الجزائر في المركز الثالث عربيًا بأطول ساعات العمل الأسبوعية
الجزائرالٱن _ في مشهد يعكس تباينات عميقة في أنماط العمل وثقافته عبر الوطن العربي، تحتل الجزائر المرتبة الثالثة بين الدول العربية الأعلى من حيث ساعات العمل الأسبوعية، بمعدل 42.9 ساعة، وفق بيانات صادرة عن مؤسسات دولية متخصصة في إحصاءات العمل لعام 2025.
سلطنة عمان في مقدمة الدول العربية عملًا
يضع هذا المعدل الجزائر خلف سلطنة عمان التي تتصدر القائمة بـ43.6 ساعة عمل أسبوعيًا، وليبيا التي تحتل المركز الثاني بـ43.1 ساعة.
الفارق بين الدول الثلاث ضئيل، لكن التموقع في القمة يحمل دلالات مهمة حول واقع سوق العمل والنشاط الاقتصادي.
تليها في القائمة السعودية بـ40.9 ساعة، ثم فلسطين والبحرين بـ39.5 ساعة لكل منهما، وسوريا بـ38.8 ساعة.
أما الدول الأقل من حيث ساعات العمل فهي موريتانيا (31.2 ساعة)، العراق (30.4 ساعة)، وقبلهما اليمن بـ25.5 ساعة فقط.
ساعات طويلة… لكن بأي إنتاجية؟
معدل 42.9 ساعة عمل أسبوعيًا يتجاوز المعدل القانوني المعتمد في الجزائر (40 ساعة)، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية: هل هذه الساعات الإضافية تعكس نشاطًا اقتصاديًا مزدهرًا وطلبًا على العمالة، أم أنها نتيجة لضعف الأجور الذي يدفع العمال للعمل ساعات أطول لتأمين دخل كافٍ؟
الإجابة تختلف حسب القطاعات. في القطاع الخاص، خاصة التجارة والخدمات والبناء، غالبًا ما يعمل الموظفون والعمال ساعات تفوق 45-50 ساعة أسبوعيًا، أحيانًا دون تعويضات إضافية أو حماية قانونية كافية.
أما في القطاع العام، فالالتزام بالساعات القانونية أكثر، لكن التحدي يكمن في الإنتاجية خلال هذه الساعات.
مفارقة الاجتهاد والإنتاجية
هنا تكمن المفارقة الكبرى: الجزائريون يعملون من بين أطول الساعات عربيًا، لكن الإنتاجية الاقتصادية لا تعكس هذا الجهد.
تقارير دولية متعددة تشير إلى أن الجزائر تعاني من تدني الإنتاجية مقارنة بالاقتصادات المماثلة، وهو ما يعني أن المشكلة ليست في كمية العمل، بل في نوعيته وشروطه.
العوامل المؤثرة متعددة: البيروقراطية الإدارية التي تستهلك وقتًا وجهدًا دون قيمة مضافة، ضعف التدريب المهني والتأهيل التقني، تقادم المعدات والتكنولوجيا في كثير من المؤسسات، غياب ثقافة التحفيز والمكافأة على الأداء، وضعف بيئة العمل في العديد من المنشآت.
القطاع الخاص: بين الضرورة والاستغلال
في القطاع الخاص الجزائري، ساعات العمل الطويلة غالبًا ما تكون انعكاسًا لواقع اقتصادي صعب. الأجور المتدنية في كثير من القطاعات تدفع العمال للقبول بساعات عمل أطول لتأمين دخل معيشي مقبول.
في قطاعات كالتجارة والمطاعم والبناء، يعمل الكثيرون 6 أيام أسبوعيًا بمعدل 8-10 ساعات يوميًا، أي ما يصل إلى 48-60 ساعة أسبوعيًا.
هذا الواقع يطرح قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق العمال.
فالساعات الطويلة، خاصة دون تعويضات عادلة أو ظروف عمل لائقة، تؤثر سلبًا على الصحة الجسدية والنفسية للعمال، وعلى حياتهم الأسرية والاجتماعية.
لماذا هذا التباين؟
التباين الكبير بين الدول العربية في ساعات العمل يعكس اختلافات بنيوية عميقة. اليمن بـ25.5 ساعة يعاني من حرب وأزمة اقتصادية خانقة تعني غياب فرص العمل أصلاً.
العراق بـ30.4 ساعة يواجه تحديات البطالة والفساد وضعف القطاع الخاص.
في المقابل، الدول في قمة القائمة (عمان، ليبيا، الجزائر) تشترك في معدلات نشاط اقتصادي أعلى، لكن مع فوارق نوعية. عمان لديها اقتصاد منظم ودخل نفطي مرتفع، ليبيا رغم الأزمة السياسية لديها قطاع نفطي نشط، والجزائر لديها اقتصاد متنوع نسبيًا لكنه يحتاج لإصلاحات عميقة.
القطاع غير الرسمي: الحقيقة المخفية
أحد أكبر التحديات في قراءة هذه الأرقام هو القطاع غير الرسمي، الذي يستوعب نسبة ضخمة من القوى العاملة في الجزائر.
العاملون في هذا القطاع – من باعة متجولين وحرفيين وعمال بناء وخدمات – غالبًا ما يعملون ساعات أطول بكثير من المعدل المعلن، أحيانًا تصل إلى 60-70 ساعة أسبوعيًا، دون أي حماية اجتماعية أو ضمانات قانونية.
إذا أُخذ هذا القطاع في الحسبان الكامل، فإن المعدل الحقيقي لساعات العمل في الجزائر قد يكون أعلى بكثير من 42.9 ساعة، وهو ما يفاقم مشكلة التوازن بين العمل والحياة.
التكلفة الاجتماعية والصحية
العمل لساعات طويلة له تبعات خطيرة. الدراسات الطبية تربط بين ساعات العمل الطويلة (فوق 48 ساعة أسبوعيًا) وزيادة مخاطر الأمراض القلبية، الإرهاق النفسي، الاكتئاب، واضطرابات النوم.
كما أنها تؤثر سلبًا على الحياة الأسرية وتربية الأطفال والعلاقات الاجتماعية.
بالنسبة للجزائر، هذا يعني أن شريحة واسعة من العمال تدفع ثمنًا صحيًا واجتماعيًا باهظًا مقابل ساعات العمل الطويلة، دون أن يقابل ذلك بالضرورة دخل كافٍ أو مستوى معيشي مريح.
نحو نموذج عمل أكثر توازنًا وإنتاجية
الحل ليس في تقليل ساعات العمل بشكل تعسفي، بل في إصلاح شامل لمنظومة العمل:
رفع الأجور: ضمان أجور عادلة تتيح للعامل العيش الكريم دون الحاجة لساعات إضافية مرهقة.
تطبيق القانون: تفعيل مفتشية العمل وضمان احترام الحد الأقصى للساعات والتعويض العادل عن الساعات الإضافية.
رفع الإنتاجية: الاستثمار في التدريب، التكنولوجيا، وتحسين بيئة العمل لتحقيق إنتاجية أعلى في وقت أقل.
تنظيم القطاع غير الرسمي: دمج العاملين في الحماية الاجتماعية وضمان حقوقهم.
ثقافة التوازن: تعزيز ثقافة تقدّر التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وتربط الترقية بالإنتاجية لا بساعات الحضور.
اجتهاد يحتاج لتوجيه أفضل
الجزائريون يعملون من بين أطول الساعات في العالم العربي، وهو ما يشهد على روح العمل والمثابرة. لكن هذا الاجتهاد يحتاج لأن يُترجم إلى إنتاجية حقيقية ودخل عادل ورفاه اجتماعي.
التحدي الحقيقي ليس في كمية العمل، بل في نوعيته وعدالة توزيع عوائده. الجزائر بحاجة لنموذج عمل يحترم جهد العامل، يضمن حقوقه، ويحقق التوازن بين التطلعات الاقتصادية والبعد الإنساني للعمل.
42.9 ساعة أسبوعيًا ليست مجرد رقم إحصائي، بل هي واقع يعيشه ملايين الجزائريين يوميًا، وهي تستحق سياسات أكثر عدالة وكفاءة.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة