تقرير جديد يكشف: الجزائر تتصدر المغرب العربي في جاذبية الاستثمار
الجزائرالٱن _ في تطور لافت يعكس تحولات عميقة في المشهد الاقتصادي المغاربي، نجحت الجزائر في تصدر دول المنطقة من حيث جاذبية الاستثمار، وفق مؤشر Global Attractiveness Index 2025 الصادر عن مؤسسة متخصصة في قياس قدرة الاقتصادات على استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية.
إنجاز مغاربي بامتياز
حلت الجزائر في المرتبة 78 عالميًا من أصل 146 اقتصادًا شملها التصنيف، محققة تقدمًا بمرتبة واحدة عن العام الماضي، الأهم من ذلك هو القفزة في عدد النقاط من 27.6 إلى 30 نقطة.
وهو ما يضعها على عتبة فئة الدول متوسطة الجاذبية.
هذا الأداء يمنح الجزائر صدارة إقليمية واضحة، حيث تفوقت على المغرب الذي جاء في المرتبة 85 عالميًا برصيد 27.5 نقطة، وتونس التي حلت في المرتبة 101 برصيد 23 نقطة.
الفارق بين الجزائر والمغرب قد يبدو صغيرًا رقميًا، لكنه يحمل دلالات عميقة على مستوى الاستقرار الاقتصادي الكلي والقدرة على جذب الاستثمارات في مناخ إقليمي تنافسي.
تفوق على عمالقة إفريقيا
اللافت في الأداء الجزائري أنه لم يقتصر على التفوق المغاربي فحسب، بل امتد ليشمل تجاوز اقتصادات إفريقية كبرى طالما اعتُبرت قاطرات القارة اقتصاديًا.
فقد تفوقت الجزائر على جنوب إفريقيا، العملاق الصناعي التقليدي في القارة، وعلى نيجيريا، صاحبة أكبر اقتصاد إفريقي من حيث الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى غانا وكوت ديفوار.
على المستوى القاري، تحتل الجزائر المرتبة الثانية إفريقيًا مناصفة مع مصر، خلف موريشيوس التي تتصدر القارة.
هذا التصنيف يضع الجزائر ضمن ثلاثة اقتصادات إفريقية فقط في فئة الجاذبية المتوسطة، وهو إنجاز يستحق التوقف عنده في قارة تضم 54 دولة.
عوامل النجاح: إصلاحات هيكلية وانتعاش صناعي
يعزو التقرير هذا الأداء الإيجابي إلى مجموعة من العوامل المتشابكة التي عملت الحكومة الجزائرية على تطويرها خلال السنوات الأخيرة.
في المقدمة يأتي الاستقرار الاقتصادي الكلي، وهو العامل الذي يمثل البوابة الأولى لثقة المستثمرين. فالتوازنات المالية والنقدية، رغم التحديات الناجمة عن تقلبات أسعار النفط، أظهرت صلابة نسبية.
الإصلاحات القطاعية شكلت المحور الثاني، حيث شهدت قطاعات عديدة إعادة هيكلة وتحديثًا للأطر التنظيمية والقانونية، بما يتماشى مع المعايير الدولية لمناخ الأعمال.
هذه الإصلاحات لم تكن مجرد تعديلات تشريعية، بل امتدت لتشمل تبسيط الإجراءات وتقليص البيروقراطية التي طالما شكلت عائقًا أمام المستثمرين.
الانتعاش الصناعي يمثل البعد الثالث، وهو ما يعكس جهود التنويع الاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد شبه الكلي على المحروقات.
القطاع الصناعي شهد نموًا ملحوظًا في عدة مجالات، من الصناعات الغذائية إلى الصناعات الميكانيكية والإلكترونية، مع استثمارات كبيرة في البنية التحتية الصناعية.
ديناميكية اقتصادية استثنائية
من أبرز ما كشفه التقرير حصول الجزائر على المرتبة 19 عالميًا في مؤشر الديناميكية الاقتصادية، وهو إنجاز استثنائي يضعها في مصاف الاقتصادات الأكثر حركة ونشاطًا على مستوى العالم.
هذا المؤشر يقيس مستوى النشاط الاقتصادي، حجم الاستثمارات العامة والخاصة، وسرعة التحولات الهيكلية.
هذه الديناميكية تعني أن الاقتصاد الجزائري ليس ساكنًا أو راكدًا، بل يشهد حركة استثمارية وتجارية متسارعة، ما ينعكس على مستويات النمو وخلق فرص العمل والتحولات القطاعية.
تحديات الاستدامة والرؤية المستقبلية
لكن الصورة ليست وردية تمامًا. فالتقرير يكشف عن نقاط ضعف جوهرية يجب معالجتها لضمان استدامة هذا الأداء.
على صعيد التوجه المستقبلي، حلت الجزائر في المرتبة 98 عالميًا، وهو ترتيب متواضع يشير إلى محدودية في القدرة على الابتكار والاستثمار في التعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا المتقدمة.
أما على صعيد الاستدامة، فقد جاءت الجزائر في المرتبة 69، وهو ما يعكس التحدي الأكبر: الاعتماد الهيكلي على المحروقات.
فرغم جهود التنويع، لا تزال عائدات النفط والغاز تمثل العمود الفقري للموازنة العامة والاحتياطات الأجنبية، ما يجعل الاقتصاد عرضة لصدمات أسعار الطاقة العالمية.
معايير علمية صارمة
يعتمد مؤشر Global Attractiveness Index على منهجية علمية صارمة، حيث يقيّم 50 مؤشرًا دوليًا من مصادر موثوقة كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، موزعة على أربعة محاور رئيسية: الانفتاح الاقتصادي، الابتكار، الموارد، والكفاءة.
التقييم يشمل 146 اقتصادًا تمثل 95% من سكان العالم و99% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ما يمنح نتائجه مصداقية عالية.
كما يخضع المؤشر لمراجعة مستقلة من مركز المؤشرات المركبة التابع للمفوضية الأوروبية.
الأقطاب التقليدية تحافظ على صدارتها
على الصعيد العالمي، حافظت الولايات المتحدة على صدارتها بنقاط كاملة (100)، تليها الصين بـ87.7 نقطة، ثم ألمانيا بـ81.4 نقطة، فسنغافورة بـ80.9 نقطة، واليابان بـ78.8 نقطة.
هذا التصنيف يعكس استمرار هيمنة الأقطاب الاقتصادية التقليدية على المشهد الاستثماري العالمي.
الطريق إلى الأمام
الأداء الجزائري في هذا التصنيف يمثل نقطة انطلاق وليس محطة وصول. فالانتقال من 27.6 إلى 30 نقطة خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن القفزة الحقيقية تتطلب معالجة التحديات الهيكلية العميقة، وفي مقدمتها:
تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي وتقليص الاعتماد على المحروقات، الاستثمار الجاد في التعليم والبحث العلمي والابتكار، تعزيز بيئة الأعمال وتشجيع ريادة الأعمال، وتطوير البنية التحتية الرقمية والتكنولوجية.
هذا التصدر الإقليمي والتفوق على اقتصادات إفريقية كبرى يمنح الجزائر زخمًا معنويًا وثقة إضافية في قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
لكن تحويل هذا الزخم إلى نمو اقتصادي مستدام وشامل يتطلب استمرار الإصلاحات وتعميقها، وتجاوز المعوقات البنيوية التي لا تزال تحد من الإمكانات الهائلة للاقتصاد الجزائري.
في نهاية المطاف، هذه النتائج تضع الجزائر على الخريطة الاستثمارية العالمية بشكل أكثر وضوحًا، وتفتح أمامها فرصًا جديدة لتعزيز مكانتها كوجهة استثمارية واعدة في منطقة تشهد تحولات اقتصادية وجيوسياسية عميقة.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة