آخر الأخبار

الجزائر داخل المنظومة الإفريقية: شرعية مؤسساتية تعيد تشكيل هندسة القرار القاري

شارك
بواسطة محمد بلقور
مصدر الصورة
الكاتب: محمد بلقور

الجزائر داخل المنظومة الإفريقية: شرعية مؤسساتية تعيد تشكيل هندسة القرار القاري

الجزائر الآن _ يشير عدد من المختصين في الشؤون الدبلوماسية والإفريقية إلى أن القارة تعيش اليوم مرحلة حساسة من إعادة تشكيل الفعل السياسي والمؤسساتي، حيث لم يعد مقبولاً التعويل على المبادرات الفردية أو التحركات المعزولة خارج الأطر الرسمية المعتمدة.

مصدر الصورة

وفي هذا السياق، بات واضحاً أن الفاعلين المؤثرين هم أولئك الذين يشتغلون ضمن منظومة الاتحاد الإفريقي، ويستندون إلى قرارات قارية ملزمة، ما سمح للجزائر بتحقيق حضور متقدم وفاعل في توجيه النقاشات وصناعة القرار القاري.

الجزائر نموذجًا للالتزام المؤسساتي داخل الاتحاد الإفريقي

تجسدت هذه المقاربة بشكل واضح خلال الفعاليات التي احتضنتها الجزائر مؤخراً، وفي مقدمتها المؤتمر الدولي حول جرائم الاستعمار في إفريقيا، والندوة رفيعة المستوى حول السلم والأمن المعروفة بـ”مسار وهران”.

الحدثان معًا يعكسان توجهًا استراتيجيًا قائمًا على الشرعية المؤسسية، وهو ما جعل الجزائر نقطة ارتكاز في النقاشات الكبرى المرتبطة بإدارة الذاكرة التاريخية وتعزيز منظومة الأمن الجماعي داخل القارة.

المؤتمر الدولي حول جرائم الاستعمار: نحو عدالة تاريخية تستند إلى قرارات قارية

جاء المؤتمر الدولي حول جرائم الاستعمار استجابة لقرار الاتحاد الإفريقي رقم 903 (فبراير 2025)، وبهذا فهو ليس مبادرة خطابية أو حركة علاقات عامة، بل التزام فعلي بمسار قاري متكامل يهدف إلى جبر الضرر واستعادة الذاكرة التاريخية للأفارقة ومنحدري الأصول الإفريقية.

مصدر الصورة

ويرى الخبراء أن الجزائر بهذا النهج تساهم في بناء مقاربة إفريقية مستقلة في التعامل مع الذاكرة الاستعمارية، بعيدًا عن الارتجالية أو الخطاب العاطفي، الأمر الذي يعزز موقعها كطرف فاعل يحظى بالمصداقية والثقة.

“مسار وهران”: منصة حقيقية لصانعي القرار لا مجرّد منتدى للنقاش الدبلوماسي

منذ 2013، أصبح “مسار وهران” نقطة تلاقي بين أعضاء مجلس السلم والأمن الإفريقي (CPS) والمجموعة الإفريقية داخل مجلس الأمن الدولي (A3)، وتم تثبيته كآلية دائمة سنة 2022.
وتشير المعطيات الدبلوماسية إلى أنّ الفعالية لم تعد مجرد مساحة للتصريحات، بل تحولت إلى غرفة تنسيق مصغّرة لصناع القرار الأمني والاستراتيجي في القارة، ما عزز موقع الجزائر كوسيط فاعل في معالجة ملفات السلم والأمن الإقليمي.

رصيد تاريخي يدعم حضورًا دبلوماسيًا معاصرًا

لا يمكن قراءة الحضور الجزائري الحالي بمعزل عن الإرث التاريخي للسياسة الخارجية الجزائرية منذ ستينيات القرن الماضي، حين احتضنت الجزائر حركات التحرر الإفريقية وقدمت نفسها كحاضنة سياسية للنضال من أجل الاستقلال.
اليوم، يتم تحديث ذلك الإرث داخل منظومة مؤسساتية حديثة، وضمن أسلوب دبلوماسي هادئ، متزن، وناضج.

مصدر الصورة

المقاربة الجزائرية مقابل المبادرات غير المؤسسية

في المقابل، برزت مبادرات أخرى في القارة، مثل المؤتمر الذي استضافه المغرب حول “ضحايا الإرهاب”، والذي اتسم بطابع محدود من حيث التمثيل الرسمي ـ حيث كانت المشاركة الأممية فيه على مستوى نيابي ـ ما كشف عن قصور هذه النقاشات خارج الأطر المؤسسية للاتحاد الإفريقي.
هذا التباين لا يتصل بالمحتوى بقدر ما يتصل بالموقع المؤسساتي:
من يعمل داخل المنظومة القارية يمتلك القدرة على صناعة التأثير، أما من يتحرك خارجها فيظل تأثيره محدودًا.

الصحراء الغربية: مثال على ثبات المقاربة القانونية

ضمن هذا السياق، تحافظ الجزائر على موقفها الدبلوماسي الثابت تجاه الصحراء الغربية، استنادًا إلى قرارات الأمم المتحدة ومبدأ تقرير المصير.
هذا الموقف—الهادئ في الخطاب، الصارم في المرجعية القانونية—يساهم في ترسيخ صورة الجزائر كفاعل يشتغل بمنطق الشرعية لا بمنطق الاصطفاف السياسي.

إن الحضور الجزائري المتزايد في إفريقيا لا يأتي من زخم إعلامي أو استعراض سياسي، بل من موقع قانوني ومؤسساتي داخل الاتحاد الإفريقي، ما يجسد معادلة واضحة:
الشرعية تصنع القرار، ومن يمتلكها يصبح مرجعًا في صياغة مستقبل القارة.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا