدوات الإقناع وفهم الخوارزميات وصناعة المحتوى الاحترافي.
كما شددت على توجيه الخطاب نحو فئة الشباب، واعتماد الإيجاز واللغة الإيجابية، وتجنب الخطاب المفرّق أو التشاؤمي، مع تحسين جودة الإنتاج وربط الصفحات الكبرى بمختصين، بما يعزز الاحترافية ويضاعف الأثر.
المواطنة الرقمية: الخطاب الديني في خدمة الهوية الوطنية
دعت الورشة الرابعة إلى تعميق وعي الأئمة بمفهوم المواطنة الرقمية ومخاطر الفضاء الافتراضي، مع تنظيم دورات تكوينية بمرافقة خبراء الإعلام والاتصال.
وأكدت على أهمية توظيف الخطاب الديني الرقمي في تعزيز الهوية الوطنية، والتصدي للعصبيات الرقمية وخطابات التطرف، مع تشجيع البحث والكتابة في قضايا التواصل الإلكتروني من منظور فقهي.
كما شددت على ضرورة تجديد الخطاب شكلًا ومضمونًا دون المساس بالثوابت، واعتماد منهج وسطي يبلّغ رسالة الإسلام بفعالية في سياق عالمي متغيّر.
● حوكمة الخطاب: نحو تنظيم مؤسساتي للتأثير الديني
أبرزت الورشة الخامسة البعد التنظيمي والاستشرافي للخطاب الديني الرقمي، من خلال اقتراح إنشاء الشبكة الجزائرية لصنّاع المحتوى الديني على المستوى المركزي، تضم خلايا متخصصة قانونية وفقهية وأمنية لمرافقة المؤثرين وحماية المعطيات وضمان المطابقة الشرعية والقانونية.
كما أوصت بتكثيف التكوين اللامركزي، واعتماد منهجية علمية رصينة في تناول القضايا الخلافية، وإعداد دليل مرجعي مهني وأخلاقي ينظم العمل الدعوي في الفضاء الرقمي، مع تعزيز الحماية القانونية وتوثيق الصفحات الرسمية.
بهذه المخرجات، كرّس الملتقى الوطني «الخطاب الديني في وسائل التواصل الاجتماعي» رؤية دولة تسعى إلى الانتقال من ردّ الفعل إلى الفعل الاستراتيجي، ومن المعالجة الظرفية إلى البناء المؤسسي، بما يضمن خطابًا دينيًا رقميًا منضبطًا، موحِّدًا، وقادرًا على مواكبة تحولات العصر دون التفريط في الثوابت.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة