آخر الأخبار

رخصة الشحن الاستثنائية رؤية عملية لضمان الاستقرار التجاري

شارك

في ظل التحولات التي تشهدها السياسة الاقتصادية الجزائرية، خاصة في مجال التجارة الخارجية، أثار قرار منح رخصة استثنائية لتسديد مصاريف الشحن دون باقي عمليات الاستيراد العديد من التساؤلات حول دوافعه الاقتصادية وانعكاساته على الاستثمار والتنافسية، للتعمق في هذا الموضوع، التقت “الإخبارية” بالخبير الاقتصادي قاشي عبد النور، الذي سلط الضوء على الأبعاد الاستراتيجية لهذا الإجراء، وقدم رؤية شاملة حول البدائل الممكنة لتحقيق التوازن بين حماية الاحتياطي النقدي وضرورة انفتاح الاقتصاد على التجارة الدولية.

ـ ما هي الدوافع وراء منح رخصة استثنائية دون باقي عمليات الاستيراد؟

منح رخصة استثنائية تخص مصاريف الشحن فقط دون باقي عمليات الاستيراد يعكس رغبة السلطات العمومية في الحفاظ على انسيابية حركة السلع الأساسية وفي الوقت نفسه التحكم في تدفقات العملة الصعبة. فهناك اعتبارات اقتصادية عملية تبرر استثناء الشحن من القيود، لأنه يمثل الحلقة الأولى لضمان الاستقرار في السوق.

وفي سياق التغيرات التي تعرفها التجارة الخارجية الجزائرية، برز مؤخرا قرار منح رخصة استثنائية لتسديد مصاريف الشحن دون باقي عمليات الاستيراد. هذا الإجراء يعكس، وفق المتتبعين، توجها نحو تسيير مرن للمعاملات المالية يوازن بين متطلبات التموين الوطني ورهانات التحكم في العملة الصعبة.

السلطات تدرك أن كلفة الشحن تشكل الحلقة المحورية في حركة السلع، وأن تعطيلها يؤدي مباشرة إلى اضطراب السوق، ومن ثم، فإن استثناءها يعبر عن رؤية عملية لا تهدف إلى التضييق بل إلى ضمان الاستقرار التجاري.

ـ هل هذا الإجراء يعكس ضغوطا على احتياطي النقد الأجنبي، أم هو مجرد تبسيط للإجراءات؟

الجزائر تمتلك حاليا احتياطات مريحة بفعل تحسن مداخيل المحروقات والصادرات خارج المحروقات. ومن جهة أخرى، تعتمد الدولة سياسة “الرقابة الذكية” على تدفقات العملة الصعبة لتفادي العودة إلى ممارسات الاستيراد العشوائي التي كانت تستنزف عدة مليارات سنويا.

إذن الإجراء وقائي وتنظيمي يهدف لإبقاء قناة الشحن مفتوحة، مع استمرار الرقابة على العمليات ذات الطابع التجاري والمالي، مما يجعل الإجراء أقرب إلى سياق “الرقابة الوقائية” منه إلى سياسة تقشفية.

ـ ما تأثير استمرار نظام التوطين البنكي الإلزامي على تنافسية الاقتصاد الجزائري وجاذبيته للاستثمار؟

نظام التوطين البنكي الإلزامي يبقى مفيدا اقتصاديا للدول خاصة لمحاربة تضعيف الفواتير التي كبدت سابقا خسائر فادحة، لكنه اليوم بات يطرح تحديات تنافسية ويجب البحث عن حلول أخرى لتفادي إطالة أجال المعاملات التجارية مقارنة بدول الجوار، رفع تكاليف الاستيراد بسبب البطء والإجراءات الإضافية، وتقليص جاذبية السوق الجزائرية أمام المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن مرونة أكبر في التحويلات.

وتطوير كل هذا يؤدي إلى تقوية القدرة التفاوضية للمؤسسات الجزائرية ويسرع من سرعة تزويدها بالمواد الأولية وقطع الغيار، ما يؤثر على الإنتاج المحلي نفسه والدخل الوطني الخام.

ـ ما هي البدائل لتنظيم الاستيراد دون تقييد حركة رأس المال والتجارة؟

هناك عدة بدائل عملية ومجربة عالميا، أولا: رقمنة كاملة للتجارة الخارجية، باعتماد منصة موحدة تتعامل فيها الجمارك والبنوك ووزارة التجارة، ما يلغي التوطين الورقي ويسرع الإجراءات، وثانيا: نظام “الاستيراد حسب الحاجة الصناعية، ربط الاستيراد مباشرة بمخططات الإنتاج، وليس بقوائم إدارية ثابتة، وثالثا: اعتماد نظام المخاطر، التحقق من المتعاملين المشبوهين فقط، وتسهيل المعاملات للمتعاملين الموثوقين، أما رابعا تخفيض الاعتماد على الإدارة المركزية من خلال اعتماد “النافذة الواحدة” يقلص التدخل اليدوي ويرفع الشفافية.

هذه البدائل تحافظ على الرقابة دون خنق المبادرة الاقتصادية أو إطالة آجال التجارة. ولهذا ولمواجهة هذه الوضعية دون المساس بالسيادة المالية، يبرز خيار الرقمنة الشاملة، واعتماد نظام المخاطر، وربط الاستيراد بالحاجيات الحقيقية للإنتاج، كبدائل فعالة قادرة على تأمين رقابة ذكية دون تعطيل حركة التجارة.

ـ كيف يمكن تحقيق التوازن بين حماية الاحتياطي النقدي وضرورة الانفتاح على التجارة الدولية؟

تحقيق التوازن يتطلب مقاربة مزدوجة تجمع بين التحفظ والانفتاح وذلك عبر توجيه الدعم لاستيراد المواد الأولية وسلاسل الإنتاج وليس المنتجات الجاهزة الاستهلاكية، مواصلة سياسة إحلال الواردات من خلال تطوير الصناعة المحلية، مراقبة الفواتير المبالغ فيها عبر الرقمنة والتعاون الجمركي الدولي لتفادي التضخيم، تخفيف القيود على مواد الإنتاج والتجهيز، تحسين مناخ الأعمال لجذب الشركات الأجنبية المنتجة، وتكوين شبكة لوجيستية وتجارية تسمح بتقليص تكاليف الاستيراد والتصدير.

هذه المقاربة تمنح الجزائر القدرة على ترشيد الصرف دون السقوط في منطق الانغلاق، وتحافظ في الوقت نفسه على ديناميكية السوق وتنافسية الاقتصاد.

هكذا فقط يمكن للاقتصاد الجزائري أن يحقق المعادلة الصعبة بين التحكم في العملة الصعبة وتعزيز الديناميكية الاقتصادية التي يحتاجها لتحقيق الإقلاع الحقيقي.

الإخبارية المصدر: الإخبارية
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا