آخر الأخبار

التكنولوجيا والتربية في الجزائر: التفكك الصامت داخل الأسرة الجزائرية

شارك
بواسطة محمد بلقور
مصدر الصورة
الكاتب: محمد بلقور

التكنولوجيا والتربية في الجزائر: التفكك الصامت داخل الأسرة الجزائرية

الجزائرالٱن _ يشهد المجتمع الجزائري تحولات سريعة فرضها الانتقال الرقمي خلال العقد الأخير، وهو تحوّل أعاد تشكيل علاقات الأسرة وممارساتها التربوية.

ويشير المختصون إلى وجود فجوة واضحة بين جيل الأطفال المتقن للتكنولوجيا وجيل الأولياء الذي يواجه صعوبة في مواكبة الإيقاع الجديد.

هذه الفجوة لا تعبّر فقط عن اختلاف معرفي، بل عن تراجع وظيفة التواصل داخل الأسرة، وظهور أنماط جديدة من التوتر التربوي.

وتسجّل الأدبيات السوسيولوجية بروز ما يوصف بـ”صراع الأجيال الرقمي”، وهو صراع غير مباشر ناتج عن تباين المرجعيات والقيم وطرائق الفهم والتفاعل مع العالم، خصوصًا مع دخول الأطفال مرحلة المراهقة.

ثريا تيجاني: اهتزاز النموذج التربوي التقليدي

توضح الأستاذة الدكتورة ثريا تيجاني، رئيسة المنظمة الوطنية للتوجيه والتربية الأسرية وأستاذة التعليم العالي بقسم علم الاجتماع والديموغرافيا بجامعة الجزائر 2، استنادًا إلى خبرتها الأكاديمية والميدانية، لصحيفة “الجزائر الآن” الإلكترونية، أن النموذج التربوي التقليدي لم يعد قادرًا على الاستجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة.

ويتمثل ذلك في:

• تراجع فعالية الأساليب التربوية القديمة أمام التأثير الرقمي.

• توسع السلوكيات اللامنضبطة لدى بعض الأطفال نتيجة ضعف الرقابة النوعية.

• محدودية قدرة الأسرة على ضبط النسق التربوي بسبب تغير سلّم القيم وغياب التناغم بين الأجيال.

وترى أن الأمر لا يتعلق بانهيار التربية، بل بعدم ملاءمة الأدوات التقليدية للبيئة الرقمية الجديدة.

التكنولوجيا: عامل مؤثر مزدوج

كما تحدد أن التكنولوجيا عامل أساسي يعيد تشكيل شخصية الطفل الجزائري عبر تأثيرين متوازيين:

أ. التأثيرات الإيجابية

• تسريع نمو القدرات الذهنية.

• توسيع دائرة المعرفة.

• تعزيز مهارة الوصول إلى المعلومة والتحليل المبكر.

ب. التأثيرات السلبية

• خلق وعي قائم على المحتوى الافتراضي بدل الواقع.

• الحد من التفاعل الاجتماعي المباشر.

• تصديق المعلومات الرقمية دون تقييم أو غربلة.

وتنبّه إلى أن الطفل يندمج في عالم منفصل داخل نفس المنزل، ما يضعف الروابط العائلية ويعيد تعريف مفهوم العزلة.

الضغوط النفسية لدى الأولياء: تشخيص الأسباب

تسجّل الدكتورة تيجاني ارتفاعًا في مستوى الضغط النفسي الذي يعاني منه الأولياء نتيجة عوامل مترابطة، أبرزها:

• ضعف القدرة على اتخاذ القرار التربوي المناسب.

• الشعور بعدم الجهوزية للتعامل مع الطفل الرقمي.

• استهلاك غير مدروس للمحتوى التربوي عبر الإنترنت، ما يزيد الالتباس.

• تأثير المقارنة الاجتماعية بين الطبقات.

• غياب الحضور التربوي الفعلي داخل المنزل.

وتوضح أن هذه العناصر تقلّل من فعالية الدور الأبوي في قيادة عملية التربية.

التفكير النقدي: محور استراتيجي لتهيئة الجيل الجديد

تؤكد أن بناء القدرة على التفكير النقدي لدى الطفل يمثل مدخلًا أساسيًا لضمان توازنه داخل البيئة الرقمية. وتشدد على شرطين رئيسيين:

1. القدوة: السلوك المنزلي النموذجي هو المصدر الأول للتعلم.

2. التواصل الراقي: التصحيح التربوي يجب أن يتم بهدوء واحترام لضمان الاستقرار العاطفي.

وتعتبر التفكير النقدي أسلوب حياة أكثر منه تقنية تعليمية.

التفكك الأسري الصامت: أحد أخطر المخرجات

تحدد الأستاذة تيجاني “التفكك الصامت” كأحد أبرز التحديات، ويتمثل في:

• انخفاض الزيارات العائلية إلى مستويات غير مسبوقة.

• هيمنة الهاتف الذكي كأداة اتصال بدل اللقاء المباشر.

• وجود أفراد الأسرة في مكان واحد لكن داخل عوالم مختلفة.

وتصف هذا الوضع بأنه تفكك غير معلن يحدّ من دور الأسرة في بناء الاستقرار النفسي والاجتماعي للأطفال.

توصيات استراتيجية لإعادة بناء التوازن التربوي

تعرض الدكتورة مجموعة من المفاتيح العملية التي يمكن أن تشكل أساسًا لاستراتيجية وطنية في مجال التربية الأسرية:

• إعادة الاعتبار للدور القيمي للأسرة.

• ضبط استخدام التكنولوجيا دون منعها.

• تعزيز الحوار اليومي داخل المنزل.

• ترسيخ القدوة السلوكية بوصفها المرجع الأول للطفل.

• إحياء العادات الإيجابية مثل الجلسات العائلية المنتظمة.

وتعتبر هذه العناصر جزءًا من مشروع تربوي قادر على حماية الجيل القادم من آثار التفكك الرقمي.

وترى أن مستقبل التربية في الجزائر مرهون بقدرة الأسرة على إدارة التكنولوجيا لا مقاومتها، واحتواء الطفل لا تركه للفضاء الرقمي.

وتؤكد أن المنظمة الوطنية للتوجيه والتربية الأسرية تعمل ضمن هذا الإطار باعتبارها مبادرة اجتماعية تهدف إلى دعم الأسرة الجزائرية وتحصينها تربويًا في مرحلة مليئة بالتحولات.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا