ستورا يدعو لإعادة إطلاق ورشة الذاكرة بين الجزائر وفرنسا
الجزائر الآن _ أكد المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، رئيس الجانب الفرنسي من اللجنة المشتركة للمؤرخين، على أهمية استئناف عمل “ورشة الذاكرة” بين الجزائر وفرنسا بعد توقفها منذ صيف 2024، مشددًا على أن معالجة آثار الاستعمار لم تعد مجرد خيار سياسي، بل أصبحت ضرورة حتمية تفرضها التحولات الاجتماعية والسياسية في البلدين.
وأوضح ستورا في مقال نشرته صحيفة “لاكروا” أن كلما اتسعت مشاركة أبناء هذا التاريخ في الحياة العامة، تقلّ إمكانية إنكار الماضي ويتراجع منطق الصمت، فيما تجاهل الجروح التاريخية لا يؤدي إلا إلى استمرار آثارها على العلاقات الثنائية.
أزمة ثقة مستمرة بين البلدين
رغم الإفراج عن الكاتب الجزائري بوعلام صنصال وتطلع فرنسا إلى الإفراج عن الصحافي كريستوف غليز عقب جلسة الاستئناف، يرى ستورا أن هذه الخطوات غير كافية لاستعادة الثقة المفقودة.
وقد أكد القضاء الجزائري خلال جلسة استئناف بمحكمة تيزي وزو حكم السجن لمدة سبع سنوات بحق غليز على خلفية قضية تتعلق بـ”الإشادة بالإرهاب”، وهو ما أثار استياء فرنسا التي أعربت عن أسفها العميق، مع تكرار الدعوة للإفراج عن الصحافي وتمكينه من العودة إلى أسرته، رغم التعاون القانوني والدفوعات المقدمة من محاميه.
الجرح العميق للذاكرة الجزائرية
يشدد ستورا على خصوصية التاريخ الجزائري، مشيرًا إلى أن الجزائر لم تكن مجرد مستعمرة عادية، بل تم ضمها في القرن التاسع عشر عبر “ثلاث محافظات داخلية” بعد حرب غزو طويلة استمرت أكثر من خمسين عامًا، وما رافقها من استعمار استيطاني مكّن الرواية الفرنسية من الترويج لفكرة “المهمة الحضارية”، بينما سعت الرواية الجزائرية إلى التركيز على المقاومة واستعادة الهوية الوطنية.
هذا التناقض بين السردتين التاريخيتين يجعل الجرح مفتوحًا ويعقد إمكانية التفاهم بين البلدين، بحسب ستورا.
العودة إلى الجذور كخطوة أساسية
يرى المؤرخ الفرنسي أن معالجة الخلافات الراهنة تتطلب العودة إلى جذور النزاع، أي حرب الغزو في القرن التاسع عشر، والتي لم تُدرس بما يكفي في المدارس، ولم تُعرض في السينما أو التلفزيون، على عكس تجارب بعض الدول الأخرى مع تاريخها الاستعماري.
ويشير ستورا إلى أن مشروع ورشة الذاكرة بدأ منذ مطلع الألفية لكسر “حصار النسيان”، لكنه توقف فجأة مع الأزمة الدبلوماسية الأخيرة، في وقت تتزايد فيه الحاجة لمواصلة العمل مع صعود أجيال جديدة من أبناء الهجرة المغاربية في فرنسا الباحثين عن جذورهم وهويتهم.
إعادة إطلاق الورشة… خيار استراتيجي
أكد ستورا أن الضغوط الاجتماعية والسياسية ستجبر القيادات الفرنسية على مواجهة الماضي، وأن الإهمال السياسي لن يدوم طويلاً، خاصة مع تزايد عدد المسؤولين الذين يتحدرون من خلفية تاريخية مرتبطة بالاستعمار.
وختم بتأكيد أن العمل المشترك على ملف الذاكرة، المجمد منذ صيف 2024، يجب إعادة إطلاقه إذا أرادت الجزائر وفرنسا بناء علاقات مستقرة وواقعية تتجاوز الجروح القديمة.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة