آخر الأخبار

ملف خاص| الجزائر على أعتاب ثورة طاقوية جديدة

شارك
بواسطة محمد بلقور
مصدر الصورة
الكاتب: محمد بلقور

● الجزائر على أعتاب ثورة طاقوية جديدة

الجزائر الآن _ تشهد الجزائر اليوم تحوّلاً استراتيجياً عميقاً في منظومتها الطاقوية، يعبّر عن انتقال تدريجي ومدروس من نموذج يعتمد على المحروقات إلى اقتصاد طاقوي متنوع قائم على الموارد المتجددة والتكنولوجيات النظيفة.

ويأتي هذا التحول في إطار رؤية وطنية كبرى يقودها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تمتد إلى أفق 2050، وتهدف إلى بناء اقتصاد طاقوي مرن، مبتكر، ومستدام، يواكب التحولات العالمية ويؤسس لنهضة صناعية جديدة.

ويجمع الخبراء على أنّ هذه الرؤية تمثّل أكبر إعادة هيكلة يشهدها القطاع الطاقوي منذ الاستقلال، من خلال الفصل المؤسسي بين قطاعي المحروقات والطاقات المتجددة.

وإعطاء كل قطاع هوية تنفيذية واستراتيجية خاصة به، مع تعزيز دور وزارة الطاقات المتجددة كقطب وطني متخصص في تطوير مشاريع الطاقة النظيفة.

مصدر الصورة

● عجال: التخطيط الاستباقي والتنسيق المحكم ضمانة لأمن الطاقة واستدامتها في الجزائر

أكد وزير الطاقة والطاقات المتجددة، مراد عجال، أنّ التخطيط الاستباقي والتنسيق المحكم بين مختلف هيئات القطاع يشكلان حجر الأساس لضمان تزويد المواطنين والمؤسسات العمومية بطاقة آمنة ومنتظمة، مشيدًا بالنتائج الإيجابية التي تحققت خلال صيف 2025 بفضل التعاون الوثيق بين الوزارة ومجمّع سونلغاز.

هذا و يؤكد الخبراء أن رهان رفع حصة الطاقات المتجددة إلى 27 في المائة من إنتاج الكهرباء بحلول عام 2030 يعكس إرادة سياسية واضحة لدى الحكومة الجزائرية لتقليص البصمة الكربونية وتعزيز استدامة الموارد الوطنية، في ظل التحولات العالمية المتسارعة نحو الطاقة النظيفة.

وقد ترافق هذا المسار مع إطلاق مشاريع استراتيجية في مجال الهيدروجين الأخضر ، الذي من المنتظر أن يجعل من الجزائر فاعلًا محوريًا في السوق الطاقوية العالمية الجديدة ، لاسيما مع تزايد الاهتمام الدولي بالطاقات البديلة.

وكان الوزير عجال قد شدد على أن التحول الطاقوي في الجزائر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقطاع المناجم ، باعتباره دعامة صناعية أساسية لتوفير المواد الأولية اللازمة لتكنولوجيات الطاقات المتجددة.

مصدر الصورة

كما دعا إلى مواصلة تطوير الشبكات وتحسين مردودية الإنتاج والنقل والتوزيع ، مع إيلاء أهمية خاصة لمشاريع الطاقات المتجددة التي تُعد ركيزة أساسية في مسار الانتقال الطاقوي الوطني، وضمانة لتأمين احتياجات البلاد المستقبلية من الطاقة.

ويحدث هذا ،في ظل التحولات العميقة التي يشهدها القطاع الطاقوي الجزائري ، حيث تتجه الجزائر بخطى ثابتة نحو تنويع مصادر الطاقة من خلال الاستثمار المكثف في مجالات الطاقة الشمسية، والرياح، والهيدروجين الأخضر، بما يعزز مكانتها كقطب إقليمي واعد في مجالات الطاقة النظيفة والاقتصاد المستدام.

● كمال هدنة: مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر تعكس التحول الاستراتيجي للاقتصاد الطاقوي الوطني

صرّح مدير الإعلام والاتصال بوزارة الطاقة والطاقات المتجددة كمال هدنة لصحيفة “ الجزائر الآن ” الالكترونية ،أن الانتقال الطاقوي في الجزائر لم يعد مجرّد خيار استراتيجي، بل أصبح توجهًا وطنيًا راسخًا تجسده المشاريع الميدانية الكبرى التي أطلقتها الوزارة في إطار الرؤية التي تبنتها السلطات العليا للبلاد.

مصدر الصورة

وأكد هدنة أن تطوير الطاقات الجديدة والمتجددة وكفاءة استخدام الطاقة يشكلان اليوم أحد المحاور الأساسية في الاستراتيجية الوطنية للطاقة .

مبرزًا أن الهيكلة الجديدة التي عرفها القطاع مكّنت من تركيز الجهود نحو تسريع تحقيق الأهداف الوطنية الرامية إلى تنويع الموارد الطاقوية وضمان مزيج متوازن للطاقة يستثمر في جميع المصادر المتاحة، وعلى رأسها الطاقات المتجددة.

● برنامج وطني طموح لتعزيز الطاقات المتجددة وتزويد المناطق المعزولة بالكهرباء النظيفة

وأوضح أن قطاع الطاقة شرع في تنفيذ برنامج وطني طموح لإنتاج 15 ألف ميغاواط من الطاقات المتجددة في آفاق 2035 ، مضيفًا أن المرحلة الأولى من هذا البرنامج انطلقت فعليًا بقدرة إجمالية تبلغ 3200 ميغاواط موزعة عبر 14 ولاية.

وفي السياق ذاته، كشف هدنة عن التحضير لإطلاق برنامج لتزويد المناطق المعزولة بالكهرباء، لاسيما في الجنوب، بالاعتماد على أنظمة الطاقة الشمسية الفردية والمحطات الكهروضوئية خارج الشبكة، ما سيسهم في تحسين معيشة المواطنين ودعم التنمية المحلية.

● الجزائر نحو ريادة إقليمية في الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة

وأضاف أن تنفيذ هذا البرنامج سيسمح، إلى جانب ترشيد استهلاك الغاز، بتحقيق تنمية صناعية متكاملة على امتداد سلسلة القيمة ، وإطلاق ديناميكية جديدة في مجال الهيدروجين الأخضر، فضلًا عن إمكانية تصدير الكهرباء النظيفة وتقليص البصمة الكربونية للبلاد.

كما شدّد على أن الوزارة ماضية في جهودها لتوفير حلول مستدامة للتحديات البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية، في إطار رؤية شاملة تضمن الأمن الطاقوي الوطني وتحقق التنمية المستدامة وتعزز مكانة الجزائر كفاعل إقليمي واعد في أسواق الطاقة المستقبلية.

● مشاريع الهيدروجين الأخضر ترسم ملامح التحول الطاقوي الجديد في الجزائر.

مصدر الصورة

وفي حديثه عن مشروع تطوير الهيدروجين الأخضر، أوضح هدنة أن الجزائر تتوفر على قدرات ومؤهلات كبيرة تجعلها في موقع ريادي لتبني هذا الخيار الطاقوي الواعد، مشيرًا إلى أن الوزارة أنهت إعداد استراتيجية وطنية لتطوير هذا القطاع .

وبيّن أن تنفيذ هذه الاستراتيجية الوطنية يتطلب توفر منظومة متكاملة تشمل إطارًا تنظيميًا ومؤسساتيًا فعالًا، وتأهيل الموارد البشرية، ونقل التكنولوجيا، وتوفير التمويل، إلى جانب ضمان سوق شفافة وتنافسية.

● الجزائر تجسّد المرحلة الثانية من استراتيجية الهيدروجين نحو اقتصاد طاقوي مستدام

وفي هذا الإطار، أعلن هدنة أن الجزائر دخلت المرحلة الثانية من تجسيد ورقة الطريق الوطنية للهيدروجين ، من خلال مشاريع تجريبية تشرف عليها سونلغاز وسوناطراك ، تشمل:

_ مشروع الأمونيا الخضراء بمصفاة أرزيو بولاية وهران.

_ مشروع الوقود البديل المستدام (SAF) بأرزيو أو الجزائر العاصمة.

_ مشروع الممر الجنوبي لنقل الهيدروجين (South Corridor H2) الذي يربط الجزائر بألمانيا مرورًا بإيطاليا والنمسا، والذي وُقّعت بشأنه اتفاقيات مع شركاء أجانب لدراسة ربط وتسويق الهيدروجين في دول شمال البحر الأبيض المتوسط.

وختم هدنة تصريحه بالتأكيد على أن هذه المشاريع تمثل نقلة نوعية في مسار الانتقال الطاقوي الوطني ، وتؤسس لاقتصاد متنوع ومستدام، يكرّس استقلالية القرار الاقتصادي للجزائر ويعزّز مكانتها كمصدر موثوق للطاقة النظيفة في المنطقة.

● الخبير الطاقوي كريم حسني: اللوبيات البترولية تعرقل طموح الجزائر في ريادة الطاقات الشمسية الحرارية

أكد الدكتور كريم حسني، الخبير في الانتقال الطاقوي، في تصريح لصحيفة” الجزائر الآن” الالكترونية ، بأن البرنامج الاستراتيجي الوطني الذي يراهن عليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لتحويل الجزائر إلى فاعل مؤثر في مجال الطاقات البديلة والصديقة للبيئة .

يجب أن يستند إلى محاور علمية واقتصادية دقيقة تحدث تحوّلًا جوهريًا يواكب التطورات التكنولوجية العالمية.

وموضحا في ذات الشأن بأن الانتقال الطاقوي في الجزائر يرتبط بعدة مؤشرات اقتصادية وإنتاجية، مشيرًا إلى أن الأولوية تكمن في تلبية الحاجيات الوطنية من الطاقة والبحث عن أسواق خارجية للتصدير ، بما يضمن التوازن بين الطلب الداخلي والطموح الدولي.

وبيّن أن التحول الطاقوي لا يمكن أن يُختزل في الكهرباء فقط ، إذ لا تمثل سوى 30% من الاستهلاك الوطني للطاقة ، مقابل 70% من الطاقة الحرارية ، داعيًا إلى مراجعة الأهداف الحكومية لتتلاءم مع هذا الواقع. كما شدّد على ضرورة تطوير الطاقة الشمسية الحرارية بدل الاكتفاء بالألواح الشمسية التي لا تنتج إلا في أوقات الذروة النهارية.

● الطاقة الشمسية الحرارية رهان الجزائر لتحقيق أمنها الطاقوي واستقلالها الاقتصادي

وأشار الخبير إلى أن الجزائر تمتلك مؤهلات ضخمة في مجال الطاقة الشمسية الحرارية ، تقدر بنحو 39 ألف مليار ميغاواط سنويًا ، ما يؤهلها لأن تصبح مركزًا إقليميًا لتزويد أوروبا وإفريقيا بالطاقة البديلة ، مؤكدًا أن “هذا النوع من الطاقة يمثل مستقبل الجزائر الحقيقي في الأمن الطاقوي والاستقلال الاقتصادي .

وفي سياق حديثه عن الهيدروجين الأخضر ، فقد ابرز بأن هذا المجال ما زال غير ناضج تجاريًا ولا يمتلك سعرًا مرجعيًا في السوق الأوروبية ، معتبرًا أن الرهان عليه في الوقت الحالي غير واقعي، وأن المسار الأنجع يتمثل في الاستثمار في الطاقة الشمسية الحرارية
حسني : يحذر من لوبيات بترولية تسعى لعرقلة توجه الجزائر نحو الطاقات الشمسية الحرارية.

كما لفت الخبير إلى أن التحكم في التقنيات الحديثة لم يعد عائقًا أمام الجزائر، مبرزًا أن الكفاءات الوطنية قد نجحت في مشروع محطة حاسي الرمل دون أي دعم تقني أجنبي ، غير أن التحدي الأكبر – حسبه – يتمثل في ضعف شبكات النقل الكهربائي وضرورة تحديثها بما يتناسب مع الزيادة المستمرة في نمو مؤشرات الاستهلاك المحلي.

وحذّر حسني من محاولات بعض اللوبيات البترولية الأمريكية التي – على حد تعبيره – “تسعى إلى عرقلة التوجه الجزائري نحو الطاقات الشمسية الحرارية”، لأنها تدرك أن نجاح الجزائر في هذا المجال سيجعلها منافسًا قويًا ويهدد مصالحها في السوق الطاقوية العالمية، خاصة بعد تراجع الإمدادات الروسية لأوروبا. وقال إن هذه اللوبيات تحاول فرض مشاريع الهيدروجين الأخضر في الجزائر بأسعار منخفضة لتبقى هي المتحكمة في السوق العالمية.

وفي ختام كلامه، دعا الدكتور حسني إلى فتح المجال للاستثمار الوطني والأجنبي في قطاع الطاقات المتجددة، لكن تحت إشراف الكفاءات الجزائرية ، مع ضرورة فرض الشروط الجزائرية في الشراكات مع الاتحاد الأوروبي ، لاسيما ما يتعلق بتحكم الجزائر في الشبكات المغاربية الناقلة للكهرباء نحو أوروبا ، معتبرًا أن هذه الخطوة ستمكن البلاد من ترسيخ مكانتها كقوة طاقوية صاعدة وفاعلة في السوق الدولية للطاقة النظيفة.

● الجزائر تراهن على تنويع مصادرها الطاقوية وتعزيز استقلالية القرار الاقتصادي

صرّح الدكتور هواري تيغرسي، الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة بن عكنون، في حديث لصحيفة” الجزائر الآن” الالكترونية ، أنّ الجزائر دخلت فعلاً مرحلة التحوّل من الخطاب النظري إلى خطوات عملية في مسار الانتقال الطاقوي، مؤكداً أنّ الرهان اليوم لم يعد شعاراً سياسياً، بل توجهاً ميدانياً لبناء اقتصاد طاقوي متنوّع ومستقل القرار.

وأشار إلى أنّ هذا التحول يتجلى من خلال المشاريع الكبرى التي أطلقتها الدولة لتطوير الطاقات المتجددة، ورفع حصتها في المزيج الطاقوي الوطني في أفق 2030 و2035، إلى جانب إطلاق مبادرات نوعية في مجال الهيدروجين الأخضر بالشراكة مع مؤسسات أوروبية وإقليمية.

كما أبرز الدور المحوري الذي تلعبه الهيئات الجديدة مثل شركة SHAEMS في المشروع المشترك ما بين مجمع سوناطراك و مجمع سونلغاز في تجسيد التنفيذ الميداني وإدارة المناقصات والمشروعات الطاقوية.

● فرص استراتيجية لتأسيس اقتصاد طاقوي جديد

أوضح أنّ الجزائر تمتلك مقومات طبيعية واقتصادية تؤهلها لتكون رائدة في مجال الطاقات النظيفة، بفضل ثروتها الشمسية والرياحية الهائلة ومساحاتها الشاسعة، ما يجعلها قادرة على إنتاج كهرباء منخفضة الكلفة وتحويلها إلى هيدروجين أخضر أو أمونيا للتصدير نحو الأسواق الأوروبية والإفريقية.

ومشيرا إلى أنّ هذا المسار من شأنه بأن يفتح الباب أمام خلق قيمة مضافة محلياً، من خلال تطوير سلسلة إنتاجية وصناعية وطنية تشمل تصنيع الألواح الشمسية والمكونات التقنية وخدمات التشغيل والصيانة. كما أن الشراكات الموقعة مع شركات أوروبية كـCepsa ومؤسسات ألمانية، تمثل رافعة مهمة لنقل التكنولوجيا وتمويل المشاريع الكبرى للإنتقال الطاقويالجزائري الجديد .

● تحديات التحول: التمويل، البنية التحتية، والإطار التنظيمي

في المقابل، فقد شدد على أنّ هذا التحول الطاقوي يواجه جملة من التحديات، والتي من بين أهمها التمويل ، نظراً لحجم الاستثمارات الضخمة المطلوبة لتنفيذ المشاريع الطموحة. وأوضح أنّ الخطط الاستثمارية المعلنة بمليارات الدولارات تحتاج إلى توزيع واضح ومتوازن بين قطاعي الغاز والطاقات المتجددة، لتجنب التباطؤ في الانتقال الطاقوي.

كما نبه وفي ذات السياق إلى ضعف البنية التحتية للنقل والتخزين والربط الكهربائي للطاقات المتجددة ، مؤكداً أنّ تصدير الهيدروجين أو الأمونيا يتطلب تجهيزات تقنية وموانئ متخصصة وممرات أنبوبية مثل مشروع SoutH2 المقترح.

ومشيرا إلى أن التحدي الثالث يتمثل في بناء إطار تنظيمي وطني فعّال قادر على جذب الاستثمار وضمان الحوكمة والشفافية، إلى جانب تأهيل الكفاءات الوطنية في مجالات الصناعة الطاقوية الجديدة.

● بين الطموح والواقع: نجاح تدريجي نحو اقتصاد متجدد

وحول سؤال ما إذا كانت الجزائر نجحت فعلاً في تحويل الانتقال الطاقوي إلى رهان اقتصادي حقيقي.

قال الدكتور تيغرسي إنّ النجاح الجزئي بدأ فعلاً، لكنه لا يزال في مرحلة التأسيس ،ومشيرا إلى أن ما تحقق إلى غاية اليوم يقتصر على مشاريع تجريبية ومناقصات في مجال الطاقة الشمسية، ودراسات جدوى للهيدروجين الأخضر مع شركاء أجانب.

وهي خطوات إيجابية لكنها تحتاج إلى تسريع التنفيذ وتوسيع نطاق التصنيع المحلي.

ويرى أن تحقيق القيمة الاقتصادية المضافة يتطلب بناء صناعات تحويلية محلية في مجالات تصنيع الألواح الشمسية والمعدات التكنولوجية والتقنية الحديثة ، وتفعيل سلاسل توريد وطنية قادرة على التصدير، مع وضع تحفيزات مالية وتشريعية واضحة للمستثمرين المحليين فيهذا المجال الإقتصادي والإستراتيجي المتنامي.

● النموذج المزدوج: بين الواقعية الاقتصادية ومخاطر الجمود

وحول جدوى النموذج المزدوج الذي يجمع ما بين الحفاظ على الموارد الأحفورية وتوسيع الاعتماد على الطاقات المتجددة، أوضح تيغرسي أن هذا النموذج يعكس مرونة وواقعية سياسية واقتصادية ، إذ يتيح للجزائر الحفاظ على عائدات المحروقات لتمويل مشاريع التحول الطاقوي، دون الإخلال باستقرار الميزانية العامة للدولة.

لكنه حذّر في المقابل من خطر ما وصفه بـالجمود المؤسسي ، إذا لم تُدار الموارد بعقلانية وشفافية، مشيراً إلى أنّ استمرار الاعتماد الكبير على المحروقات قد يقلّل من الحافز الحقيقي للاستثمار في الطاقات المتجددة الجديدة.

كما قد يؤدي إلى استفادة الشركاء الأجانب أكثر من الاقتصاد الوطني في حال غياب سياسات صريحة لدعم المحتوى المحلي.

وفي ختام حديثه، دعا الخبير الاقتصادي إلى تبني سياسات دقيقة وعملية قصيرة المدى لتسريع التحول الطاقوي، والتي من بين أبرزها:

1. تحديد أهداف واضحة للطاقة المتجددة بحلول 2030 و2035 مع مؤشرات أداء قابلة للقياس.

2. فرض نسب محتوى محلي إلزامية في عقود الإنشاء والصناعة الطاقوية، مع منح حوافز للمستثمرين المحليين.

3. توسيع التحالفات الإقليمية والدولية لتمويل مشاريع الهيدروجين الأخضر ونقل التكنولوجيا.

4. إعطاء الأولوية لإنشاء بنى تحتية للنقل والتخزين والتصدير، خاصة الموانئ والأنابيب المرتبطة بممرات مثل SoutH2.

واختتم الدكتور تيغرسي تصريحه بالتأكيد على أنّ “الجزائر تملك كل المقومات لتكون قوة طاقوية جديدة في المنطقة الإفريقية وحوض المتوسط ، شريطة أن يتحول الطموح إلى سياسة تنفيذية واضحة تعزز السيادة الاقتصادية والأمن الطاقوي وتخلق قيمة حقيقية مضافة للخزينة العمومية خارج قطاع المحروقات.

● من الرؤية إلى التنفيذ: الكفاءة والابتكار في صلب النهضة الطاقوية الجزائرية

يشير المختصون إلى أن تحسين كفاءة الطاقة بات من أهم محاور التحول الطاقوي، خصوصاً في قطاعي السكن والنقل ففي مجال السكن، شرعت السلطات في تنفيذ برنامج لتركيب 100 ألف سخان مياه شمسي وتحسين العزل الحراري لـ 150 ألف وحدة سكنية سنوياً ، مع تعميم المصابيح الاقتصادية (LED) وتحسين كفاءة الأجهزة الكهرومنزلية.

أما في النقل، فقد انطلقت عملية تحويل 200 ألف مركبة للعمل بالغاز البترولي المميع (GPL) ، بالتوازي مع إنشاء خطوط إنتاج محلية لمعدات التحويل وتشجيع استعمال الوقود المزدوج والغاز الطبيعي المضغوط (CNG) ، في انتظار الانطلاق الفعلي لمرحلة المركبات الكهربائية.

وفي المجال الأكاديمي، شهدت سنة 2020 تأسيس المدرسة الوطنية للطاقات المتجددة لتكوين الكفاءات وتأهيل الإطارات القادرة على قيادة مشاريع التحول الطاقوي المستقبلية.

● الصناعة الوطنية كدعامة للتحول الطاقوي

يرى الخبراء أن التحول الطاقوي لن يكتمل دون قاعدة صناعية وطنية قادرة على إنتاج التجهيزات والمعدات المرتبطة بالطاقات النظيفة محلياً.

وتشجع السياسة الحكومية الحالية على توطين سلاسل الإنتاج الصناعي في هذا المجال، بما يضمن خلق مناصب شغل جديدة، وتعزيز النسيج الاقتصادي الوطني، وتقليص التبعية للاستيراد.

● من الاعتماد الأحفوري إلى تنويع الموارد

تستمد الجزائر حالياً حوالي 65٪ من طاقتها من الغاز الطبيعي و35٪ من النفط، حيث يُستخدم الغاز الطبيعي لتوليد أكثر من 99٪ من الكهرباء. غير أن ارتفاع الطلب الداخلي وتباطؤ الإنتاج يفرضان تحدياً حقيقياً على الأمن الطاقوي الوطني.

في المقابل، تمتلك الجزائر قدرات هائلة في الطاقة الشمسية ، بفضل معدل إشعاع يتراوح بين 2500 و3600 ساعة سنوياً ، ما يجعلها من أغنى الدول في هذا المجال.

ويرى المتخصصون أن الاستغلال الأمثل للطاقة الشمسية لا يقتصر على تركيب المحطات فحسب، بل يتطلب إنتاج المعدات محلياً وتحويل المعرفة التقنية إلى صناعة وطنية مستدامة.

● برامج ومشاريع التحول الطاقوي

بدأت الجزائر خطواتها الأولى في التحول الطاقوي سنة 2011 بإطلاق برنامج وطني يهدف إلى إنتاج 22 ألف ميغاواط من الكهرباء النظيفة ، منها 12 ألف ميغاواط لتغطية الطلب الداخلي و10 آلاف للتصدير. ورغم العراقيل التي واجهت تنفيذ هذا البرنامج، فقد أعادت الحكومة ضبط أهدافها، محددة نسبة 27٪ من الكهرباء المنتجة من مصادر متجددة بحلول 2030.

وفي إطار تسريع الإنجاز، تم إنشاء محافظة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية سنة 2019، تلتها سنة 2020 وزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة التي وضعت خارطة طريق جديدة، ترتكز على بلوغ 30٪ من الإنتاج الكهربائي من مصادر نظيفة مع أفق 2030.

كما تشهد سنة 2025 إطلاق مشاريع كبرى في ولايات بسكرة والمغير، بطاقة إجمالية قدرها 400 ميغاواط ضمن برنامج وطني ضخم لإنتاج 3200 ميغاواط من الكهرباء الشمسية، وهو ما يشكل اللبنة الأولى نحو تحقيق هدف 15 ألف ميغاواط بحلول 2035.

● الهيدروجين الأخضر: رهان المستقبل

يمثل الهيدروجين الأخضر العمود الاستراتيجي الجديد للطاقة في الجزائر. ويجري تنفيذ مشروع “طاقاتي+” بشراكة مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا لتطوير هذه الصناعة الواعدة.

كما تتجه الجزائر نحو شراكات خليجية لتعزيز تمويل المشاريع الطاقوية الكبرى، من بينها مفاوضات مع شركة “مترو القابضة” الكويتية، ما يعزز مكانتها كمحور طاقوي بين أوروبا والعالم العربي .

● التحول الاقتصادي: من المورد إلى الفاعل

يؤكد الخبراء أن نجاح التحول الطاقوي سيقود الجزائر إلى تحول بنيوي في اقتصادها الوطني ، من اقتصاد ريعي يعتمد على تصدير المواد الخام، إلى اقتصاد صناعي تحويلي قائم على القيمة المضافة والتكنولوجيا.

فالرهان اليوم، كما يقول المختصون، ليس فقط في إنتاج الطاقة، بل في إنتاج المعرفة والمعدات التي تجعل من الجزائر فاعلاً اقتصادياً حقيقياً في السوق الطاقوية الدولية.

● رؤية واضحة بعيدة المدى

تسعى الجزائر إلى رفع حصة الطاقة المتجددة إلى 37٪ بحلول 2030 ، والوصول إلى 15 ألف ميغاواط في 2035 ، مع هدف بعيد المدى بأن تصبح مصدّراً رئيسياً للطاقة النظيفة بحلول 2050 ، ضمن مبادرات كبرى مثل مشروع ديزرتيك الصناعية الموجه لتزويد أوروبا بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

إنها رؤية وطنية شاملة تجعل من التحول الطاقوي مشروعاً اقتصادياً وسيادياً بامتياز، يربط بين الأمن الطاقوي، النمو المستدام، والسيادة الاقتصادية، ويضع الجزائر في قلب التحولات العالمية نحو اقتصاد منخفض الكربون.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا