آخر الأخبار

الجزائريون لا يقرؤون!

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائريون لا يقرؤون!

الجزائرالٱن _ تمتلئ قاعات معرض الكتاب الدولي بالزوار، وتتصدر صور الإقبال الكبير صفحات التواصل الاجتماعي، وتحتفل وسائل الإعلام بنجاح الحدث الثقافي الأبرز في الجزائر. لكن خلف هذا المشهد الاحتفالي، تروي الأرقام قصة مختلفة تمامًا: الجزائريون لا يقرؤون.

المرتبة 88 عالميًا: رقم لا يكذب

وفقًا لبيانات منصة World Population Review لعام 2024، تحتل الجزائر المرتبة الثامنة والثمانين عالميًا في معدلات القراءة، بمتوسط لا يتجاوز 2.83 كتاب للفرد سنويًا، أي أقل من ثلاثة كتب طوال العام. وهذا يعني أن الجزائري العادي يقضي 65 ساعة فقط في القراءة سنويًا، أي أقل من 11 دقيقة يوميًا.

للمقارنة، يقرأ الأمريكي 17 كتابًا في السنة، ويخصص نحو 58 دقيقة يوميًا للقراءة. أما الهندي فيقرأ 16 كتابًا، والبريطاني 15 كتابًا، والفرنسي 14 كتابًا. حتى المتوسط في الدول المتقدمة يقترب من 11 كتابًا سنويًا، أي أربعة أضعاف ما يقرؤه الجزائري.

متأخرون عربيًا وإفريقيًا

الوضع لا يتحسن كثيرًا عند النظر إلى المحيط الإقليمي. فالجزائر تحتل المرتبة العاشرة عربيًا، متأخرة عن مصر التي تتصدر القائمة بـ5.41 كتاب للفرد، وعن سوريا ولبنان والبحرين والأردن وعُمان والكويت والمغرب وقطر. المتوسط العربي يبلغ 3.26 كتاب سنويًا، والجزائر تقف أسفل هذا المتوسط.

أما إفريقيًا، فالجزائر في المرتبة الحادية عشرة، متخلفة عن جنوب إفريقيا ومصر وكينيا وموريشيوس وناميبيا والنيجر وزيمبابوي وأنغولا وإثيوبيا والمغرب. المتوسط الإفريقي 4.03 كتب، والجزائر لا تصل إليه.

الفجوة بين المشهد والواقع

كيف نفسر هذا التناقض الصارخ؟ كيف تنجح معارض الكتاب وتزدهر دور النشر، بينما لا يقرأ الجزائري؟

الإجابة تكمن في الفرق بين الحدث الثقافي والسلوك اليومي. معرض الكتاب حدث سنوي، احتفال، مناسبة اجتماعية. يزوره الناس، يلتقطون الصور، يشترون بعض الكتب أحيانًا. لكن القراءة الحقيقية لا تحدث في المعارض، بل في البيوت، في وسائل النقل، في أوقات الفراغ. وهنا تختفي الكتب.

المشكلة أعمق من مجرد أرقام. إنها في المدرسة التي تحول القراءة إلى واجب ممل مرتبط بالامتحانات، فينقطع الرابط بعد التخرج. في سعر الكتاب الذي يبقى مرتفعًا مقارنة بالقدرة الشرائية. في ندرة المكتبات العمومية وضعف انتشارها. في هيمنة المحتوى الرقمي السريع على مواقع التواصل الاجتماعي الذي يلتهم الوقت والانتباه. وفي الأمية الوظيفية التي تجعل التعامل مع النصوص الطويلة مهمة شاقة لفئات واسعة.

ليست قضية ثقافية فقط

الدول التي تتصدر مؤشرات القراءة لا تفعل ذلك لأنها تحب الثقافة أكثر، بل لأنها بنت اقتصادًا معرفيًا يعتمد على القراءة والبحث والابتكار. قراءة 11 كتابًا سنويًا ليست ترفًا، بل جزء من بنية إنتاجية مترابطة. ومعدلات القراءة ترتبط مباشرة بجودة التعليم العالي، والابتكار، وبراءات الاختراع، والقدرة التنافسية.

الجزائر، بحجمها الديموغرافي وتاريخها الثقافي وحضورها الجامعي، تقف في موقع تحتله دول ذات دخل أقل وبنى أضعف، لكنها تقرأ أكثر. هذا يعني أن المشكلة ليست في الإمكانيات، بل في الأولويات والسياسات.

الحل يبدأ من اليوم

المرتبة 88 ليست حكمًا نهائيًا، بل نقطة انطلاق. الأرقام تصرخ بضرورة التحرك: إصلاح تعليم القراءة في المدارس، بناء مكتبات عمومية حديثة، دعم صناعة النشر والترجمة، تخفيض أسعار الكتب، وإدماج القراءة في الحياة المهنية والاجتماعية.

معرض الكتاب وحده لن يصنع قراء. الحاجة إلى سياسة ثقافية شاملة تحول القراءة من حدث سنوي إلى ممارسة يومية. والوقت ليس في صالحنا، فالفجوة مع العالم تتسع، والاقتصاد المعرفي لا ينتظر المتأخرين.

الجزائريون لا يقرؤون. وهذه ليست إهانة، بل حقيقة يجب الاعتراف بها لنبدأ في تغييرها.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا